تحقيقات

من يخدع الفحص الدوري؟

طلاء الفحمات.. استئجار الإطارات.. وخشب في نوابض السيارات

يونيو هـ 22 / 1445 Class="articledate">الجمعة Class="articledate">الجمعة 2024 ذو / / 28 الحجة

ياسر المالكي

الذيابي R777aa@ عبدالكريم (الطائف)

السيارة من ضروريات الحياة التي يحرص الجميع على اقتنائها والمحافظة عليها من جميع العيوب، لأهمية سلامتها وتفادي مخاطرها البيئية والصحية، ومن هنا برز اهتمام الجهات المعنية بإنشاء مراكز الفحص الدوري، ودعمها بمراكز متنقلة في بعض المدن، لكن المتحايلين على الفحص الدوري، لا يكترثون بممارساتهم في تركيب الإطارات المؤقتة، وتقليل العوادم وطلاء الفرامل وغيرها لتجاوز الفحص، ما قد يتسبب في مخاطر على الأمن والسلامة.

ويطالب مواطنون بردع المتحايلين ومحاسبتهم، لا سيما أنهم يمارسون الغش والخداع والتضليل. وقال عبدالله القرني: «إنه فوجئ بسيارة مفحوصة وجد إطاراتها تالفة، وبعد تقصّي ذلك وجد أن البائع استبدلها بشكل مؤقت عن طريق الإيجار لتجاوز الفحص». أما أبو أحمد، فيرى أن ورشاً و(بناشر) تنتشر قرب مراكز الفحص لتقديم خدمات التحايل بأسعار رمزية وبعضهم يراهن على تجاوز الفحص. ويقول سلطان البقمي: إن أغلب من يمارس ذلك (شريطية) السيارات لكثرة ما يشترون ويبيعون؛ لإيهام الزبائن بأنها مفحوصة وجديدة، وبعد الاستخدام تتضح العيوب. وطالب مختصون بمحاسبة المتحايلين والتشهير بهم ونشر الوعي بمخاطر ما يلجأون إليه.

يشار إلى أن الفحص الفني يمر بعدة محاور؛ أولها فحص الأجزاء السفلية للمركبة، فحص انبعاثات الغاز من جهاز العادم، فحص المكابح وانحراف العجلات، فحص شدة الإنارة الأمامية والخلفية، وتبلغ تكاليف الفحص 115 ريالاً مع القيمة المضافة، فيما تبلغ رسوم إعادة الفحص 37 ريالاً.

أساليب مميتة للتحايل والخداع

عضو هيئة التدريب بالكلية التقنية بالطائف المهندس خالد عبدالله قدسي، يقول: «دائماً ما نسمع بالتحايل في مجالات عدة ومنها الفحص الدوري الفني للمركبات، وهو مجال في غاية الأهمية، ويعتبر ما يقوم به البعض من تحايل مجرد ممارسات خاطئة وهي في الحقيقة جرائم بحق المخالف ومجتمعه وسالكي الطريق، ومن هذه الجرائم ما يتم فيه التحايل لاجتياز الفحص الدوري باستئجار الإطارات لاجتياز الفحص بمبلغ رمزي بسيط، ويعود قائدو المركبات للإطارات القديمة بعد الفحص، وهذا السلوك من أكبر مسببات الحوادث».

ومن أساليب التحايل تقليل غاز أول أكسيد الكربون CO بطرق غير فنية، ولا يعلم من يقوم بهذه الجريمة أنه يساهم بقتل الإنسان والحيوان والنبات وتلويث المياه والبيئة، كما يساهم بعرقلة جهود الدولة في تقليل الملوثات، وكذلك طلاء فحمات الفرامل بطلاء معين لزيادة قوة الفرامل، وهذه الطريقة مؤقتة وتسبب ضعف أداء الفرامل أو حتى الاشتعال بسبب شدة الحرارة ونوع المادة ووقوع الحوادث.

ومن الأساليب وضع قطع خشبية فوق النوابض لتعديل مستوى السيارة (الميول) وهذا لعب فاضح بأهم إجراءات السلامة بالمركبة معرضاً حياته وحياة الآخرين للخطر، وكذلك ضخ الماء داخل أنابيب العادم لتقليل انبعاث الدخان، ما يسبب تكوّن الصدأ في مجموعة العادم واهتراء المجموعة بالكامل. ومن آخر الأساليب استئجار ممتص الصدمات (المساعدات) أو طلائها بالدهان لإخفاء العيوب الظاهرة.

شهّروا بالمخادعين

يرى عضو هيئة التدريب بالكلية التقنية بالطائف المهندس خالد عبدالله قدسي، أن الكثير من الجرائم تعرِّض صاحبها للحوادث والأضرار الجسمية، والبعض يتساءل: لماذا لا تُجهز مراكز الفحص الدوري الفني للمركبات والسيارات بأجهزة حديثة ومتطورة لكشف الجرائم التي يقوم بها البعض. ويجيب القدسي: أن الفحص الدوري الفني للمركبات والسيارات معد بأجهزة متطورة وحديثة للكشف على المعطيات التي يتطلبها فحص السيارة من محرك وهيكل وغازات وكهرباء وكل ما يتعلق بالتوجيه والتعليق، كما أن إدارة الفحص الدوري تحذر من القيام بهذه الجرائم، ومن الطبيعي أن الأجهزة مهما كانت حديثة لا تستطيع الكشف عن الإطارات المستأجرة على سبيل المثال، كما أن موظفي الفحص الدوري يمتلكون مهارة عالية لاكتشاف معظم هذه الاحتيالات التي لا تنطلي عليهم، ويجب على كل مرافق الدولة ومؤسساتها ذات الصلة بالتعاون مع محطات الفحص الدوري كشف ما تقوم به بعض المحلات من هذه الجرائم ومحاسبة صاحب المنشأة بعقوبات صارمة إضافة للتشهير بهم.

الفحص ليس إجراءً عقابياً

رئيس مجلس إدارة شعبة تخطيط النقل والسلامة المرورية بالجمعية السعودية لعلوم العمران الرئيس التنفيذي للجمعية السعودية للهندسة المدنية الدكتور علي عثمان مليباري، يرى أنه من المهم التأكيد على أن الفحص الدوري ليس إجراءً عقابياً، يدفع بأصحاب المركبات إلى تجنبه أو التحايل عليه، بل على العكس من ذلك تماماً، إذا ما نظرنا إلى حقيقته الجوهرية والمتمثلة في إخضاع المركبات إلى شكل من أشكال الصيانة الوقائية، والتأكيد من صلاحيتها للسير في الطرقات بما يضمن سلامة قائدها ومن يستغلها، فضلاً عن سلامة مستخدمي الطريق على اختلاف طرق استغلالهم للطريق؛ راجلين كانوا أو قائدين للمركبات، أو عابرين، آخذين في الاعتبار أن الهدف والغاية من الفحص الدوري تكمن في تجنب الحوادث التي تقع لأسباب تتعلق بكفاءة عمل المركبات، والمحصلة من ذلك إشاعة الأمن والسلامة على الطريق، إلى جانب تحسين جودة الهواء بتقليل كمية مُلوثات الهواء المُنبعثة من محركات المركبات المتهالكة أو التي لا تجري عليها صيانة دورية، كما أن أوجه الفائدة التي يوفرها الفحص الدوري حريٌّ بكل صاحب مركبة أن يبادر إلى إجرائه بشكل تلقائي، والمحدد بسنة كاملة على الإلزام، مع إمكانية التبكير متى ما أراد صاحب المركبة ذلك.

سيارتك سليمة.. اطمئن

الدكتور علي عثمان مليباري يؤكد أن الفحص يضع صاحب المركبة في حالة الاطمئنان على مركبته، باجتيازها لكافة الاختبارات الضابطة لأجزائها الداخلية والخارجية، وحتى الملاحظات التي توجب إعادة الفحص، تمثّل فرصة ثمينة لصاحب المركبة للوقوف على موطن الخلل في مركبته بأساليب علمية ودقيقة، ما يتطلب صيانتها وإصلاحها على وجه السرعة، بما يوفر له الكثير من المال، فضلاً عن إشاعة الطمأنينة والأمن، والقيادة دون هواجس من تعطل أو توقف المركبة، ومن الفوائد توفير الوقت والمال، فعبر هذا الإجراء يمكن تلافي أي تفاقم للمشكلات الصغيرة، التي تتطور في الغالب حين تجاهلها، أو التقليل من شأنها، بما يكلف صاحب المركبة مالاً إضافياً، ووقتاً مهدراً في صيانة أكبر وأوسع وأشمل للمركبة.

كما يعمل الفحص الدوري على زيادة كفاءة السيارة ورفع متوسط عمرها، والتقليل من مستهلكات الوقود والتشحيم والزيوت طالما بقي المحرك يعمل بسلاسة في ظل العناية والفحص المستمر، وذلك يفضي بالضرورة إلى المحافظة على قيمة السيارة سوقياً حتى مع تقادم الموديلات. وبالنظر إلى هذه الفوائد المرجوة من الفحص الدوري، فمن غير اللائق، بل والموجب للعقوبة، التساهل في هذا الإجراء، أو التحايل عليه؛ لضمان الاجتياز بالحيلة من اختبارات الفحص، خصوصاً أن الإجراءات سهلة، والقيمة المالية بسيطة، وطرق الحجز متاحة في أي وقت من العام، لذلك من الضروري أن يفهم المتحايلون أن المخاطر المترتبة على طرقهم الملتوية كبيرة، وفي غاية الخطورة؛ حيث تضع المركبة وقائدها في خطر دائم، وحوادث محتملة، قد تصل إلى الخطيرة والمميتة، وقد يتعدى خطرها قائد المركبة إلى آخرين في الطريق.

المادة 44.. بالمرصاد

المحامية منال السعدي، قالت: «إن أهمية الفحص الدوري تكمن لكل قائد مركبة في المحافظة على الأمان، من خلال إمكانية كشف الأعطال مبكراً وتفادي الخطر، ويعنى ذلك للجهات المرخص لهم لممارسة هذا النشاط، ومع كثرة الإقبال على هذا النشاط ظهر بعض من المتحايلين على هذا التنظيم من بائع أو مستهلك أو جهة مخولة». والنظام تصدى لمثل هؤلاء ولمثل هذه التجاوزات، فقد نصت المادة 44 من اللائحة التنفيذية على تنظيم الفحص الفني الدوري للمركبات مع عدم الإخلال بإيقاع العقوبات المنصوص عليها في التنظيم -لمن لحقه ضرر- نتيجة ارتكاب أيٍّ من المخالفات المنصوص عليها في التنظيم أو اللائحة حق المطالبة أمام المحكمة المختصة بالتعويض عن الضرر المادي أو المعنوي بما يتناسب مع حجم الضرر.

وأشارت السعدي إلى المسؤولية المدنية والجزائية لمثل هذه التجاوزات المخالفة لنظام الغش التجاري ومنها استخدام إطارات مؤقتة تظهر مظهر الجديدة، ووضع قطع توحي لخبراء الفحص الدوري بجودة المنتج، فيتعين على كل مالك مركبة أن تكون لديه مسؤولية تجاه الحفاظ على حياته وحياة الآخرين، وتكمن مسؤوليته في البحث بدوره عن مواد ذات جودة عالية ومطابقة للمواصفات والمقاييس المعتمدة وعدم الانجراف نحو استخدام مواد استهلاكية لغرض التحايل ومجاوزة الفحص الدوري فقط، كما ينبغي على الشركات الحرص على تقديم الأفضل منها، وعدم الغش وبيع المواد الاستهلاكية ذات الجودة المنخفضة بأسعار توحي للمستهلك أنها أصلية، حيث إن التهاون والتساهل في مثل هذه الأمور يؤديان إلى خطورة بالغة على حياة الأفراد بصفة خاصة وعلى الاقتصاد على وجه العموم، ويعد بيع الإطارات المستعملة أو منتهية الصلاحية، أو غير مطابقة للمواصفات مخالفة صريحة لنظام مكافحة الغش التجاري، في المادة الثانية من النظام التي تنص على «يعد مخالفاً لأحكام هذا النظام وخصص في فقراته: الثانية والثالثة والرابعة من غش -أو شرع- في غش المنتج. أو باع منتجاً مغشوشاً، أو عرضه، أو حاز منتجاً مغشوشاً بقصد المتاجرة».

تحايل على الكربون

رئيس لجنة البيئة بالاتحاد العالمي للكشاف المسلم الدكتور فهد عبدالكريم تركستاني، يرى أن الإطارات المؤقتة ليست آمنة، وتؤثر على قدرة السيارة على التوجه والتوازن، كما أنها غير ملائمة لظروف القيادة المختلفة، وتزيد من خطر وقوع الحوادث، وأن استخدام بعض المواد في تقليل غاز الكربون ليس آمنا كونها مواد مشبوهة وغير موثوقة لتقليل انبعاثات غازات العادم، وهذه المواد غير فعالة وتتسبب في تلف أنظمة السيارة وتلوث البيئة بمواد ضارة، وأن وضع قطع خشبية على النوابض هدفه الارتفاع الأرضي للسيارة، وتجنب الكشف عن أي عيوب في نظام التعليق، وهي غير آمنة وتؤثر على استقرار السيارة وتتسبب في فقدان التحكم وحوادث السير. مؤكداً أهمية التزام السيارات بمعايير السلامة والبيئة المحددة من قبل الجهات المختصة. محذراً من تعديل السيارة بطرق غير قانونية يمكن أن يؤدي إلى عقوبات قانونية وتعريض الأفراد والبيئة للخطر. وينصح بإجراء فحص دوري للسيارة وإجراء الصيانة اللازمة بانتظام لضمان سلامة القيادة والحفاظ على البيئة.

النظام حدد صور الغش

وتؤكد السعدي أن النظام كان صريحاً في تحديد صور غش المنتجات من بيع أو عرض أو حيازة يترتب عليها عقوبة بغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال، أو السجن مدة لا تزيد على سنتين، أو بهما معاً، أما لو كان الخداع بصفة متعمدة من البائع وثبت ذلك فإن العقوبة تكون مشددة، لتصل إلى السجن ثلاث سنوات، وغرامات مالية تصل إلى مليون ريال، أو بالعقوبتين معاً، متى ما اقترن فعل الخداع -أو الشروع فيه- باستعمال موازين أو مقاييس أو مكاييل أو دمغات أو آلات فحص أخرى مزيفة أو مختلفة، أو باستعمال طرق ووسائل من شأنها جعل عملية وزن المنتج أو قياسه أو كيله أو فحصه غير صحيحة. هذه كعقوبة أصلية أما العقوبة التكميلية التشهير بالمخالفين في الصحف على نفقتهم، وإيقاف النشاط التجاري، وذلك بعد صدور حكم قضائي نافذ من المحكمة المختصة بثبوت ذلك، وبلا شك النظام لم يقتصر على البيع المتعمد بل عالج في المادة الثالثة منه لو أن البائع قام ببيع المنتج المغشوش ظناً منه بأنه منتج أصلي وحتى يخلي مسؤوليته ولا يترتب عليه أي تعويضات بإبلاغ وزارة التجارة وتزويدها بالمعلومات التي تتعلق بكمية المنتج وأسماء التجار الذين صرف إليهم هذا المنتج وعناوينهم، وذلك فور علمه أو إعلانه أو إبلاغه بالمخالفة على عنوانه المسجل في السجل التجاري أو في الغرفة التجارية، أو عند تحرير محضر بضبطها، فبيع المنتج على أشخاص آخرين لا يعفي من المسؤولية، وهذا ضمان يشكر عليه النظام في مسؤولية البائع عن المنتجات التي صرفت من تحت يده حتى بعد بيعها من أجل الحفاظ على سلامة المجتمع والأفراد، وحتى لا تطاله المسؤولية عيله اتخاذ الإجراء سالف الذكر، ولخطورة التلاعب في استخدام هذه القطع من أجل تجاوز إجراءات الفحص الدوري للمركبات يترتب عليه تبعات تكون وخيمة على حياة المتهاونين بها فنجد النظام كان صارماً في تشديد العقوبة حتى لو لم يترتب على ذلك أذى حماية لأرواح الأفراد الثمينة. ونلمس جهود الجهات المعنية ودأبها على ضبط المخالفات وإيقاع أشد العقوبات على المتجاوزين للمواصفات والمقاييس المطلوبة، فمن شروط تنظيم الفحص الدوري الواضحة، أن تكون نسبة الحماية والسلامة 100% للمركبة، ويؤكد على ضرورة أن تكون الأجزاء السفلية من المركبة خاصة، مثل الفرامل والأسطوانات التي يجب أن تكون بحالة سليمة مطابقة للشروط والمعايير المطلوبة ولا يسمح بتجاوزها لأي ظرف كان، وفي حالة التجاوز فالعقوبة لا تقتصر فقط على البائع والمستهلك بل تطول كل من حاول التلاعب في أنظمة ونتائج الفحص الدوري، لتوقع بهم العقوبات المتمثلة في المادة العاشرة من تنظيم الفحص الفني والدوري للمركبات.

صناعة المحتوى السالب

الأكاديمي المتخصص في الاتصال والإعلام ياسر المالكي، قال: إن لوسائل الإعلام دوراً مهماً في نشر الوعي لمواجهة الظواهر السلبية، وينبغي أن تعمل وفق المعالجات المناسبة لكل وسيلة على شرح المخاطر البيئية والاجتماعية والقانونية المترتبة على مثل هذه الممارسات، ودورها البارز في تحقيق الأهداف التنموية، وينبغي أن يقوم الإعلام التنموي برفع التوعية والثقافة بمخاطر السلوكيات الخاطئة، والعمل كوسيط لنقل وجهة النظر الحكومية والقانونية وإيضاح العقوبات المترتبة على مثل هذه التجاوزات، إلا أن التحديات التي تواجه الإعلام في الوقت الحالي تبدو هائلة أمام ظهور المدونات الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب السمات التي تتيحها الوسائل الحديثة للأفراد العاديين، وقدرة غير المتخصصين على تصميم محتويات سمعية- بصرية وبمواصفات ممتازة وسهلة التنفيذ تساعد على تقديم قصص وسرديات جاذبة، قد تجعل من الممارسات السلبية تبدو سلوكاً مقبولاً، بل جاذبا في بعض الأحيان. فالوعي بالسلوكيات الخاطئة لدى صانع محتوى في الـ15 من العمر ليس بنفس الدرجة لشخص في الـ30، لذلك ينبغي أن تعمل وسائل الإعلام على نشر الوعي ضد هذه الممارسات؛ وحماية المجتمعات من الغش والخداع.