ثقافة وفن

عسير تضم عاشقها «محمد زايد الألمعي» في حضن أخير!

بحث عن معنى بين المتناقضات وشقّ بقصيدته نهراً في جبل..

/ الآخرة 22 09 ديسمبر Class="articledate">الجمعة جمادى Class="articledate">الجمعة / 02:05 1445 2023

عادل الحوشان

علي Al_arobai@ (الباحة) الرباعي

يقول الراحل المُقيم محمد زايد الألمعي: ليس حولي سوايَ، أُجابهُني، وأجوس المهالك وحدي، أغطّي الهزائم بالكبرياءِ، وأقصي مكائدهم بالجدلْ، كلما اقترحتني الحياةُ، رأيتُ النسورَ على جثّتي تقتتلْ، لا بلغتُ سهيلَ، ولا أدركتني الثريّا، بهذا الجبلْ، هل أنا باطلٌ يتلبّسُ دورَ البطلْ؟ أم أنا النقص ينهضُ حين أهمُّ بأن أكتملْ؟ هل أصدّق بؤس المرايا، وأذعن للقدرِ المحتمل؟ حاملاً كل هذا الزمانِ المنيخِ على كاهلي المكتهلْ!

أذعن المبدع الذي لا يشبه إلا نفسه للقدر، وقس على هذا النص المُثير للأسى كثيراً من شعر «أبو عبدالخالق» الذي يرتبط بمتاعب الآخرين ويتمثلها وجدانياً، فكأنّه يرثي قارئه برثائه نفسه، بل يرثي أزمنة ربما كان يريد منها أن تُبلّغه ما لا تبلغه بذاتها. وبتأمل نصوص فقيد الثقافة العربية من الماء إلى الماء، نلحظ أنه شقّ في الجبل الصلد نهراً باسمه، وتجلّت في تجربته نبوءات مدهشة كونها تتحقق ومنها رحيله الفاجع و«نعيه نفسه» في آخر مشاركة افتراضية له، وبتتبع سيرة ومسيرة «العجوز الولد» كما نعى شخصه في قصيدة «صباح الأحد» نلمس الشخصية المبدعة القلقة، ما انعكس على الشخصية الاجتماعية والإدارية والاقتصادية، فهو تخرّج مُعلّماً وعمل لأعوام ثم ترك التدريس، ليعود للجامعة دارساً لزراعة المناطق الجافة، واعتنى بالريف قليلاً ثم هجره للمدن، ليسهم في العمل الصحفي في «عكاظ»، ثم «البلاد»، ثم العودة لأبها في حقبة تدشين صحيفة «الوطن»، ليزهد في كل ذلك ويتم اختياره رئيساً لأدبي أبها، إلا أنه يتركه في نصف المدة ويعمل في إدارة «المياه»، ثم يتقاعد مبكراً ويرتحل باختياره متنقلاً بين صنعاء، وباريس، والقاهرة التي كانت مقصداً لكل من يشفّه حنين مسامرة مع شاعر آسر، ومثقف نبيل، وفيلسوف أرهق نفسه متفادياً إرهاق أي أحد، جاب الآفاق واستقر به النوى بين أحضان معشوقته (أبها).

وهنا مشاعر نخب مثقفة من أقطار شتى تؤكد مكانة المُختلِف، المُتفق عليه..

إياد مدني: بحث عن معنى بين المتناقضات

يؤكد الوزير إياد مدني أن محمد زايد كان أثيراً على كل من عرفه أو قرأ له، بصدقه وشفافيته، وبحثه عن معنى بين المتناقضات.

قاسم حداد: صديق قريب من حداثة الكتابة العربية

فيما عدّه الشاعر قاسم حداد من الأصدقاء القريبين من حداثة الكتابة العربية. وأضاف: كان محمد زايد صديقاً على مبعدة، ولم ألتقِ به سوى مرة واحدة منذ أعوام طويلة في مكانٍ أنساه الآن.

خلف الحربي: خسارة إبداعية

وقال الكاتب خلف الحربي: لا شك أن رحيل محمد زايد يشكل خسارة إبداعية كبيرة للأدب السعودي. وقدم خالص العزاء لأسرته الكريمة ولكافة محبيه في مختلف أنحاء الوطن.

شوقي بزيع: شاعر مرهف بلا أنا ولا نرجسيات

أكد الشاعر شوقي بزيع أن علاقته بمحمد زايد وطيدة منذ التسعينات. وعدّه شاعراً عذباً وقامة عالية. وقال: كنتُ أخطط لاستضافته في أمسية شعرية في بيروت، لأنه من الشعراء القلائل الذين لم تكن «الأنا» جزءاً من حضورهم، ولم يعنِه ما يعني شعراء من نرجسيات تتحكم في علاقاتهم بالمحيط البشري حولهم، بل كان مرهفاً ومتوارياً شديد العذوبة، ما أسس غربة وجودية في داخله. ويرى أنه زهد وعزف عن النشر لكونه يرى أن الزمن المثخن بالحروب والضجيج لا يستحق النشر، مشيراً إلى أنه فتح بيته ومنح راحته لكل من يزوره، ولم يأبه بالأضواء، ولم ينتظر شكراً من أحد. وأضاف: لم أكن أعرف الكثير عن تجربته الشعرية، وفاجأتني قصيدته، خصوصاً «عندما يهبط البدو».

عبدالله الكعيد: مختلِف.. ومتفَق عليه

يذهب المستشار الثقافي الدكتور عبدالله الكعيد إلى أن نصوص محمد زايد وأفكاره مختلفة، وكان متفرداً بمفردات وعبارات إذا قالها كأنك تسمعها لأول مرة، ولذا اتفق عليه عارفوه، موضحاً أنه عرف محمد زايد الشاعر قبل أن يلتقيه، وكانت المقابلة في أبها أثناء مشاركته في اللقاء الوطني الخامس لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عام ٢٠٠٥، ثم توالت اللقاءات وجمعتهما القاهرة، مستعيداً ما قاله يوماً: لا أقبل حياة دون أصدقاء.

عادل الحوشان: شبيه بأحلامه التي لم يحققها

الأعوام التي ابتعد فيها محمد زايد، أشبه بأحلامه التي لم يحققها، ليس باعتباره ؛ شاعراً أو كاتباً فحسب ، بل بصفته مفكراً أسهم في تطوير حركة الأدب السعودي على وجه التحديد، كثيراً ما كان يتكلم عن ضرورات ،أصبحت واقعاً، اختار محمد أن يكتب دون أن ينشر، والقليل يعرف أنه ابتعد لكي لا يؤذي أحداً معه، مشيراً إلى أنه خاض تجربة إدارية وصحفية وحاول استطاعته، رغم أن الظروف لم تكن كما هي الآن، وربما أيضاً لو كان قريباً لم يكن ليرتاح، هو بطبيعته التي نعرفها، الراغب دائماً بالكمال، و كان مع جيله رواداً، وسيبقى محمد في غيابه أحدهم، كما آثر في صداقته الكثير على نفسه، محباً ونبيلاً.

عيسى سوادي: محمد زايد المفكّر

أكد صديق الراحل الشاعر عيسى سوادي أن كل الذين أدركوا إيمان محمد زايد القوي بالإنسانية، بأخلاقها الكبرى، بذور العقل والمآلات، وقعوا في فخه الجميل حين يكسر في كل مرة القالب، قالب التنميط والفهم الواثق، فتراه يهدم صنم الفكرة لأجل العلة، ويسبح في بحار العلة ليصل إلى شاطئ الفكرة، ثم لا يطيل البقاء.

وعدّه مفكراً ومثقفاً موسوعياً يعرف تماماً متى يقذف بصنارة المعرفة لاصطياد الباهر من القطع الناقصة في اللعبة، لعبة الفلسفة والأشكال المتعددة لمنعطفات العقل والتأويل المذهل للحضارة الإنسانية الممتدة والنشطة، من عادات الشعوب وتراثها والأساطير إلى الاقتصاد الحديث، فالجغرافيا، السياسة، الأديان والتكنولوجيا بوجهها الفلسفي.

وأضاف سوادي: على كل حال، محمد زايد لطالما كان يجنح إلى البعد عن السائد مهما كان مثيراً، ليس اعتباطاً أو من أجل المخالفة فحسب، بل ليفاجئك بفكرة وتحليل أكثر إثارة وتحفيزاً، والأجمل حين يمزج كل ذلك في طرفة أو سخرية لذيذة عاقلة وعميقة في الوقت نفسه.

لطفي نعمان: فوق مستوى القول العادي

يرى الباحث لطفي نعمان أنه يمكن القول إن الصديق محمد زايد، فوق مستوى القول العادي شاعراً ومفكراً وصديقاً استثنائياً، يتسم بالذوق الرفيع والفن الراقي والصحبة الحلوة، كونه يغمرك بحنو، وود كبير. وعدّه شفافاً في تساؤلاته المعذبة عما يمكن أن يكون عليه شكل المستقبل في بعض الأمور، وواضحاً في تحديد خياراته، ويخيرك بين أن يبقى لك صديقاً وبين أن تبقى له صديقاً، ولا خيار إلا أن تبقيا صديقين في الحالتين، ولذا كل الناس أصدقاؤه، وأينما استقر كان هو الوطن المضياف لمواطنيه ومحبيه. فلمحبته وضيافته الكريمة الأصدقاء تأهبوا.. لمنادمته ومشاكسته وتجلياته الشعرية والفكرية.

علي المقري: عاش القصيدة ممارسة يومية

ويؤكد الروائي علي المقري أن الحديث عن محمد زايد الألمعي بصيغة الماضي مؤلم، بسبب الحياة الصاخبة والجميلة التي عاشها الراحل العزيز ونثر فيها الكثير من الذكريات بين أبها وصنعاء وباريس والقاهرة، مشيرا إلى حرص الألمعي على توطيد أواصر القربى في الثقافة العربية، وبالذات بين اليمن والسعودية، بحكم العلاقة الحميمية التي تجاوزت أواصر التاريخ والجغرافيا إلى الروابط الاجتماعية العميقة.

وعدّه من جيل جاهد من أجل رسم رؤاه المعرفية المنحازة لكل جديد وحر، ليغدو من طليعة الحداثيين في بلده الداعين للإصلاح، مشيراً إلى أن التغيرات المهمة الحالية في المملكة تعيد للراحل اعتباره عبر تكريمه، وهو الذي بقي طوال حياته مشغولاً بتقدم بلده.

محمد الأسمري: زرته منذ أسابيع

قال الكاتب محمد ناصر الأسمري: قبل بضعة أسابيع كنت حظياً ومحظوظاً بلقاء الصديق النبيل الشاعر محمد بن زايد الألمعي رفيق الحرف وصاحب الكلم الطيب شعراً ونثراً وخلقاً.. في القاهرة قابلته واستضافني مكرماً لي وسعدت به أيما سعادة، وبالأمس توالت الأنباء عن رحيله.

وأضاف: اغترب في القاهرة، لا غريباً عن الوطن ولا مسارات الإبداع، بل توهج رغم آلام المرض في رسم التمتع بالحياة بالابتسام الدائم وحب الناس من حوله فأي فجيعة وأي مصاب أيها النبيل.

عائشة عسيري «ألمعية»: تقدميٌّ عميق

قالت الشاعرة عائشة عسيري «ألمعية» من ناحية إنتاج الأفكار، فالشاعر الراحل محمد زايد الألمعي عُرف عنه أنه صاحب فكري فلسفي تقدمي عميق جداً، وربما هذا سبب معاناته وغيره من الشعراء والأدباء غير التقليديين، إذ شعر بغربة الروح والفكر، فاختار الاغتراب الجسدي لينسجم مع غربة الروح، ومع ذلك ظل شديد الحنين لوطنه، وقريته التي كثيراً ما نجد شواهد من شعره على ذلك. وأضافت: من ناحية شعره، فأعتقد أنه امتلك ناصية الإبداع فيه وطوعها حتى أصبح هامة من هامات الشعر في المملكة والوطن العربي، ومن ناحية الصداقة فلا أدل ولا أصدق من كلمات النعي والتأبين والمراثي التي انهمرت مع دموع أصدقائه ومحبيه ومن عرفه.

ظافر الجبيري: تجاوز السائد

عدّ القاص ظافر الجبيري الراحل محمد زايد من الجيل النشط في مضمار القصيدة الحديثة، بحكم أنه توفرت لهذا الجيل فرصة كبرى ليقدموا من خلالها تجربتهم وجديتهم في التغيير إلى الأفضل من خلال التجديد في الشعر العمودي، وكذلك شعر التفعيلة، مع تجديد القاموس اللغوي وتجاوز السائد والتعبير عن الذات والعصر، مبتعدين عن موضوعات مجلوبة من مكان غير مكان الشاعر، ومن بيئات غير بيئته، وقضايا لم تعانق وجدانه وتلامس ذائقته إلا بما يفرضه عليه وعيه ورؤيته وضميره الأدبي. وضمّنه المدافعين عن التحديث، الذين وقفوا بقوة في وجه من رأوا أن القصيدة يجب أن ترتهن للتقليد والانغلاق، أي أن تكون نمطية تحوي أفكاراً ضيقة وموضوعات مفصلة تفصيلاً، وكأن التجديد عبر الخروج عن «الشعر التقليدي» يخص جملة أشخاص يجب إيقافهم ورفض سعيهم إلى التجديد.

وذهب إلى أن الألمعي أسهم مع مجايليه في الثمانينات وما بعدها في الانحياز إلى اللغة العالية التي تعبر عن التجربة الذاتية وتفتح آفاقاً واسعة نحو الحداثة الشعرية، فأظهر نهجاً مغايراً في التعامل مع المفردة منذ بواكيره بذائقة مختلفة، مروراً بشعره ذي الأوزان الخفيفة مثل «كلام حبيبتي سكّر وعيناها عسيرية» إلى «مرثية الخونة»، وصولا إلى إنتاجه المتأخر ومنه القصيدة التي رثى فيها نفسه قبل أعوام قليلة من وفاته، ولذا ندرك أننا نقرأ تجربة ممتدة لشاعر تطورت خياراته الفنية وتعددت طروحاته الجمالية، وظهرت شخصيته بكامل فرادتها في شعره.

ويراه مفكراً تنويرياً يصدح برأيه جهاراً، ما جابهه ببعض التحفظ وربما العداوات، إلا أن كل ذلك أمدّه بالكثير من التقدير والتميز من جانب آخر، وما تأخُّرُ طباعة أعماله إلا بسبب الجانب الطليعي في شخصيته، وكأنه يترك للجيل اللاحق، لا مهمة استجلاء التجربة فقط، بل ومساءلة كلمته التي قالها ومضى.