كتاب ومقالات

الوعي البشري فلسفة علوم النفس والاجتماع

الأولى / / نوفمبر

Ashwag_shetewi@ أشواق شتيوي

الوعي البشري ليس مجرد حالة عابرة من الإدراك، إنما عملية مستمرة من التفحص والتفسير، ومن خلال هذا الوعي نرى أنفسنا والعالم من حولنا، ونتفاعل مع الواقع بطرق إما عميقة أو سطحية، بحسب مدى فهمنا لهذا الواقع. وتعد علوم النفس، والاجتماع، والنفس الاجتماعي؛ أدوات فلسفية لتحليل هذا الوعي، إذ يركز كل منها على جانب مختلف من الوجود الإنساني المعقد.

(علم النفس) يركز على الذات الفردية، محاولاً فك طلاسم الأفكار والمشاعر والميول التي تحكم سلوك الإنسان؛ بمعنى أنه دراسة للعقل والوجدان، تُضيء الزوايا المظلمة التي قد نتجنب مواجهتها، وتفتح أمامنا إمكانيات جديدة لفهم الذات.

أما (علم الاجتماع)؛ فيتناول المجتمع ككل، محاولاً كشف القوانين غير المرئية التي تنظم سلوك الأفراد في سياقات اجتماعية وثقافية، ولا يدرس هذا العلم الأفراد بمعزل عن الآخرين، بل ينظر إليهم كجزء من بنية معقدة تتأثر بالعادات والقيم والتقاليد التي تفرضها البيئة الاجتماعية.

من جهة أخرى؛ يجمع علم النفس الاجتماعي بين هذين المنظورين، فيوضح كيف يؤثر المجتمع على الفرد، وكيف يتفاعل الأفراد مع البيئة الاجتماعية المحيطة بهم، كما يبرز تأثير الأبعاد الجماعية، مثل الديناميكيات الثقافية والاجتماعية، على الوعي الفردي وتوجهاته.

لكن؛ لماذا قد يثير هذا التوجه العلمي الفلسفي القلق لدى البعض؟، الجواب: لأن هذه العلوم تتطلب منا مواجهة حقيقة قد تكون صعبة: أن الوعي ليس فقط نتاجاً لتجاربنا الشخصية، بل هو أيضاً حصيلة تأثيرات خارجية غير مرئية تحيط بنا.

هذه الفكرة قد تبدو مزعجة لأولئك الذين يفضلون تصور الفرد ككيان مستقل تماماً بعيداً عن التأثيرات الخارجية، لكن الواقع كما تشير هذه العلوم يكشف أن الوعي البشري هو مزيج من الطبيعة النفسية، والتجارب الشخصية، والعوامل البيئية والاجتماعية التي تشكل سلوكنا وتوجهاتنا.

تسعى هذه العلوم إلى تحفيز التفكير النقدي، وهي لا تقدم إجابات جاهزة، بل تدعونا إلى التساؤل وعدم التسليم بالمظاهر، إنها تحثنا على تأمل التفاعلات الخفية التي تسهم في تشكيل الهوية الفردية والجماعية.

وبهذا تصبح علوم النفس والاجتماع مجالاً فلسفياً بامتياز؛ فهي لا تكتفي بالبحث عن حلول، بل تسعى لتوسيع آفاق الوعي وتعميقه، مما يؤدي إلى فهم أعمق وأكثر شمولية للوجود الإنساني.