-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
اعتنت القيادة السعودية طيلة 93 عاماً بمدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتأصَّلت العلاقة بحكم قيام الحكم السعودي على الشريعة الغراء، وتوطيد دعائم الإيمان انطلاقاً من العناية بمهبط الوحي ومهد الرسالة، ثم بمهاجر النبي -عليه السلام- ومسجده، وكان الشغل الشاغل للملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في مطلع حكمه الوقوف على الحرمين الشريفين بنفسه، فسار على الإبل في رحلة امتدت لشهور، وكانت الغاية اصطحاب الراغبين من المواطنين ومرافقته في تأدية النسك، ليعودوا رسلاً إلى قبائلهم ومناطقهم وهجرهم ويشعرون المجتمع بما تم من تأمين الملك المؤسس طرق الحج والعمرة للسعوديين خاصةً والمسلمين كافة.

بدأ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بتأدية أوّل مناسك عمرة في عهد الدولة السعودية الثالثة، فأحرم ورجاله من «السيل» في السابع من جمادى الأولى ١٣٤٣هـ. وواكب دخول الملك عبدالعزيز مكة المكرمة، إصدار العدد الأول من جريدة أم القرى الجمعة في الخامس عشر من الشهر نفسه، وفيها تم نشر بلاغ مكة الذي وزع بهذه المناسبة، أوضح فيه أسس الدولة والمنهاج الذي سيسير عليه في الحكم.


ثم أنشأ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ١٣٤٥هـ، إدارة مستقلة تُعنى بشؤون المسجد الحرام باسم (مجلس إدارة الحرم)، ووظيفتها القيام بإدارة شؤون المسجد الحرام مع مراقبة عموم الخدمة به، وفي ربيع الأول من ١٣٤٦هـ، صدرت الموافقة على التقرير الصادر من مجلس إدارة الحرم حول حالة الحرم المكي الشريف، والحاجة لعملية إصلاح تعد الأولى في العهد الزاهر.

وفي ١٣٦٥هـ؛ أصدر الملك عبدالعزيز مرسوماً ملكياً يقضي بإنشاء مديرية الحج والحرمين الشريفين، وتعيين محمد بن صالح آل الشيخ مديراً لها، واستمر عملها إلى ١٣٧٤هـ، إذ تم تغيير اسم مديرية الحج والحرمين الشريفين إلى اسم مديرية الحج والأوقاف الإسلامية وتعيين حسين عرب رئيساً لها، وتنامى الاهتمام بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، وخصصت مديراً لكل واحد منهما يتولى إدارة شؤونه، واستمرت إدارة الحرمين الشريفين تابعة لإدارة الأوقاف التي غدت وزارة مستقلة (وزارة الحج والأوقاف) ابتداء من ١٣٨١هـ، وفي ذي القعدة من ١٣٨٤هـ، صدر الأمر بإنشاء الرئاسة العامة للإشراف الديني بالمسجد الحرام واستقلت بإدارة شؤون التوعية والعاملين في مجالها في الحرم المكي الشريف، وظلت إدارة خدمات الحرم تحت إشراف وزارة الحج والأوقاف، وفي ذي القعدة من ١٣٩٧هـ؛ صدر الأمر الملكي بإحداث (الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين).

واستمرت وزارة الحج بالمسمى نفسه إلى ١٤١٤هـ؛ إذ تم فصل قطاع الأوقاف عن الحج، وغدت وزارة الحج. وفي عهد الملك سلمان ولمزيد الحرص والعناية بضيوف الرحمن وقاصدي المشاعر؛ تم تعديل المسمى لتصبح (وزارة الحج والعمرة).

وفي ١٤٠٧هـ؛ صدر الأمر السامي بتغيير مسمى رئاسة الحرمين إلى (الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي)، وفي رجب من ١٤١٤هـ، صدر الأمر السامي بضم مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى الرئاسة.

وكانت الخطوات الأولى لتنظيمات مؤسسات أرباب الطوائف (المطوفين، الوكلاء، الإدلاء، الزمازمة) بدأت لتبدأ معها خطوات متوالية من التطوير والانتقال من الخدمات الفردية إلى الخدمات المؤسسية المنظمة، فظهرت مؤسسات الطوافة الست، فضلاً عن مؤسسة الإدلاء بالمدينة المنورة ومكتب الوكلاء الموحد بجدة ومكتب الزمازمة الموحد بمكة المكرمة.

ويولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، أعظم عناية بالحرمين الشريفين، ويحتفيان حفاوة كبرى بمهبط الوحي ومهاجره، إذ حظي الحرمان الشريفان بعناية واهتمام، وتوالت التوسعات المكانية لاستيعاب الأعداد المتزايدة والكبيرة من ضيوف الرحمن الذين يفدون إلى المملكة من مختلف الأقطار خلال موسمي الحج والعمرة.

وتم، أمس الأول، اعتماد الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بشخصية اعتبارية ومالية وإدارية مستقلة لتتولى ما يتعلق بالخدمات والتشغيل والصيانة والتطوير في الحرمين الشريفين، ما يعطيها مرونة أكبر في سرعة تسهيل الإجراءات والموافقات، وما يترتب على ذلك من سرعة في التنفيذ ورفع جودة الخدمات المقدمة في الحرمين الشريفين. وستظل الأماكن المقدسة محل العناية والاهتمام من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين، مثل ما كانت أمانة يستودعها السلف للخلف، طيلة ٩٣ عاماً؛ وستشهد المزيد من النقلات النوعية والهيكلة الإدارية، ورفع مستوى التنظيم المؤسسي والإداري، وتسخير التقنيات الناشئة والذكاء الاصطناعي، وأتمتة الأعمال والحوكمة؛ وفق أعلى معايير الجودة العالمية، حرصاً على تقديم الخدمة لضيوف الرحمن والمعتمرين والزوار للحرمين الشريفين بهدف الوصول إلى (30) مليون معتمر وفق رؤية (2030).