السفير الفرنسي في الرياض لـ«عكاظ»: العلاقات مع السعودية تتسم بالغنى والعراقة
أكد أن باريس تدعم مسعى المملكة بشأن إعفاء الخليجيين من تأشيرة الـ«شغن»
سبتمبر 29 Class="articledate">الجمعة / / Class="articledate">الجمعة هـ
Amal222424@ أمل (الرياض) السعيد
وصف سفير فرنسا لدى المملكة العربية السعودية لودوفيك بويّ، علاقات بلاده مع المملكة بالثراء والعراقة، وقال في حوار أجرته معه «عكاظ»، إن زيارة وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا في يونيو الماضي إلى فرنسا، تمثل شاهداً حقيقياً على أهمية الصداقة الإستراتيجية بين البلدين الصديقين، مؤكداً أنه بفضل توافق رؤيتَي فرنسا والسعودية للمستقبل (رؤية السعودية 2030 وخطّة فرنسا 2030) سيتمكّن البلدان من بناء عالم أفضل أكثر ازدهاراً وأكثر استدامة، من أجل شبابنا وأجيال المستقبل. وتطرق الحوار إلى محاور عديدة أخرى تتمثل تفاصيلها في ما يلي:
ثقة ورؤية مشتركة
• كيف ترون العلاقات الفرنسية السعودية في مختلف المجالات؟
•• هي علاقات عديدة وغنيّة وعريقة ومبنية على الثقة والرؤية المشتركة لمستقبل المنطقة والعالم، والتعاون التاريخي بين بلدينا لا يعرف حدوداً، ويضمّ اليوم -أكثر من أي وقتٍ مضى- العديد من المجالات؛ الدّفاع والأمن، الطاقة، المياه والبيئة، النقل واللوجستية، السياحة، التعليم، الترفيه والثقافة، الرياضة، الصحّة، الأغذية الزراعية، الابتكار، التكنولوجيات الجديدة، الذكاء الاصطناعي، الطيران، الفضاء، الخدمات المالية والاستثمارية.
وشكّلت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا في يونيو، على رأسٍ وفدٍ كبير من الوزراء لحظة تاريخية. كما استقبلنا (زملائي وأنا) ثمانية وزراء فرنسيين زاروا المملكة العربية السعودية هذا العام، إضافة إلى زيارات أخرى متوقّعة قبل نهاية العام. إن هذه الحيويّة التي تشهدُها علاقتنا اليوم لم يسبق لها مثيل.
بناء عالم أفضل
• ما انطباعكم عن زيارة وليّ العهد إلى فرنسا؟
•• جاءت زيارة ولي العهد السعودي لفرنسا، لتكون شاهداً حقيقياً على أهمية الصداقة الإستراتيجية بين بلدينا. وقد استقبل رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، الأمير محمد بن سلمان في قصر الإليزيه في 16 يونيو 2023، وكان هذا اللقاء الرابع بينهما في أقل من سنة. وناقشا مطوّلاً سبل تعزيز الشراكة الإستراتيجية الفرنسية السعودية والمسائل الإقليمية والدّولية التي يتفّق بشأنها بلدانا في التحليل والمصالح. ويتبادل وزيرا الخارجية؛ كاثرين كولونا، والأمير فيصل بن فرحان، الآراء بصورة منتظمة حول كلّ الأزمات الإقليمية.
وقد شرّفنا وليّ العهد السعودي، بحضوره القمة من أجل ميثاق مالي عالمي جديد التي انعقدت في باريس في 22 و23 يونيو، بمبادرةٍ من رئيس الجمهورية الفرنسية. وكما قال الرئيس إيمانويل ماكرون «لا ينبغي لأي دولة أن تختار بين الحدّ من الفقر وحماية الكوكب.. يجبُ علينا مواجهة هذين التحديَين في وقتٍ واحد». ونحن نتشارك مع المملكة العربية السعودية في هذا السياق رؤية التطوير نفسها ومكافحة عدم المساواة. أصبحت المملكة جهة فاعلة أساسية في المساعدات الإنسانية والتنموية. وفرنسا سعيدةٌ جداً بالعمل معها لمكافحة تغيّر المناخ والحدّ من عدم المساواة.
فرئيس الجمهورية الفرنسية أشار إلى ولي العهد السعودي، أنه من خلال توحيد قوانا، يمكننا مواجهة التحديّات العديدة التي تُهَدِّدُ كوكبنا والنظام الدّولي، معاً، بفضل توافق رؤيتَينا للمستقبل، رؤية السعودية 2030 وخطّة فرنسا 2030، سنتمكّن من بناء عالم أفضل أكثر ازدهاراً وأكثر استدامة، من أجل شبابنا وأجيال المستقبل.
رؤية تواجه التحديات
• نظرتكم حول رؤية السعودية 2030 والمشاريع الجديدة؟
•• مضمون برنامج رؤية السعودية 2030، طموح ومُبهر وإصلاحيّ ويحملُ حلولاً طويلة الأمد لمواجهة التحديات أمام شابات وشباب المستقبل في المملكة، وتشهدُ مشاريع التطوير العديدة على الجهود الحقيقية التي تسلّط الضوء على إمكانات المملكة العربية السعودية الهائلة. فرنسا فخورة بمواكبة المملكة في هذه الرؤية، في إطار شراكتنا الإستراتيجية الشاملة، من خلال الاستثمارات في الشركات وتنفيذ مشاريع التعاون بين الحكومات وتبادل السياح والطلاب والفنانين. لقد جلبت الشركات الفرنسية الكثير إلى المملكة العربية السعودية، وهي مستعدّة لمشاركة خبرتها ودرايتها في مجالات توطين الإنتاج وتدريب النخبة من السعوديات والسعوديين، في خدمة مشاريع التنويع الاقتصادي الكبيرة في المملكة.
الشعب السعودي كنز حقيقي
• تعمل المملكة على استضافة معرض إكسبو 2030 الدولي، ما موقفكم تجاه هذا المسعى؟
•• كما تعلمون فرنسا هي الدولة الأوروبية الأولى التي دعمت رسمياً ترشيح المملكة العربية السعودية لاستضافة معرض إكسبو الدولي 2030.
ويقوم اختيار فرنسا للمملكة العربية السعودية على أسسٍ ملموسة، وعلاقة تاريخية وشراكة إستراتيجية تزداد تطوّراً في جميع المجالات يوماً بعد يوم. وتتجه أنظار العالم كلّه نحو إنجازات المملكة الرائعة بفضل رؤية السعودية 2030 التي تطالُ كلّ المجالات. غير أنه وكما أقول دائماً: كنز المملكة العربية السعودية الحقيقيّ هو الشعب السعودي؛ بطموحه وحسن كرمه وضيافته، وهو مستعد لاستقبال العالم بأجمعه لإعطائه فكرة عن غنى ثقافته ونجاحاته المبتكرة.
جبهة مشتركة
• وكيف رأيتم زيارة وزيرة الانتقال في مجال الطاقة للسعودية؟
•• كانت زيارة الوزيرة أنييس بانييه روناسيه، إلى المملكة العربية السعودية في يوليو ناجحة جداً. تمحورت حول أهدافنا المشتركة من إزالة الكربون من الاقتصاد وتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وعقب مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدّة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP28)، كان لا بدّ من تشكيل جبهة مشتركة لمواجهة تحديّات تغيّر المناخ. وذكّرت الوزيرة خلال زيارتها، أن فرنسا تواكب المملكة العربية السعودية في تطوير برنامجها النووي للأغراض المدنية. وقد رافقت الوزيرة خلال زيارتها تسع شركات مهتمّة بإنشاء تعاون مع المملكة في مجال الهيدروجين، ما يُظهر أيضاً استعداد الشركات الفرنسية لمواكبة المملكة العربية السعودية في الانتقال في مجال الطاقة.
«خارطة طريق ثنائية»
• ما التفاصيل والآفاق المتعلقة بالتعاون بين المملكة وفرنسا في مجال الطاقة؟
•• وقّعت فرنسا والمملكة العربية السعودية، مذكّرة تفاهم بشأن الطاقة في فبراير الماضي. أما بالنسبة إلى المجال النوّوي فإن التعاون بين فرنسا والمملكة، يدخُل في إطار اتفاق بين الحكومتين وُقِّعَ في 2011م. ونحن الآن بصدد العمل مع شركائنا السعوديين لإنشاء «خارطة طريق ثنائية» في مجال الطاقة المتجدّدة والهيدروجين وكفاءة الطاقة، إضافة إلى وجود الشركات الفرنسية، لا سيّما شركة كهرباء فرنسا EDF، والمشاريع الجارية في دومة الجندل لطاقة الرياح وفي جنوب جدّة للطاقة الشمسية. كما وقّعت شركة كهرباء فرنسا -أخيراً- عقداً مع شركة مصدر حول الطاقات المتجدّدة وسعة التخزين في «مشروع أمالا» الّذي يُعَد من أكبر المشاريع.
والجدير بالذكر أيضاً أنه في يونيو الماضي، وقّعت كلّ من شركتَي توتال إنيرجيز وأرامكو، عقود الأعمال الهندسية والبناء بمبلغ قدره 11 مليار دولار لمشروع البتروكيماويات «أميرال» الّذي يمثّل مرحلة ثانية من توسعة مصفاة ساتورب.
• ماذا تقولون عن مسارات التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي؟
•• تواكب فرنسا المملكة، في التحوّل في المجال الرقمي، لا سيّما في التعاون القائم في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يدخل في إطار مذكّرة التفاهم حول المجال الرقمي التي وُقِّعَت في ديسمبر 2021م. لقد شاركت الشركات الفرنسية والباحثون الفرنسيون في الدورة الأخيرة للقمّة العالمية للذكاء الاصطناعي في مؤتمر LEAP، وهذه ليست سوى البداية لتعزيز الحضور الفرنسي في هذه الفعاليات.
فعاليات ولقاءات اقتصادية
• الاستثمار الفرنسي في المملكة .. إلى أين تتجه خطواته؟
•• تقدّر محفظة الاستثمار الفرنسي المباشر في المملكة بنحو ثلاثة مليارات يورو (حسب بنك فرنسا) وتتركّز بشكل رئيسي في قطاعَي الطاقة والصناعة. والشركات الفرنسية تتابع مشاريع مهمة في البلد، خصوصاً في قطاعات الطاقة ومعالجة المياه والنفايات والنقل والطيران والبناء. وتتمتع الشركات الفرنسية الكبرى بمراكز جيّدة في الطاقة المتجدّدة ، وفي قطاع المياه (سور وسويز وفيوليا...)، وقطاعات أخرى موضوع برامج وطنية طموحة للغاية، تنفذّها بشكل استثمارات عامة وخاصة. أمّا قطاع الصحّة والقطاع الرقمي والتقنيات ذات القيمة المضافة المرتفعة فهي أيضاً تجذب اهتمام الشركات والمستثمرين الفرنسيين. ومن الممكن أن تؤدّي هذه القطاعات التي تشهد نموّاً كبيراً في المملكة إلى استثمارات جديدة تقوم بها الشركات الفرنسية التي تتمتعّ بخبرة جيّدة في هذه المجالات.
لقد انعقدت منذ مطلع السنة العديد من الفعاليات واللقاءات الاقتصادية التي تهدف إلى زيادة الاستثمارات بين البلدين، ونذكر منها، على سبيل المثال، منتدى الاستثمار الفرنسي-السعودي، الذي نظمّه تجمّع أرباب الشركات الفرنسية الدولي (ميديف) بتاريخ 19 يونيو 2023م. وحضر وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح، هذا الحدث إلى جانب وزير التجارة الخارجية الفرنسي والأقطاب والفرنسيين في الخارج أوليفيه بيشت، واختُتِم المنتدى بالتوقيع على 24 مذكرّة تفاهم واتفاقيات استثمار تبلغ قيمتها نحو ثلاثة مليارات دولار وستؤدّي إلى التوقيع على عقود أخرى لاحقاً. ووُقِّعت هذه الاتفاقيات بين كيانات من القطاعين الخاص والعام الفرنسي والسعودي، وتغطّي مجالات واسعة منها الطاقة والدفاع بل أيضاً الاتصالات.
تعزيز القوى الاقتصادية
• ماذا عن التعاون الاقتصادي والتجاري؟
•• تربط فرنسا والمملكة، علاقات اقتصادية وتجارية تاريخية متينة وهما عازمتان على تعزيزها. وأكّد قادة بلدينا مجدّداً هذا الهدف بمناسبة الزيارة الرسمية التي قام بها الأمير محمد بن سلمان، إلى باريس في يونيو الماضي؛ ففي هذه المناسبة كانت مشاركة ولي العهد بارزة في أوّل قمّة من أجل «ميثاق مالي عالمي جديد» نظّمتها فرنسا.
أمّا في مجال التبادلات التجارية، فبلغ تبادل البضائع بين فرنسا والمملكة 4.8 مليار يورو خلال الأشهر الستّة الأولى من 2023م؛ أي بزيادة 17%. وبلغت صادراتنا إلى المملكة 1.8 مليار يورو بينما كانت 1.9 مليار يورو في الفترة نفسها من السنة الماضية، نظراً لانخفاض صادراتنا من معدّات النقل. ولكنّ دعمتها بقوّة صادرات المعدّات الميكانيكية والكهربائية والإلكترونيات والمعلوماتية، التي ارتفعت بشكل ملحوظ أي بنسبة 20% (337 مليون يورو)، ما يعكس تنوّع صادراتنا نحو المملكة.
أمّا وارداتنا من المملكة فهي أكثر ديناميكية، فبلغت ثلاثة مليارات يورو؛ أيّ بزيادة مهمة بلغت 37% بفضل مشترياتنا من المنتجات النفطية الخام والمكرّرة (مجموع 97%). ووفق بيانات الهيئة السعودية للإحصاءات؛ احتلّت فرنسا في نهاية الأشهر الستة الأولى من 2023م، المرتبة الـ12 كمشترٍ من المملكة، مستعيدة بذلك ثلاثة مراكز خلال سنة.
وزادت حصّتها في الصادرات السعودية وبلغت 2.1% (مقابل 1.7% منذ سنة). في ترتيب الدول المصدّرة نحو المملكة، وتحتلّ فرنسا المرتبة الـ16 وتبلغ حصّتها في السوق نحو 2.2% من مجموع الواردات السعودية، وبقيت هذه النسبة شبه مستقرّة على مدى سنة. وينبغي أن نوضح أن العلاقات بين فرنسا والمملكة أكثر عمقاً وإستراتيجية من ميزانها التجاري. وتتشارك حكومتانا -بقوّة- طموحاً مشتركاً ألا وهو دفع علاقاتنا المتينة نحو شراكة إستراتيجية.
قرار نهائي بشأن الـ«شينغين»
• ماذا عن المستجدات بشأن تأشيرة الـ«شينغين» للسعوديين؟
•• فرنسا تدعم بقوّة مسعى المملكة، بشأن إعفاء مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي من تأشيرة الـ«شينغين»، والاتحاد الأوروبي بصدد دراسة هذا الموضوع. وفي انتظار اتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن، تقدّم سفارة فرنسا في الرياض والقنصلية العامة في جدّة ما بوسعهما لتسهيل إصدار التأشيرات للمواطنين السعوديين. وقد لاحظنا طلباً كبيراً على التأشيرات إلى فرنسا هذه السنة، ما يشير إلى حبّ السعوديين لفرنسا. ويُسعدُني جداً أن فرنسا هي وجهة السعوديين المفضلّة بين دول الـ«شينغين».
علاقة ثقافية وطيدة
• ما أهم ملامح التعاون الثقافي بين فرنسا والمملكة العربية السعودية؟
•• طوّرت فرنسا والمملكة، على مدى سنوات عديدة علاقات وثيقة في المجال الثقافي. ومنذ توقيع اتفاق تعزيز التعاون والتبادل الثقافي في ديسمبر 2021م، شَهِدَ التعاون الثقافي بين البلدين تطوراً كبيراً. وجاءت زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبدالملك إلى المملكة في مارس، وزيارة وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، إلى فرنسا في يونيو، لتُرسّخا هذا التعاون الثنائي في العديد من المجالات مثل السينما والموضة وفن الطهي والمتاحف والإرث والآثار.
وخلال زيارة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون إلى جدّة في 4 ديسمبر 2021م، تمّ توقيع اتفاق وزاريّ بين فرنسا والمملكة، لإنشاء مؤسسة ثقافية، فيلا الحجر في العلا، مستوحاة من المؤسسات الفرنسية المرموقة في العالم. وهناك مثالٌ ملموسٌ آخر على نجاح هذه الشراكة وهو الاتفاق بين المركز الوطني للفنون والثقافة جورج بومبيدو والهيئة الملكية لمحافظة العلا؛ الّذي يهدف إلى مشاركة الخبرات في مجال المتاحف وإنشاء متحف معاصر في العلا.
نحن أيضاً فخورون جداً بتعاوننا في مجال الآثار الّذي احتفلنا بعيده الـ20 السنة الماضية، والّذي يعود إلى اتفاق وُقّع لبعثة التنقيب في موقع الحجر في العلا في 2001.
وتوجد حالياً 15 بعثة فرنسية سعودية في جميع أنحاء المملكة، يشرف عليها المركز الوطني للبحث العلمي إلى جانب مختبرات وشركات كثيرة معنية بالآثار مثل Archaïos. كلّها تعمل بالتنسيق الوثيق مع المركز الفرنسي والبحث في شبه الجزيرة العربية Cefrepa والوكالة الفرنسية لتطوير العلا AFALULA ووزارة الثقافة السعودية، وهيئة التراث وإدارة الآثار، والهيئة الملكية لمحافظة العلا.
من ناحية أخرى، تنظّم سفارة فرنسا ومعهد أليانس فرانسيز العديد من الفعاليات في مختلف المدن في المملكة، لاكتشاف الثقافة الفرنسية. وأخيراً لقيت «فرنسا وأيام الأزياء» و«مهرجان الموسيقى» اهتمام الكثير من السعوديين ودفعتهم إلى التعرّف أكثر على الثقافة الفرنسية. كما شارك 60 مصمّم أزياء سعودياً لأول مرّة في Paris Fashion Week في يونيو في فرنسا، لكي يرى الفرنسيون ثقافة المملكة والإبداع السعودي.
شخصيا أشجّع جميع السعوديين على المشاركة في فعالياتنا وعلى زيارة فرنسا، وأيضاً أشجع الفرنسيين على زيارة المملكة العربية السعودية، لاكتشاف روابط الصداقة والثقافة التي تربِط بين المملكة وفرنسا بأنفسهم.
طلاب سعوديون في فرنسا
• وماذا فيما يخص الطلاب السعوديين في فرنسا؟
•• عرف التعاون الفرنسي السعودي في قطاع التعليم نجاحاً استثنائياً، وهو يندرج في ديناميكية طويلة الأمد. فهناك أكثر من 600 طالب سعودي يدرسون حالياً في فرنسا، وآلاف السعوديين هم ضمن شبكة خرّيجي التعليم العالي في فرنسا، إضافة إلى مشاركة 70 طالباً سعودياً سنوياً في برنامج تدريب أطباء الخليج. كما أن هناك 300 طالب يدرسون حالياً في مستشفيات فرنسا و300 غيرهم أنهوا دراستهم ويعملون حالياً في أفضل العيادات والمستشفيات في المملكة.
• والفرنسيون في المملكة العربية السعودية.. كيف ترونه؟
•• يتمتعُ نحو سبعة آلاف فرنسيّ بالعيش في المملكة العربية السعودية وهم يعملون في مجالات مختلفة. معظمهم يعمل في شراكات تسهم في تنفيذ برامج رؤية السعودية 2030. وسيشهد تبادل الخبرات ازدياداً، والفرص الكبيرة التي تقدّمها المشاريع الجديدة لرؤية السعودية 2030 في القطاعات الاقتصادية والثقافية ستجذُبُ العديد من الفرنسيين في جميع المجالات.
الاستثمار في الشباب والرفاهية
• ما انطباعكم عن وجود لاعبين عالميين في أندية كرة القدم السعودية؟
•• قرّرت المملكة العربية السعودية الاستثمار في الرياضة في إطار رؤية السعودية 2030. والاستثمار في مجال الرياضة هو الاستثمار في الشباب والرفاهية والترفيه. 70% من السعوديين هم دون الثلاثين عاماً، والمملكة أصبحت قوّة عظيمة في كرة القدم، وفوز فريقها السنة الماضية في كأس العالم على فريق الأرجنتين، أقوى مثال على ذلك.
في هذا السياق، من الطبيعي أن تستثمر المملكة في هذا القطاع وأن تجذب كبار لاعبي كرة القدم في العالم. وهذا يسعدني أيضاً، كما يُسعِد جميع السعوديين، وجميع المقيمين، لاسيّما أن كبار اللاعبين الفرنسيين اختاروا المملكة مثل بنزيما وكانتيه.
• علاقات عريقة وحلم تحقق
•• أغتنم هذه الفرصة لأتوجّه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإلى وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وإلى الشعب السعودي الصديق، بأصدق التمنيات بمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية.
وأقول إن المملكة عندما تحلُم فهي تُحقّقُ حلمها بالفعل. وفرنسا فخورة بمواكبة المملكة في تحقيق هذه الأحلام، من خلال العلاقة العريقة والشراكة الإستراتيجية التي تربط بين البلدين. وسنستمر معاً في تحقيق أحلامنا لمواجهة التحديات العالمية ولضمان مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة.
كما أودّ أن أعبّر للشعب السعودي، عن تقديري الكبير للجهود التي يبذلها من أجل مملكة الغد مع الحفاظ على جذورها وتقاليدها. فإذا كانت العلاقات القويّة التي تربِطُ بين بلدينا تأتي من قيادتَينا، فإن علاقة الصداقة الفرنسية السعودية الاستثنائية تنبعُ من الروابط بين شَعبَينا.. وتحيا الصداقة الفرنسية السعودية.
مكافحة الإرهاب والتطرف
عن تفاصيل التعاون في المجال العسكري والدّفاع قال السفير لـ«عكاظ»، إن العلاقة الثنائية الفرنسية السعودية في مجال الدّفاع تاريخية، تطوّرت على أيدي ثلاثة أجيال من أصحاب القرار السياسي، فهي ليست علاقة صداقة سطحية قصيرة الأمد، بل على العكس إنها شراكة طويلة الأمد.
وجاءت زيارة وزير القوّات المسلّحة لوكورنو، بناء على دعوةٍ من نظيره الأمير خالد بن سلمان، لتشكّلَ مرحلة جديدة في شراكتنا.
وبما أن بلدينا يواجهان تهديدات مشتركة، فلديهما الأولويّة نفسها؛ ضمان الأمن وتطوّر دول المنطقة لفتح المجال أمام تنمية متناغمة والسلام والازدهار لكلّ من البلدين. وأولويّة فرنسا والمملكة هي مكافحة الإرهاب والتطرّف وعدم انتشار الأسلحة وزيادة الأسلحة غير التقليدية والاتّجار غير المشروع بكلّ أنواعه.
ومنذ بداية الثمانينات، التحق أكثر من 800 ضابط وعسكري سعودي في فرنسا بدورات تدريبية طويلة لعدّة سنوات. ونحن نواكب اليوم وبانتظام القوات الملكية السعودية في التحوّل في إطار رؤية السعودية 2030. وتزداد روابط الصناعة الفرنسية مع الشركاء المحليين كلّ يوم، مع الحرص على تنويع الصناعة في المملكة، وتأمين الوظائف للسعوديات والسعوديين، وتوطين الإنتاج وحتى نقل التكنولوجيات. والهدف هو التوصّل إلى العمل معاً على معدّات الدّفاع المستقبلية، لكي نتمكّن من مواجهة التحديات الجديدة وموازين القوى الجديدة في المنطقة.
«العُلا» جوهرة الإنسانية
عن ملامح إقامته في السعودية والمناطق التي زارها يقول السفير: من حسن حظّي أنني تمكّنت من زيارة العديد من المناطق في المملكة العربية السعودية، منذ لحظة وصولي. هذا البلد يضمّ كنوزاً أثرية لا تُقدّر بثمن، وزرتُ العديد من المناطق، ولا يزال يُبهرُني الإرث الغنيّ الّذي تخبّئُه، من الدّرعية إلى الدّمام إلى جدّة وأبها والطائف وجزر فرسان ودومة الجندل وصولاً إلى القصيم والأحساء. تتميّز هذه المناطق بفنونها، وأزيائها، وهندستها، وفن الطّهي وحتى اللكنات المختلفة، وتُبرِز تنوّع الأراضي السعودية والشعب السعودي. كما أنني حضرتُ العديد من الفعاليات في العاصمة في إطار موسم الرياض والمهرجانات التي تبعته. وأتطلّع كثيراً للموسم الجديد هذه السنة. لقد أصبحت الرياض بالفعل العاصمة الثقافية في الشرق الأوسط.
غير أن للعُلا مكانة خاصة، فهي جوهرة الإنسانية ورمزُ تعاوننا الثنائي، منذ توقيع الاتفاق الوزاري في 2018م، الّذي سمح بإنشاء الوكالة الفرنسية لتطوير العُلا التي تعملُ يداً بيد مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا.
وما لفتني خلال هذه الزيارات هو حيويّة كلّ منطقة في المجتمع السعودي، لا سيما الشابات والشباب الّذين يعملون بكلّ جهد من أجل مملكة الغد. وطبعاً أودّ أن أشير إلى حبّ السعوديات والسعوديين لفرنسا الّذي لمسته في كلّ الأماكن التي زرتها.
ثقة ورؤية مشتركة
• كيف ترون العلاقات الفرنسية السعودية في مختلف المجالات؟
•• هي علاقات عديدة وغنيّة وعريقة ومبنية على الثقة والرؤية المشتركة لمستقبل المنطقة والعالم، والتعاون التاريخي بين بلدينا لا يعرف حدوداً، ويضمّ اليوم -أكثر من أي وقتٍ مضى- العديد من المجالات؛ الدّفاع والأمن، الطاقة، المياه والبيئة، النقل واللوجستية، السياحة، التعليم، الترفيه والثقافة، الرياضة، الصحّة، الأغذية الزراعية، الابتكار، التكنولوجيات الجديدة، الذكاء الاصطناعي، الطيران، الفضاء، الخدمات المالية والاستثمارية.
وشكّلت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا في يونيو، على رأسٍ وفدٍ كبير من الوزراء لحظة تاريخية. كما استقبلنا (زملائي وأنا) ثمانية وزراء فرنسيين زاروا المملكة العربية السعودية هذا العام، إضافة إلى زيارات أخرى متوقّعة قبل نهاية العام. إن هذه الحيويّة التي تشهدُها علاقتنا اليوم لم يسبق لها مثيل.
بناء عالم أفضل
• ما انطباعكم عن زيارة وليّ العهد إلى فرنسا؟
•• جاءت زيارة ولي العهد السعودي لفرنسا، لتكون شاهداً حقيقياً على أهمية الصداقة الإستراتيجية بين بلدينا. وقد استقبل رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، الأمير محمد بن سلمان في قصر الإليزيه في 16 يونيو 2023، وكان هذا اللقاء الرابع بينهما في أقل من سنة. وناقشا مطوّلاً سبل تعزيز الشراكة الإستراتيجية الفرنسية السعودية والمسائل الإقليمية والدّولية التي يتفّق بشأنها بلدانا في التحليل والمصالح. ويتبادل وزيرا الخارجية؛ كاثرين كولونا، والأمير فيصل بن فرحان، الآراء بصورة منتظمة حول كلّ الأزمات الإقليمية.
وقد شرّفنا وليّ العهد السعودي، بحضوره القمة من أجل ميثاق مالي عالمي جديد التي انعقدت في باريس في 22 و23 يونيو، بمبادرةٍ من رئيس الجمهورية الفرنسية. وكما قال الرئيس إيمانويل ماكرون «لا ينبغي لأي دولة أن تختار بين الحدّ من الفقر وحماية الكوكب.. يجبُ علينا مواجهة هذين التحديَين في وقتٍ واحد». ونحن نتشارك مع المملكة العربية السعودية في هذا السياق رؤية التطوير نفسها ومكافحة عدم المساواة. أصبحت المملكة جهة فاعلة أساسية في المساعدات الإنسانية والتنموية. وفرنسا سعيدةٌ جداً بالعمل معها لمكافحة تغيّر المناخ والحدّ من عدم المساواة.
فرئيس الجمهورية الفرنسية أشار إلى ولي العهد السعودي، أنه من خلال توحيد قوانا، يمكننا مواجهة التحديّات العديدة التي تُهَدِّدُ كوكبنا والنظام الدّولي، معاً، بفضل توافق رؤيتَينا للمستقبل، رؤية السعودية 2030 وخطّة فرنسا 2030، سنتمكّن من بناء عالم أفضل أكثر ازدهاراً وأكثر استدامة، من أجل شبابنا وأجيال المستقبل.
رؤية تواجه التحديات
• نظرتكم حول رؤية السعودية 2030 والمشاريع الجديدة؟
•• مضمون برنامج رؤية السعودية 2030، طموح ومُبهر وإصلاحيّ ويحملُ حلولاً طويلة الأمد لمواجهة التحديات أمام شابات وشباب المستقبل في المملكة، وتشهدُ مشاريع التطوير العديدة على الجهود الحقيقية التي تسلّط الضوء على إمكانات المملكة العربية السعودية الهائلة. فرنسا فخورة بمواكبة المملكة في هذه الرؤية، في إطار شراكتنا الإستراتيجية الشاملة، من خلال الاستثمارات في الشركات وتنفيذ مشاريع التعاون بين الحكومات وتبادل السياح والطلاب والفنانين. لقد جلبت الشركات الفرنسية الكثير إلى المملكة العربية السعودية، وهي مستعدّة لمشاركة خبرتها ودرايتها في مجالات توطين الإنتاج وتدريب النخبة من السعوديات والسعوديين، في خدمة مشاريع التنويع الاقتصادي الكبيرة في المملكة.
الشعب السعودي كنز حقيقي
• تعمل المملكة على استضافة معرض إكسبو 2030 الدولي، ما موقفكم تجاه هذا المسعى؟
•• كما تعلمون فرنسا هي الدولة الأوروبية الأولى التي دعمت رسمياً ترشيح المملكة العربية السعودية لاستضافة معرض إكسبو الدولي 2030.
ويقوم اختيار فرنسا للمملكة العربية السعودية على أسسٍ ملموسة، وعلاقة تاريخية وشراكة إستراتيجية تزداد تطوّراً في جميع المجالات يوماً بعد يوم. وتتجه أنظار العالم كلّه نحو إنجازات المملكة الرائعة بفضل رؤية السعودية 2030 التي تطالُ كلّ المجالات. غير أنه وكما أقول دائماً: كنز المملكة العربية السعودية الحقيقيّ هو الشعب السعودي؛ بطموحه وحسن كرمه وضيافته، وهو مستعد لاستقبال العالم بأجمعه لإعطائه فكرة عن غنى ثقافته ونجاحاته المبتكرة.
جبهة مشتركة
• وكيف رأيتم زيارة وزيرة الانتقال في مجال الطاقة للسعودية؟
•• كانت زيارة الوزيرة أنييس بانييه روناسيه، إلى المملكة العربية السعودية في يوليو ناجحة جداً. تمحورت حول أهدافنا المشتركة من إزالة الكربون من الاقتصاد وتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وعقب مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدّة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP28)، كان لا بدّ من تشكيل جبهة مشتركة لمواجهة تحديّات تغيّر المناخ. وذكّرت الوزيرة خلال زيارتها، أن فرنسا تواكب المملكة العربية السعودية في تطوير برنامجها النووي للأغراض المدنية. وقد رافقت الوزيرة خلال زيارتها تسع شركات مهتمّة بإنشاء تعاون مع المملكة في مجال الهيدروجين، ما يُظهر أيضاً استعداد الشركات الفرنسية لمواكبة المملكة العربية السعودية في الانتقال في مجال الطاقة.
«خارطة طريق ثنائية»
• ما التفاصيل والآفاق المتعلقة بالتعاون بين المملكة وفرنسا في مجال الطاقة؟
•• وقّعت فرنسا والمملكة العربية السعودية، مذكّرة تفاهم بشأن الطاقة في فبراير الماضي. أما بالنسبة إلى المجال النوّوي فإن التعاون بين فرنسا والمملكة، يدخُل في إطار اتفاق بين الحكومتين وُقِّعَ في 2011م. ونحن الآن بصدد العمل مع شركائنا السعوديين لإنشاء «خارطة طريق ثنائية» في مجال الطاقة المتجدّدة والهيدروجين وكفاءة الطاقة، إضافة إلى وجود الشركات الفرنسية، لا سيّما شركة كهرباء فرنسا EDF، والمشاريع الجارية في دومة الجندل لطاقة الرياح وفي جنوب جدّة للطاقة الشمسية. كما وقّعت شركة كهرباء فرنسا -أخيراً- عقداً مع شركة مصدر حول الطاقات المتجدّدة وسعة التخزين في «مشروع أمالا» الّذي يُعَد من أكبر المشاريع.
والجدير بالذكر أيضاً أنه في يونيو الماضي، وقّعت كلّ من شركتَي توتال إنيرجيز وأرامكو، عقود الأعمال الهندسية والبناء بمبلغ قدره 11 مليار دولار لمشروع البتروكيماويات «أميرال» الّذي يمثّل مرحلة ثانية من توسعة مصفاة ساتورب.
• ماذا تقولون عن مسارات التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي؟
•• تواكب فرنسا المملكة، في التحوّل في المجال الرقمي، لا سيّما في التعاون القائم في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يدخل في إطار مذكّرة التفاهم حول المجال الرقمي التي وُقِّعَت في ديسمبر 2021م. لقد شاركت الشركات الفرنسية والباحثون الفرنسيون في الدورة الأخيرة للقمّة العالمية للذكاء الاصطناعي في مؤتمر LEAP، وهذه ليست سوى البداية لتعزيز الحضور الفرنسي في هذه الفعاليات.
فعاليات ولقاءات اقتصادية
• الاستثمار الفرنسي في المملكة .. إلى أين تتجه خطواته؟
•• تقدّر محفظة الاستثمار الفرنسي المباشر في المملكة بنحو ثلاثة مليارات يورو (حسب بنك فرنسا) وتتركّز بشكل رئيسي في قطاعَي الطاقة والصناعة. والشركات الفرنسية تتابع مشاريع مهمة في البلد، خصوصاً في قطاعات الطاقة ومعالجة المياه والنفايات والنقل والطيران والبناء. وتتمتع الشركات الفرنسية الكبرى بمراكز جيّدة في الطاقة المتجدّدة ، وفي قطاع المياه (سور وسويز وفيوليا...)، وقطاعات أخرى موضوع برامج وطنية طموحة للغاية، تنفذّها بشكل استثمارات عامة وخاصة. أمّا قطاع الصحّة والقطاع الرقمي والتقنيات ذات القيمة المضافة المرتفعة فهي أيضاً تجذب اهتمام الشركات والمستثمرين الفرنسيين. ومن الممكن أن تؤدّي هذه القطاعات التي تشهد نموّاً كبيراً في المملكة إلى استثمارات جديدة تقوم بها الشركات الفرنسية التي تتمتعّ بخبرة جيّدة في هذه المجالات.
لقد انعقدت منذ مطلع السنة العديد من الفعاليات واللقاءات الاقتصادية التي تهدف إلى زيادة الاستثمارات بين البلدين، ونذكر منها، على سبيل المثال، منتدى الاستثمار الفرنسي-السعودي، الذي نظمّه تجمّع أرباب الشركات الفرنسية الدولي (ميديف) بتاريخ 19 يونيو 2023م. وحضر وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح، هذا الحدث إلى جانب وزير التجارة الخارجية الفرنسي والأقطاب والفرنسيين في الخارج أوليفيه بيشت، واختُتِم المنتدى بالتوقيع على 24 مذكرّة تفاهم واتفاقيات استثمار تبلغ قيمتها نحو ثلاثة مليارات دولار وستؤدّي إلى التوقيع على عقود أخرى لاحقاً. ووُقِّعت هذه الاتفاقيات بين كيانات من القطاعين الخاص والعام الفرنسي والسعودي، وتغطّي مجالات واسعة منها الطاقة والدفاع بل أيضاً الاتصالات.
تعزيز القوى الاقتصادية
• ماذا عن التعاون الاقتصادي والتجاري؟
•• تربط فرنسا والمملكة، علاقات اقتصادية وتجارية تاريخية متينة وهما عازمتان على تعزيزها. وأكّد قادة بلدينا مجدّداً هذا الهدف بمناسبة الزيارة الرسمية التي قام بها الأمير محمد بن سلمان، إلى باريس في يونيو الماضي؛ ففي هذه المناسبة كانت مشاركة ولي العهد بارزة في أوّل قمّة من أجل «ميثاق مالي عالمي جديد» نظّمتها فرنسا.
أمّا في مجال التبادلات التجارية، فبلغ تبادل البضائع بين فرنسا والمملكة 4.8 مليار يورو خلال الأشهر الستّة الأولى من 2023م؛ أي بزيادة 17%. وبلغت صادراتنا إلى المملكة 1.8 مليار يورو بينما كانت 1.9 مليار يورو في الفترة نفسها من السنة الماضية، نظراً لانخفاض صادراتنا من معدّات النقل. ولكنّ دعمتها بقوّة صادرات المعدّات الميكانيكية والكهربائية والإلكترونيات والمعلوماتية، التي ارتفعت بشكل ملحوظ أي بنسبة 20% (337 مليون يورو)، ما يعكس تنوّع صادراتنا نحو المملكة.
أمّا وارداتنا من المملكة فهي أكثر ديناميكية، فبلغت ثلاثة مليارات يورو؛ أيّ بزيادة مهمة بلغت 37% بفضل مشترياتنا من المنتجات النفطية الخام والمكرّرة (مجموع 97%). ووفق بيانات الهيئة السعودية للإحصاءات؛ احتلّت فرنسا في نهاية الأشهر الستة الأولى من 2023م، المرتبة الـ12 كمشترٍ من المملكة، مستعيدة بذلك ثلاثة مراكز خلال سنة.
وزادت حصّتها في الصادرات السعودية وبلغت 2.1% (مقابل 1.7% منذ سنة). في ترتيب الدول المصدّرة نحو المملكة، وتحتلّ فرنسا المرتبة الـ16 وتبلغ حصّتها في السوق نحو 2.2% من مجموع الواردات السعودية، وبقيت هذه النسبة شبه مستقرّة على مدى سنة. وينبغي أن نوضح أن العلاقات بين فرنسا والمملكة أكثر عمقاً وإستراتيجية من ميزانها التجاري. وتتشارك حكومتانا -بقوّة- طموحاً مشتركاً ألا وهو دفع علاقاتنا المتينة نحو شراكة إستراتيجية.
قرار نهائي بشأن الـ«شينغين»
• ماذا عن المستجدات بشأن تأشيرة الـ«شينغين» للسعوديين؟
•• فرنسا تدعم بقوّة مسعى المملكة، بشأن إعفاء مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي من تأشيرة الـ«شينغين»، والاتحاد الأوروبي بصدد دراسة هذا الموضوع. وفي انتظار اتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن، تقدّم سفارة فرنسا في الرياض والقنصلية العامة في جدّة ما بوسعهما لتسهيل إصدار التأشيرات للمواطنين السعوديين. وقد لاحظنا طلباً كبيراً على التأشيرات إلى فرنسا هذه السنة، ما يشير إلى حبّ السعوديين لفرنسا. ويُسعدُني جداً أن فرنسا هي وجهة السعوديين المفضلّة بين دول الـ«شينغين».
علاقة ثقافية وطيدة
• ما أهم ملامح التعاون الثقافي بين فرنسا والمملكة العربية السعودية؟
•• طوّرت فرنسا والمملكة، على مدى سنوات عديدة علاقات وثيقة في المجال الثقافي. ومنذ توقيع اتفاق تعزيز التعاون والتبادل الثقافي في ديسمبر 2021م، شَهِدَ التعاون الثقافي بين البلدين تطوراً كبيراً. وجاءت زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبدالملك إلى المملكة في مارس، وزيارة وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، إلى فرنسا في يونيو، لتُرسّخا هذا التعاون الثنائي في العديد من المجالات مثل السينما والموضة وفن الطهي والمتاحف والإرث والآثار.
وخلال زيارة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون إلى جدّة في 4 ديسمبر 2021م، تمّ توقيع اتفاق وزاريّ بين فرنسا والمملكة، لإنشاء مؤسسة ثقافية، فيلا الحجر في العلا، مستوحاة من المؤسسات الفرنسية المرموقة في العالم. وهناك مثالٌ ملموسٌ آخر على نجاح هذه الشراكة وهو الاتفاق بين المركز الوطني للفنون والثقافة جورج بومبيدو والهيئة الملكية لمحافظة العلا؛ الّذي يهدف إلى مشاركة الخبرات في مجال المتاحف وإنشاء متحف معاصر في العلا.
نحن أيضاً فخورون جداً بتعاوننا في مجال الآثار الّذي احتفلنا بعيده الـ20 السنة الماضية، والّذي يعود إلى اتفاق وُقّع لبعثة التنقيب في موقع الحجر في العلا في 2001.
وتوجد حالياً 15 بعثة فرنسية سعودية في جميع أنحاء المملكة، يشرف عليها المركز الوطني للبحث العلمي إلى جانب مختبرات وشركات كثيرة معنية بالآثار مثل Archaïos. كلّها تعمل بالتنسيق الوثيق مع المركز الفرنسي والبحث في شبه الجزيرة العربية Cefrepa والوكالة الفرنسية لتطوير العلا AFALULA ووزارة الثقافة السعودية، وهيئة التراث وإدارة الآثار، والهيئة الملكية لمحافظة العلا.
من ناحية أخرى، تنظّم سفارة فرنسا ومعهد أليانس فرانسيز العديد من الفعاليات في مختلف المدن في المملكة، لاكتشاف الثقافة الفرنسية. وأخيراً لقيت «فرنسا وأيام الأزياء» و«مهرجان الموسيقى» اهتمام الكثير من السعوديين ودفعتهم إلى التعرّف أكثر على الثقافة الفرنسية. كما شارك 60 مصمّم أزياء سعودياً لأول مرّة في Paris Fashion Week في يونيو في فرنسا، لكي يرى الفرنسيون ثقافة المملكة والإبداع السعودي.
شخصيا أشجّع جميع السعوديين على المشاركة في فعالياتنا وعلى زيارة فرنسا، وأيضاً أشجع الفرنسيين على زيارة المملكة العربية السعودية، لاكتشاف روابط الصداقة والثقافة التي تربِط بين المملكة وفرنسا بأنفسهم.
طلاب سعوديون في فرنسا
• وماذا فيما يخص الطلاب السعوديين في فرنسا؟
•• عرف التعاون الفرنسي السعودي في قطاع التعليم نجاحاً استثنائياً، وهو يندرج في ديناميكية طويلة الأمد. فهناك أكثر من 600 طالب سعودي يدرسون حالياً في فرنسا، وآلاف السعوديين هم ضمن شبكة خرّيجي التعليم العالي في فرنسا، إضافة إلى مشاركة 70 طالباً سعودياً سنوياً في برنامج تدريب أطباء الخليج. كما أن هناك 300 طالب يدرسون حالياً في مستشفيات فرنسا و300 غيرهم أنهوا دراستهم ويعملون حالياً في أفضل العيادات والمستشفيات في المملكة.
• والفرنسيون في المملكة العربية السعودية.. كيف ترونه؟
•• يتمتعُ نحو سبعة آلاف فرنسيّ بالعيش في المملكة العربية السعودية وهم يعملون في مجالات مختلفة. معظمهم يعمل في شراكات تسهم في تنفيذ برامج رؤية السعودية 2030. وسيشهد تبادل الخبرات ازدياداً، والفرص الكبيرة التي تقدّمها المشاريع الجديدة لرؤية السعودية 2030 في القطاعات الاقتصادية والثقافية ستجذُبُ العديد من الفرنسيين في جميع المجالات.
الاستثمار في الشباب والرفاهية
• ما انطباعكم عن وجود لاعبين عالميين في أندية كرة القدم السعودية؟
•• قرّرت المملكة العربية السعودية الاستثمار في الرياضة في إطار رؤية السعودية 2030. والاستثمار في مجال الرياضة هو الاستثمار في الشباب والرفاهية والترفيه. 70% من السعوديين هم دون الثلاثين عاماً، والمملكة أصبحت قوّة عظيمة في كرة القدم، وفوز فريقها السنة الماضية في كأس العالم على فريق الأرجنتين، أقوى مثال على ذلك.
في هذا السياق، من الطبيعي أن تستثمر المملكة في هذا القطاع وأن تجذب كبار لاعبي كرة القدم في العالم. وهذا يسعدني أيضاً، كما يُسعِد جميع السعوديين، وجميع المقيمين، لاسيّما أن كبار اللاعبين الفرنسيين اختاروا المملكة مثل بنزيما وكانتيه.
• علاقات عريقة وحلم تحقق
•• أغتنم هذه الفرصة لأتوجّه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإلى وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وإلى الشعب السعودي الصديق، بأصدق التمنيات بمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية.
وأقول إن المملكة عندما تحلُم فهي تُحقّقُ حلمها بالفعل. وفرنسا فخورة بمواكبة المملكة في تحقيق هذه الأحلام، من خلال العلاقة العريقة والشراكة الإستراتيجية التي تربط بين البلدين. وسنستمر معاً في تحقيق أحلامنا لمواجهة التحديات العالمية ولضمان مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة.
كما أودّ أن أعبّر للشعب السعودي، عن تقديري الكبير للجهود التي يبذلها من أجل مملكة الغد مع الحفاظ على جذورها وتقاليدها. فإذا كانت العلاقات القويّة التي تربِطُ بين بلدينا تأتي من قيادتَينا، فإن علاقة الصداقة الفرنسية السعودية الاستثنائية تنبعُ من الروابط بين شَعبَينا.. وتحيا الصداقة الفرنسية السعودية.
مكافحة الإرهاب والتطرف
عن تفاصيل التعاون في المجال العسكري والدّفاع قال السفير لـ«عكاظ»، إن العلاقة الثنائية الفرنسية السعودية في مجال الدّفاع تاريخية، تطوّرت على أيدي ثلاثة أجيال من أصحاب القرار السياسي، فهي ليست علاقة صداقة سطحية قصيرة الأمد، بل على العكس إنها شراكة طويلة الأمد.
وجاءت زيارة وزير القوّات المسلّحة لوكورنو، بناء على دعوةٍ من نظيره الأمير خالد بن سلمان، لتشكّلَ مرحلة جديدة في شراكتنا.
وبما أن بلدينا يواجهان تهديدات مشتركة، فلديهما الأولويّة نفسها؛ ضمان الأمن وتطوّر دول المنطقة لفتح المجال أمام تنمية متناغمة والسلام والازدهار لكلّ من البلدين. وأولويّة فرنسا والمملكة هي مكافحة الإرهاب والتطرّف وعدم انتشار الأسلحة وزيادة الأسلحة غير التقليدية والاتّجار غير المشروع بكلّ أنواعه.
ومنذ بداية الثمانينات، التحق أكثر من 800 ضابط وعسكري سعودي في فرنسا بدورات تدريبية طويلة لعدّة سنوات. ونحن نواكب اليوم وبانتظام القوات الملكية السعودية في التحوّل في إطار رؤية السعودية 2030. وتزداد روابط الصناعة الفرنسية مع الشركاء المحليين كلّ يوم، مع الحرص على تنويع الصناعة في المملكة، وتأمين الوظائف للسعوديات والسعوديين، وتوطين الإنتاج وحتى نقل التكنولوجيات. والهدف هو التوصّل إلى العمل معاً على معدّات الدّفاع المستقبلية، لكي نتمكّن من مواجهة التحديات الجديدة وموازين القوى الجديدة في المنطقة.
«العُلا» جوهرة الإنسانية
عن ملامح إقامته في السعودية والمناطق التي زارها يقول السفير: من حسن حظّي أنني تمكّنت من زيارة العديد من المناطق في المملكة العربية السعودية، منذ لحظة وصولي. هذا البلد يضمّ كنوزاً أثرية لا تُقدّر بثمن، وزرتُ العديد من المناطق، ولا يزال يُبهرُني الإرث الغنيّ الّذي تخبّئُه، من الدّرعية إلى الدّمام إلى جدّة وأبها والطائف وجزر فرسان ودومة الجندل وصولاً إلى القصيم والأحساء. تتميّز هذه المناطق بفنونها، وأزيائها، وهندستها، وفن الطّهي وحتى اللكنات المختلفة، وتُبرِز تنوّع الأراضي السعودية والشعب السعودي. كما أنني حضرتُ العديد من الفعاليات في العاصمة في إطار موسم الرياض والمهرجانات التي تبعته. وأتطلّع كثيراً للموسم الجديد هذه السنة. لقد أصبحت الرياض بالفعل العاصمة الثقافية في الشرق الأوسط.
غير أن للعُلا مكانة خاصة، فهي جوهرة الإنسانية ورمزُ تعاوننا الثنائي، منذ توقيع الاتفاق الوزاري في 2018م، الّذي سمح بإنشاء الوكالة الفرنسية لتطوير العُلا التي تعملُ يداً بيد مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا.
وما لفتني خلال هذه الزيارات هو حيويّة كلّ منطقة في المجتمع السعودي، لا سيما الشابات والشباب الّذين يعملون بكلّ جهد من أجل مملكة الغد. وطبعاً أودّ أن أشير إلى حبّ السعوديات والسعوديين لفرنسا الّذي لمسته في كلّ الأماكن التي زرتها.