خطيب المسجد الحرام: الملحد يتبع الوهم.. مناقض للعقل والفطرة.. ولم يستوعب أدلة الإيمان
هـ 2023 / / Class="articledate">الجمعة الجمعة 15:21 1445 صفر 08 23 سبتمبر /
(جدة) «عكاظ»
أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد، في خطبة الجمعة اليوم، أن الإنسان بفطرته التي فطره الله عليها، وبخلقه من الروح والجسد لا يقنعه علم، ولا يكفيه متعة، بل فيه قلق، واضطراب، وخوف، وفيه حاجة إلى الطمأنينةِ بعد القلق، والسكنِ بعد الاضطراب، والأمنِ بعد الخوف.
وقال إن الإنسان وحده من بين جميع المخلوقات يحتاج إلى سند يعتمد عليه إذا ألمت به شدة، أو حلت به كارثة، أو واجه ما يكره، أو خاب ما يرجو، أو وقع ما يحذر، والإنسان وحده هو الذي يفكر في المبدأ، ويتأمل في المصير، وينظر في الكون، ويعلل الأحداث، والإنسان وحده هو الذي يتخذ مواقف بحسب هذه النظرات والمدركات، والأسباب والمسببات، هذه هي الغريزة الدينية المشتركة بين كل أجناس البشر مهما كان تعليمهم، ومهما كانت أُمّيتهم.
وأوضح أن جوهر الدين ثابت في النفوس لأنه مرتبط بجوهر الطبيعة البشرية، مبيناً أنه لم توجد أمة من أمم أهل الأرض بغير دين بل إن حاجة الإنسان إلى الدين أعظم من حاجته إلى الغذاء والدواء، وإنها حاجة تتصل بجوهر الحياة، وترتبط بسر الوجود هل يكون في نظر العاقل أن هذه الحياة ليست إلا أرحاماً تدفع، وأرضاً تبلع، والمصير التراب، يقول فيلسوف ملحد: تشير المعابد، والكنائس، والمساجد في جميع الأعصار والأمصار، تشير ببنيانها وعظمتها وبهائها إلى أن حاجة الإنسان للدين حاجة قوية راسخة، ويقول ملحد آخر: لقد وُجِدت في التاريخ مدن بلا حصون، وَوُجِدت مدن بلا قصور، ووجدت مدن بلا مدارس، ولكن لم توجد مدن بلا دور للعبادة.
وأشار الدكتور بن حميد إلى أن الدين فطرة مستقرة في قلوب كل البشر، لا تحتاج في إثباتها إلى كبير جدل، أو طويل حوار، لأنها من البدهيات، وأن الإنسان مفطور على العبادة، والاعتقاد، والإيمان: «كل مولود يولد على فطرة»، حتى الملحد يبحث عن اليقين، والطمأنينة، ويبحث عن الغايات العليا، وهذا كله لا يكون إلا في العقيدة الصحيحة، والدين الحق، والإيمان الصادق، وأن الدين الحق هو الذي يمنح القوة عند الضعف، والأمل حين اليأس، والرجاء وقت الخوف، والطمأنينة عند القلق، والصبر في البأساء والضراء وحين البأس، ولا يكون للحياة طعم، ولا يكون فيها أهداف سامية إذا كان في القلب فراغ روحي، وأن الدين الصحيح هو مصدر القيم، والأخلاقِ، والمثلِ العليا، والحياةِ المطمئنة.
وقال إن حيرة بعض العقول في الإيمان بالخالق ليس عن برهان، ولا علم، بل هذه الحيرة كما يقول أهل التحقيق والنظر: هي عرض مرضي، ووسوسة نفسية، وليست ظاهرة فكرية علمية فالحيرة عند هذه العقول آفة نفسية وليست شبهة عقلية.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام في خطبته أن الإلحاد ليس إيمانًا بل هو فقد للإيمان، فالملحد ملحد لأنه لم يستوعب أدلة الإيمان، وليس لأنه يملك أدلة على نفي الإيمان، فالذي في قلب الملحد هو غياب الإيمان بالله، وليس الإيمان بأنه لا إله، وأن المنكر والمشكك لا يستند إلى علم صحيح، ولا إلى عقل صريح، بل هو سلبي، فهو لم يستوعب الأدلة، كما أنه لا يستطيع أن يدلل على ما يعتقد، ولهذا قال بعض فلاسفتهم: «لا يوجد ملحد حقيقي».
وأكد أن الملحد لم يرتح ضميره؛ لأنه لم يوافق الفطرة، ولم تطمئن سريرته؛ لأنه لم يوافق العقل، لقد طلب الدليل على الواضحات، فهو كمن يريد أن ينير ضوء الشمس بشمعة اضطربت المعايير عنده فتاه في الواضحات عقله، ينطلق من وهم معدوم، ويطمع في عدمٍ موهوم.
وقال: «تأملوا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كثير من العلوم الضرورية فطرية، فإذا طلب المستدل أن يستدل عليها خفيت ووقع في الشك) القلوب ضعيفة، والشُّبَه خَطَّافة، والأهواء مضلة، والشهوات والأهواء تسهل مرور الشبهات، فالشهوات والأهواء هي صابون الشبهات»، مبيناً أن الإلحاد مكون من الشك القلبي، والتشتت الفكري، مضيفاً «تراهم يقولون: ننطلق من الشك حتى نصل إلى اليقين، وهذا كمن يقول: نشرب السمَّ لنجرِّبَ بعده الدواء، إن وجود الرب سبحانه أظهر للعقول والفطر من ظهور الشمس وضياء النهار، ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهم عقله وفطرته».
وأكد أن كل ما تراه بعينك، أو تسمعُهُ بأذنك، أو تعقِلُهُ بقلبك، هو دليلك إلى ربك طريق العلم بالله أمر ضروري ليس فيه أي شك سبحان الله كيف يُطلب الدليل على من هو على كل شيء دليل، أن لله طرائقَ بعدد أنفاس الخلائق، «له في كل شيء آية تدل على أنه الواحد».
وأشار الشيخ بن حميد إلى إلى أن الملحد ترك ربه وعبد الطبيعة، وعصى الله وأطاع البشر، وهجر الشرع واتبع الوهم، وعاب على المتدينين الاتباع، وهو متعلق بما يقوله أهل الإلحاد، واستنكر في الدين مخاطبة القلب، وهو حائر فيمن يخاطب قلبه، وادَّعى الثقة والجزعُ يملأ قلبه، وظَنَّ اليقين والحيرةُ تملأ جوانحه مبيناً أن الجهل بالدين هو التربة الخصبة لنشأة الإلحاد في أي مكان، وأي زمان، وكلما كان الدين الصحيح راسخاً كان الضلال أبعد.
وبين أن قبول الحق ليس رهين قوة الحجة، ولا وضوح المحجة، ولكنه رهينُ الصدق في طلب الحقيقة والحرص عليها، ولهذا فإن الحديث عن الحقائق لمن لا يصدق في طلبها جهد ضائع.
واختتم إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد خطبته مبيناً أنه ليس لله خلقٌ هو أحسن من الإنسان، فإن الله خلقه حيًّا، عالمًا، قادرًا، متكلمًا، سميعًا، بصيرًا، حكيمًا، أما الملاحدة فقد أسقطوا الإنسان من عز التكريم الرباني إلى درك الحيوان، وما هو أدنى من الحيوان، وسلبوه خصيصة العقل، فهو بعقله يرتقي فوق جميع المخلوقات، في وعي، وإرادة حرة، وليس غريزة جبلية ظاهرة، سلبوه فضيله تسخير الكون له، هو عندهم منحط من خلية ثم حشرة وما فوقها، فهم لا يرونه إلا ذرة في مجرة.