«فيد» عاصمة الطريق.. وحصن الحجاج
/ هـ 17 / Class="articledate">الاحد / 23:57 1445 07 الأحد رمضان
العواد متعب Motabalawwd@ (حائل)
تزخر منطقة حائل بالعديد من ذاكرة المكان، وأصبحت اليوم مواقع أثرية وتاريخية تعود إلى أزمان مختلفة تمتد إلى ما قبل التاريخ الحديث، وتشتمل على أجمل البيوت والقصور التقليدية المميزة بطرازها المعماري والزخرفي الفريد.. ومدينة «فيد» الواقعة في الجنوب الشرقي من منطقة حائل، وتبعد عنها نحو 120 كيلومتراً، تبوأت مكانة خاصة في العصر العباسي، وكانت تعتبر ثالث أهم مدينة بعد بغداد ومكة، إذ إنها تقع في منتصف الطريق بين مكة وبغداد على طريق الحج القديم، أو ما يعرف بدرب زبيدة، مما أسهم في ازدهارها لمرور الحجيج بها والتزود منها بما يحتاجون إليه.
وكان للانتعاش الذي شهده طريق الحج القديم انعكاس مباشر على الأماكن التي يمر بها، ومنها «فيد» التي تعد من المدن الأثرية ويعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، وكانت من المدن التي تضاهي في قيمتها واتساعها الكوفة والبصرة في ذلك الوقت، وكانت تسمى «عاصمة الطريق»، يستريح بها الحجاج ويتزودون بما يحتاجون إليه من مؤن، فقد كانت بمثابة سوق مفتوحة، وقد وردت في كتابات كثير من المؤرخين من أمثال: ابن جبير، وابن بطوطة، وغيرهما من المؤرخين، وأيضاً وردت في مؤلفات عدد من الرحالة الغربيين.
تستقبل مدينة فيد شهر رمضان المبارك بمظاهر اجتماعية وتقاليد متوارثة، تتعايش مع روحانيات شهر العبادة والخير والبركات، ويعد الإفطار الجماعي للأقارب والجيران من المشاهد الحاضرة على مستوى المدينة التي تسودها روح المحبة وصلة الأرحام والتقارب بين أفراد العائلة الواحدة، لتكون في مقدمة العادات السعودية التي تتجدد كل عام.
وتشتمل عادات أهالي مدينة فيد في رمضان على ممارسة «التقريشة»، إذ تجتمع الأسر والأقارب أواخر أيام شهر شعبان في لقاءات حميمية يشاركهم بهجتها الأطفال، خصوصاً البنات وهن مرتديات الزي الشعبي «المسرح»، وجرت العادة في مثل هذه المحافل العائلية على إعداد الأطعمة الشعبية السعودية والعباسية، إضافة إلى التقاليد المتأصلة في مدينة فيد، كتبادل الزيارات واللقاءات الجماعية على مائدة الإفطار المتنوعة الأصناف، والتي ما زالت حاضرة وبالأصالة ذاتها التي اشتهرت بها المدينة التراثية مثل: الثريد، والمقشوش، والعصيدة، والجريش، والهريس، والتمّن، إضافة للأكلات المرتبطة برمضان، ومنها السمبوسة واللقيمات والشوربة، وتكاد المدينة السعودية الوحيدة التي عرفت عادات وتقاليد الشهر الفضيل بين المدن الإسلامية مثل الكوفة والبصرة وبغداد ومكة المكرمة في العصر العباسي.
ويعد الإفطار الجماعي للأقارب والجيران مظهراً من مظاهر الشهر الكريم في فيد، وترتسم على وجوه الجميع الفرحة والسعادة، مع إحيائهم عادات تبادل المأكولات مع الأهل والجيران في رمضان بما يسمى «الطعمة»، قبل أذان المغرب، التي لا يزال أهالي فيد متمسكين بها حتى اليوم، وغالباً ما تشتمل على القهوة والتمر و«البسيسة» والشوربة، والسمبوسة، والماء، واللبن، و«المريسة»، التي تصنع من الإقط «البقل» المنقوع في الماء.
كما تنشط الحركة التجارية في هذه المدينة في شهر رمضان المبارك، إذ يكثر الإقبال على شراء المواد الغذائية، وتزداد حركة بيع وشراء التمور بأنواعها وأصنافها المختلفة. وفي ما يتعلق بالألعاب الشعبية التي كانت منتشرة في مدينة فيد وتمارس في شهر رمضان المبارك، فيبدو أن التقنية ودورات كرة القدم أنهت هذه الألعاب. ومن أهمّ معالمها الأثرية «الحصن»، ويتكون من سورين، خارجي يتكون من أبراج المراقبة، وقد روعي في إنشائه اشتماله على عوامل دفاعيّة، والتصميم الداخلي محصن أيضاً بعدد من الأبراج تقع في وسطها قلعة الحصن التي تعدّ من القلاع المنيعة.
وكان الحصن يتصدى للأخطار التي تتعرض لها فيد، فيعتبر السد المنيع الذي يقف بوجه من يريد مكروهاً بالحجاج أو بالمدينة، وكان يقطن هذا الحصن ما يعرف بأمير الحج آنذاك. ويمكن للسائح تتبع تفاصيل بناء القصر والتعرف على مكوناته المعمارية، وتصاميمه الداخلية والمواد المستخدمة في أعمال البناء والتشييد، وأن يتتبع من الجهة الغربية والشمالية للحصن النسيج المعماري، إذ يمكن التعرف على شبكة الطرق المتقاطعة ومكونات المنازل المطلة عليها، وعلى آثار المسجد الكبير الذي يعود للفترة الإسلاميّة، وكذلك رؤية التخطيط الخارجي للمدينة المشتمل على الآبار والبرك وقنوات المياه السطحية والأرضية والآبار الموجودة على أطراف الموقع.
وعثرت بعثة قسم السياحة والآثار بجامعة حائل في مدينة فيد الأثرية على دينار عباسي من الذهب، مؤرخ بالعام 180هـ، يعود إلى عصر الخليفة العباسي هارون الرشيد، ويزن الدينار نحو 4 غرامات، وتواصل الجامعة أعمال التنقيبات الأثرية هناك منذ أعوام عدة.