ثقافة وفن

في حديث الضفاف.. باريس بعيون سعودية

أغسطس هـ صفر 09

غلاف الكتاب.

علي فايع Alma33e@

لست من عشّاق السّفر، لكنني بالتأكيد من عشّاق قراءة كتب الأسفار، والرحلات، واليوميات التي كتبها الأدباء، وأجد في كثيرٍ من هذه الكتب المتعة التي تعادل في أحايين كثيرة متعة السّفر ذاتها، لأنني أسافر عبر هذه الحروف دون خسائر ولا صعوبات!

أعترف، ابتداءً، أنّ ولعي بالقراءة قادني إلى انتزاع كتاب من رفّ مكتبة تجارية، صدر حديثاً ضمن مبادرة مئة كتاب التي دعمها الصندوق الثقافي، ونفذتها دار أدب للنشر والتوزيع. هذا الكتاب صدر في مئة وعشر صفحات من القطع المتوسط، تحت عنوان لطيف، وأنيق «حديث الضفاف... أسبوع في باريس» لمؤلفيه السعوديين طاهر الزهراني وآمنة بوخمسين.

قد يستغرب القارئ، كما استغرب كاتب أيضاً، كيف لرحلة في أسبوع واحد أن يُكتب فيها كتاب، كما فعل الروائي إبراهيم شحبي في تعليقه على صفحتي في الـ(فيسبوك)، إذ كتب مستغرباً أن يكون الأسبوع مدعاة لتأليف كتاب!

فكرة أنتجت كتاباًالفكرة التي أنتجت هذا الكتاب، كما يرويها طاهر الزهراني بعد عودته من رحلة باريس، تشير إلى أنّ فكرة الكتابة لم تسبق هذه الرحلة ولم تكن أثناءها وإنما بدأت بعد العودة، إذ قال: عندما استيقظت، بعثت في القروب على الواتس لرفاق الرحلة، فكرة الكتابة عن الرحلة، تشجعت آمنة للكتابة التي لم نكن على إحاطة بها، لكننا قررنا أن نكتب هذه المرة تجربة جديدة ومختلفة، وستكون بالنسبة لنا كتّاب السّرد في غاية المتعة.

إذن، الكتابة هنا اعتمدت في المقام الأول على الذاكرة، كما اعتمدت على المفاجأة التي تحمس لها صديقا الرحلة (طاهر الزهراني وآمنة بوخمسين) فيما تجاهلها صديق الرحلة الثالث (علي زعلة) الذين ذهبوا إلى باريس ممثلين للأدباء السعوديين في مؤتمر اليونسكو العالمي للأدب، ومما تشير إليه اليوميات، أيضاً، أنّ المعرفة السابقة بين الأدباء الثلاثة لم تكن عميقة، لكنّ أسبوعاً من اللقاء والمشاركة والتفاعل والحضور الثقافي وتطابق الأفكار أنتج ألفةً وانسجاماً، توّجها طاهر وآمنة بهذا الكتاب!

تناوب الكتابة

تناوب على كتابة هذه اليوميات طاهر الزهراني في ثماني حلقات عددية، من (1 إلى 8) وآمنة بوخمسين في ثماني حلقات أبجدية من (أ إلى ح)، كتب كلّ واحد في هذا الكتاب يومه وتبعه الآخر باليوم نفسه، هذه اليوميات -كما أظنّ- كانت كافية للعيش في الكتابة الأدبية، والتجوال في متاحف وشوارع ومقاهي باريس، وتكوين فكرة جيدة عن الناس والثقافة والوجوه بعيون أدبية سعودية!

أبواب الثقافة

في كتابة طاهر التي سبقت رحلة الوصول إلى باريس كان يستلهم مشروعه الثقافي الذي يعمل على إطلاقه قبل أن تفاجئه هذه الدعوة، فيما كانت آمنة تعمل هي الأخرى على مشروعها الثقافي الآخر الذي تعمل على إطلاقه أيضاً!

أمام طاهر كتاب طعام، صلاة، حب السفر، كما قال، لم يعد ضمن خياراته في السنوات القادمة، ومع ذلك كان يتأمل عنوان الكتاب، وأمام كلّ كلمة في العنوان يقترح البديل الممكن بالنسبة له، قبل أن يفاجئه الاتصال بالترشيح وأهميّة المشاركة في هذه الرحلة، فيما كانت آمنة تغلق باب حلمها في افتتاح معهد ثقافي، لتفتح باب السفر إلى باريس!

اليوم الأولالدهشة التي لازمت طاهر في رحلته هذه، بدأت باصطحابه كتاب معجب الزهراني (مكتب على السين) معه في الطائرة، لم تدهشه المدينة العتيقة، فلم تكن مثالية في أرصفتها القديمة ولا أشجارها غير المقلمة ولا في قيادة الناس التي لا تلتزم بالنظام! فيما كانت آمنة تملأ عينيها بصفرة الرؤوس وشعورها الشقراء وباحمرار أوراق الشجر، وبديع معمار القرون التي مضت، وبالتماثيل التي شمخت!

بقيّة الأياملم يأخذ اللقاء الذي عقد في مقرّ اليونسكو الكثير من حقه في هذا الكتاب، لم تتجاوز الكتابة فيه الموضوعات التي تحدثوا فيها، والإشارة إلى أنّ الحديث كان مرتجلاً، فيما أشاروا إلى حوار لم نطلع على شيء من تفاصيله، عبر هذا اللقاء في الكتاب وكأنه نسمة هواء، قال فيه الكاتبان ما قالاه، ونسياه!استأثرت باريس بالكتابة الأكثر حضوراً في هذه الرحلة، إذ سرعان ما انتقل الكاتبان بعدستيهما إلى روح المدينة، ليصوّرا بقلمين مختلفين حياة المدينة كما شاهداها، فكتبا عن برج إيفل، والحيّ اللاتيني، ومتحف اللوفر، وشقة فيكتور هيجو، وطريق فان جوخ، كما كتبا عن الكنائس، والمكتبات العامة، ونهر السين، والمطاعم، والمقاهي الباريسيّة.

كان الأميز في هذا الكتاب أنّ لكلّ كاتب رؤيته الخاصّة، وتفاصيله التي اختلفت من كاتب إلى آخر مع أنهما يكتبان في مكان واحد، انطلقا إليه معاً، وشاهداه من زوايا مختلفة، اهتمت آمنة في كتابتها اليوميّة بالتفاصيل الدقيقة، والبحث والتأصيل، والاعتماد على التوثيق، فيما كان طاهر الزهراني يكتب انطباعات يوميّة، لا تعنى كثيراً بالتفاصيل الدقيقة، ومحاولة التخلّص من تهمة الصدمة التي تجاوزها بالمقارنات.

استوقفتني هذه اليوميات، لكنّني أحببت رحلة الهايكو إلى بونتواز المدينة التي ذهبا إليها على خطى فان جوخ؛ الذي وصفه طاهر في يومياته بالمعتوه والواعظ الذي كان يعظ الناس في مناجم الفحم والرسام المأزوم الذي أنهى حياته بإطلاق النار عليها، فيما وصفته آمنة بالفنان الذي لم يشتهر إلاّ بعد وفاته بسنوات، والرجل الذي لم يؤمن به أحد سوى شقيقه.

لفتت انتباهي في هذا الكتاب التفاصيل الصغيرة؛ التي وقفت عليها آمنة في زيارتها هذه، ابتداء بالمرشد السياحي قصير القامة، الرياضي الذي يرتدي بدلة مطرية، وحقيبة تغطي ظهره بالكامل، وتعلوه قبعة تغطي رأسه الأصلع، وتفاصيل المقبرة المسيحية التي دفن فيها فان جوخ، المقبرة التي قالت عنها إنها تختلف عن مقابرنا في تنظيمها، فيها الكثير من الأيقونات، والكثير من التماثيل، وعدد هائل من الأشجار، أما شواهد القبور فكانت تحفاً فنية متنوعة، كما أكدت لي حدّة طاهر الزهراني التي اكتشفتها من سنوات في كتابته الإبداعية، وأثبتها هذا الكتاب، ويمكن الاستشهاد عليها بما كتبه عن برج إيفل، ومعهد العالم العربي في باريس!

واسيني وزينبفي رحلة الأسبوع إلى باريس التقى الكتّاب الثلاثة بالروائي الجزائري واسيني الأعرج وزوجته زينب في مطعم باريسي، امتد اللقاء لخمس ساعات، اختلفت أوجه الاهتمام والتقاط ما دار في هذا اللقاء بين الكاتبين؛ طاهر وآمنة، إلاّ أنّ شخصيّة زينب كانت الأبرز في هذه المشاهد، فيما كانت طريقة حديث واسيني عن زينب الرابط الأكثر حضوراً في هذه اللقاء.

الخلاصة

الكتاب في النهاية يوميات تزوّدك بشيء من المتعة، وتمنحك الكثير من المعلومات، والتفاصيل التي أظهرها كاتب، وأخفاها آخر، إلاّ أنها في نهاية الأمر يجب ألاّ تتجاوز الانطباعات الشخصيّة، التي يتفق عليها أشخاص، ويختلف حولها آخرون، ويمكن الاستشهاد على ذلك برأي طاهر في برج إيفل، أو موقف الكاتبين من معهد العالم العربي في باريس!

الكتابة في هذا الكتاب اكتسبت أهميتها في أنها نقلت للقارئ مشاهد، وأحداثاً عن باريس الإنسان والثقافة والحياة، لكنها بالتأكيد ليست كلّ شيء، ولن يكون ما ورد في هذا الكتاب الصورة الكاملة للمدينة وما فيها.

لا يعيب هذا الكتاب بالنسبة لي إلاّ كثرة الأخطاء النحوية والإملائيّة التي لم تسلم منها (كما أظن) صفحة، ولأنني من القرّاء المصابين بلوثة التصويب، فقد أفسدت عليّ هذه الأخطاء متعتي في القراءة، وكلّ ما أرجوه من المؤلّفين، والدار الناشرة لهذا الكتاب تدارك هذا القصور في الطبعة الثانية!.