زوايا متخصصة

سلمان بن دعيج.. أول سفير بحريني لدى بلاط سانت جيمس

08 شوال مايو / / 1444 / 02:57 Class="articledate">الاثنين 18 Class="articledate">الاثنين 2023

الشيخ سلمان مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز في لندن يتوسطهما السفير السعودي عبدالرحمن الحليسي.

د بقلم: Abu_taymour@ عبدالله المدني

في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الدولي التاريخي بالإجماع برقم 278 في 11 مايو سنة 1970، حول تأكيد عروبة وسيادة البحرين ورفض الادعاءات الإيرانية الباطلة بها، تسارعت الخطوات لتنظيم الشكل القانوني الجديد للبحرين كدولة عربية خليفية ذات سيادة غير منقوصة، تتولى بنفسها إدارة شؤونها الخارجية والدفاعية. حدث ذلك بُعيد توقيع المغفور له عظمة حاكم البحرين وتوابعها سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة والمقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي سير جيفري آرثر في 15 أغسطس 1971، بمبنى مجلس الدولة في المنامة على وثيقة إلغاء معاهدة الحماية البريطانية لعام 1880 وكافة المعاهدات اللاحقة وكل ما ترتب عليها لجهة تولي بريطانيا مسؤولية علاقات البحرين الخارجية والدفاعية، كما تمّ التوقيع في نفس اليوم على اتفاقية صداقة جديدة مع بريطانيا.

وكان من أولى الخطوات التي أقدمت عليها القيادة البحرينية، بعد قبول البحرين عضواً في جامعة الدول العربية في 11 سبتمبر 1971، وقبولها عضواً في هيئة الأمم المتحدة في 12 سبتمبر 1971، تأسيس تمثيل دبلوماسي لها في عواصم القرار الدولية والإقليمية والعربية. وكانت أولى العواصم العالمية التي أسست البحرين لها فيها تمثيلاً دبلوماسياً هي نيويورك كونها مقر هيئة الأمم المتحدة، فالقاهرة كونها مقر جامعة الدول العربية، ثم لندن بحكم الروابط القديمة بين البحرين والمملكة المتحدة، خصوصاً أن الحكومة البريطانية سارعت في عام 1971 بتسمية السيد ألكسندر ستيرلينغ سفيراً لها في المنامة.

سفراء البحرين في بريطانيا

وقتذاك كانت الخارجية البحرينية وزارة ناشئة ذات كوادر تُعد على الأصابع وخبرة متواضعة في المحافل الدبلوماسية الخارجية، ومقر مكون من ثلاثة مكاتب خشبية في موقع المكتب القديم لمستشار حكومة البحرين تشارلز بلجريف بمنطقة رأس رمان. لذا فإنها لم تجد أفضل من الشيخ سلمان بن دعيج آل خليفة لتمثيلها لدى المملكة المتحدة، خصوصاً أنه كان يعرف بريطانيا جيداً ويتحدث الإنجليزية بطلاقة بحكم دراسته فيها لسنوات طويلة، ناهيك عن امتلاكه خبرة إدارية وقانونية اكتسبها من عمله قاضياً في محاكم البحرين. وبهذا سجل الشيخ سلمان بن دعيج اسمه في تاريخ البحرين الدبلوماسي كأول سفير في قائمة السفراء البحرينيين الذين مثلوا بلدهم لدى بلاط سانت جيمس، وهي قائمة تضم حتى الآن أحد عشر سفيراً هم على التوالي: الشيخ سلمان بن دعيج آل خليفة، علي إبراهيم المحروس، الشيخ عبدالرحمن بن فارس آل خليفة، سلمان عبدالوهاب الصباغ، كريم إبراهيم الشكر، الشيخ عبدالعزيز بن مبارك آل خليفة، الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، الشيخ خليفة بن عبدالله آل خليفة، الشيخ خليفة بن علي بن راشد آل خليفة، السيدة ألس سمعان، والسفير الحالي الشيخ فواز بن محمد بن خليفة آل خليفة.

جده ووالده

جده المباشر هو حاكم البحرين وتوابعها العاشر الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة الذي حكم البلاد في الفترة من 1932 إلى 1942، والذي شهد عهده أحداثاً كثيرة مثل: كساد تجارة اللؤلؤ واكتشاف النفط ونشوب الحرب العالمية الثانية ودخول البحرين عصر التنمية وتطوير أجهزة الدولة وبناء أول جسر رابط بين جزيرتي البحرين والمحرق.

والده هو الشيخ دعيج، الابن السابع للشيخ حمد بن عيسى بن علي، علماً بأن الشيخ دعيج أبصر النور في عام 1915، وتولى رئاسة المحكمة العليا ورئاسة المحاكم القانونية من عام 1942 إلى عام 1956. وحينما تشكل مجلس الدولة بدوائره المختلفة تولى رئاسة دائرة العدل وذلك في الفترة من عام 1956 إلى عام 1969. تزوج الشيخ دعيج بمدينة الحد في 13 أبريل 1934 من الشيخة «شيخة بنت عبدالله آل خليفة»، ابنة عمه الشيخ عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة (رئيس بلدية المنامة ثم رئيس بلدية المحرق ثم رئيس مجلس التعليم والمدارس فرئيس القضاة فعضو مجلس الدولة)، التي أنجبت له خمسة أبناء، كان أولهم الشيخ سلمان (المترجم له) الذي أبصر النور في 26 أكتوبر 1936، وتلاه الشيوخ حمد وعيسى ومحمد وصباح وابنتان هما الشيخة ثاجبة والشيخة لطيفة. وقد توفي الشيخ دعيج في لندن في 22 أبريل 1969 عن عمر ناهز 54 عاماً.

محاكم البحرين

وبالعودة إلى سيرة الشيخ سلمان بن دعيج، نجد أنه أنهى مراحل تعليمه النظامي بمدارس البحرين وتخرج من المدرسة الشرقية بالمنامة قبل أن يسافر إلى بريطانيا عام 1954، من أجل تحصيله الجامعي بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) التابعة لجامعة لندن، حيث أمضى في الأخيرة عدة سنوات تعرف أثناءها على ثقافة الشعب البريطاني وتاريخه ومظاهر نهضته. وحينما عاد إلى وطنه تم تعيينه قاضياً بدائرة العدل التي كان يترأسها والده الشيخ دعيج بن حمد، زمن ابن عمه الأمير الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة، وفي عام 1968 صار نائباً لرئيس المحكمة القانونية، بل شغل في العام التالي وظيفة رئيس المحكمة بالإنابة فترة غياب والده في بريطانيا للعلاج.

ومما لا شك فيه أن عمله بمحاكم البحرين واطلاعه اليومي على مشاكل الناس وقضاياهم المتنوعة قربه من أهل البحرين، خصوصاً أنه عرف بالتواضع وحب الناس والتفاني في خدمتهم. ولأن محاكم البحرين تعتبر جزءاً من سيرته وسيرة والده أيضاً، بحثت عن مرجع يتحدث عن أوضاعها في فترة عملهما بها فوجدت في صحيفة «النجمة الأسبوعية»، الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو)، أن رئيس تحريرها أجرى في الستينات حواراً مع رئيس المحاكم آنذاك الشيخ دعيج بن حمد. ومما ورد في الحوار أن القضايا، في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة من عام 1869 إلى 1932، كانت ترفع إلى الحاكم الذي كان يحيلها بدوره إلى المحاكم الشرعية للبت فيها، وأنه في عهد الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة تأسست محاكم البحرين القانونية، من خلال محكمتين كانتا تقومان بالنظر في القضايا المدنية والجنائية على اختلافها، برئاسة كل من الشيخ سلمان بن محمد آل خليفة والشيخ راشد بن محمد آل خليفة، وكان يساعدهما مستشار معين من قبل الحاكم، وأن الجهاز الإداري للمحاكم أخذ يتطور بعد ذلك من حيث التنظيم والعدد والاختصاص حتى وصل عدد المحاكم الجنائية إلى خمس، وعدد المحاكم المدنية إلى سبع، إضافة إلى محكمة مُختلطة تختص بالقضايا المتعلقة بالشعوب التي لا يطبَّق عليها نظام البحرين القضائي، مثل مواطني الدول الأوروبية ومواطني دول الكومنولث البريطاني.

إلى ذلك تضمن الحوار معلومات أخرى، منها أن القضايا المدنية المنظورة أمام المحاكم البحرينية ارتفع عددها ما بين الأربعينات والستينات كثيراً، بسبب تضاعف عدد السكان والوافدين وتشعب أوجه المعيشة، أما القضايا الجنائية الكبرى فقد قلّت بسبب استتباب الأمن والنظام في البلاد. ومنها أن أعداد المحامين كانت آنذاك قليلة رغم أن اشتراطات العمل في سلك المحاماة كانت ميسرة، مثل أن يكون المحامي عربياً يحسن القراءة والكتابة ومشهوداً له بحسن السيرة والسلوك، ولم يرتكب حادثة جنائية في حياته. ومنها أيضاً أن قضاة البحرين من شيوخ الأسرة الحاكمة لا يتقاضون سوى راتب رمزي بسيط لقاء عملهم، لأنهم يقومون بهذه الخدمة على سبيل الشرف دون النظر إلى الناحية المادية، ويعتبرون أنفسهم يؤدون واجباً نحو بلادهم ومواطنيهم.

تأسيس سفارة البحرين من الصفر

في ظل هذه الظروف عمل الشيخ سلمان بن دعيج بجد واجتهاد وتفانٍ قاضياً ونائباً لرئيس المحاكم لبضع سنوات، قبل أن يقدم استقالته في خريف سنة 1969. وقتها عرض عليه أن يشغل منصب مدير دائرة الهجرة والجوازات لكنه رفض العرض لأسباب خاصة به. وفي أواخر 1971 اختير ليكون سفيراً لدولة البحرين في بريطانيا كما أسلفنا، فعمل على تأسيس سفارة البحرين من الصفر، بدءاً من استئجار مقر مؤقت بمنطقة مايفير فإلى مبنى دائم اشترته حكومة البحرين سنة 1972 بشارع غلوستر. كما بحث عن مقر دائم لسكن السفير حتى وقع اختياره في منتصف عام 1972 على مسكن السفير السويسري الذي كان معروضاً للبيع آنذاك، مقابل السفارة الأمريكية بمنطقة مايفير.

وهكذا راح يؤدي واجبه سفيراً لبلاده على أكمل وجه، بمساعدة طاقم صغير مكون من المستشار القانوني وصفي النمر والسكرتير الأول نبيل قنبر، ولاسيما لجهة تفعيل العلاقات الثنائية بين البحرين والمملكة المتحدة في كافة المجالات وتمثيل البحرين في مختلف الفعاليات والمناسبات مع إبراز وجهها الحضاري وسياستها الخارجية القائمة على السلم والتعاون، ناهيك عن قيامه بالدور المفترض في السفير العربي لجهة الدفاع عن قضايا أمّته العربية والإسلامية والتعريف بعدالتها. وخلال فترة عمله الدبلوماسي في بريطانيا التي انتهت في أغسطس 1975، ترأس «جمعية البحرين» في لندن، وهي كيان تأسس بهدف تمتين علاقات الصداقة والتعاون بين البحرين وبريطانيا وتقديم المساعدة لزوار بريطانيا من البحرينيين ومن في حكمهم من الطلبة والشباب، والعمل حلقة وصل بين البريطانيين الذين عاشوا وخدموا في البحرين. كما ارتبط بعلاقات جيدة مع الطلبة البحرينيين الدارسين في الجامعات والمعاهد البريطانية، وكان يحرص على حضور مؤتمرهم السنوي بمدينة Coventry.

وقد ساعده في الاضطلاع بمهماته الدبلوماسية بنجاح إلمامه بالميراث الثري من التفاعلات والمصالح المشتركة بين البحرين وبريطانيا، واطلاعه الواسع على ثقافات الأمم، وقدراته الذاتية في تحليل وفهم الأحداث الدولية والسياسات العربية والإقليمية، وهو ما شجع القيادة البحرينية على أن تكلفه في عام 1972، إضافة إلى عمله، بتمثيل البحرين في مدريد سفيراً غير مقيم زمن زعيمها الجنرال فرانكو.

زاهد في المناصب والألقاب

كتب عنه الأستاذ خليل ابراهيم الذوادي، سفير البحرين الأسبق لدى جمهورية مصر العربية الذي يشغل حالياً منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية في صحيفة «الأيام»، فقال: كان تجواله في سوق البحرين وتطوافه بين مدن وقرى المملكة يلقى الترحيب من الجميع لما ألفوا منه من طيب المعشر وحسن الخلق والتواضع الجم. كان دائم الإطراء لأبنائه معتزاً متعلقاً بهم، كما عُرف عنه زهده في المناصب والألقاب وابتعاده عن الأضواء.

اقترن الشيخ سلمان بن دعيج بالشيخة «هيا بنت خليفة آل خليفة»، ابنة عمه الشيخ خليفة بن حمد بن عيسى آل خليفة، التي أنجبت له ثلاث بنات (ندى وبسمة وياسمين) وابنين هما: الشيخ بدر (درس في الجامعة الأمريكية بواشنطن، ولم يتولَّ أي منصب رسمي، مكتفياً بالعمل لفترة قصيرة في شركة طيران الخليج، قبل أن ينصرف إلى مزاولة الأعمال الحرة في مجال السفر والسياحة ويصبح عضواً بمجلس إدارة اتحاد البحرين لوكلاء السفر والسياحة)، والشيخ دعيج (ولد في 22 يوليو 1969، وحصل على بكالوريوس التجارة الخارجية من الجامعة الأمريكية بواشنطن وشهادة القيادة الإدارية من جامعة فرجينيا الأمريكية، وترأس مجلس إدارة شركة ألمنيوم البحرين (البا) منذ 2014، وكان قبل ذلك رئيساً لمجلس إدارة الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن (أسري)، وقبلهما رئيساً للجمارك والموانئ والمناطق الحرة بوزارة المالية).

في يوم الإثنين الموافق 22 أغسطس 2005، أغمض الشيخ سلمان بن دعيج عينيه، مفارقاً الدنيا إلى جوار ربه عن عمر ناهز 69 عاماً، وكانت منيته في كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية حيث كان يخضع للعلاج. وقد نعاه الديوان الملكي في بيان.