أخبار

هاشم صالح: التعصب الديني أشعل الحروب الطائفية

عدّ المعري والجاحظ والكندي وابن سينا والفارابي تنويريين

2023 / / Class="articledate">الجمعة 21 /

هشام صالح

الرباعي عرض: Al_arobai@ علي

يؤكد المفكر السوري الدكتور هاشم صالح، أن آفة الفكر العربي تتمثل في المغالطة التاريخية، وعدم الاعتراف بالتفاوت التاريخي الهائل بين الفكر الأوروبي والفكر العربي، وعدم القدرة على التفريق بين المعاصرة الزمنية - والمعاصرة الفكرية الأبيستمولوجية، ما يؤدي إلى تمييع المواقف وضياع البوصلة. وعدّ اعتقادنا بأن الفكر العربي هضم كل الثورات اللاهوتية والعلمية والفلسفية والسياسية التي هضمتها المجتمعات الأوروبية المتقدمة منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم مغالطة تاريخية كبرى. وأوضح أن المسيحية الأوروبية عاشت معركة الذات التراثية مع ذاتها على مدار أربعة قرون، بينما العالم الإسلامي لم يعش بعد هذه المعركة الضارية وإن كان قد أصبح على أبوابها، بينما البعض يعتقدون إمكانية تحاشيها أو القفز فوقها! ويرى مترجم أعمال (أركون) إلى العربية أن التنوير هو موقف من الوجود وليس محصوراً بحقبة معينة بحد ذاتها. وموقف نقدي احتجاجي على الدوغمائيات المتحجرة أياً كانت دينية أم سياسية. ومن ثم فهو يوجد في كل العصور.

وعدّ أبا العلاء المعري تنويرياً كبيراً، إضافة إلى الجاحظ والكندي وابن سينا والفارابي وكل أقطاب العصر الذهبي للعرب.

وعزا صالح التنوير إلى القرن الثامن عشر الأوروبي؛ كونه حقق لأول مرة في تاريخ البشرية استقلالية الفلسفة عن اللاهوت المسيحي، أو العقل عن النقل، وبلور مشروع التنوير الكبير الذي كان يهدف إلى تحسين الوضع البشري عن طريق تبني العقلانية العلمية والتخلي عن العقلية الخرافية التي سادت العصور الوسطى المسيحية والتي لا تزال تسود شرائح واسعة من عالمنا الإسلامي حتى اللحظة. وثمّن المشاريع التي تهدف إلى تحقيق التقدم التكنولوجي والديموقراطية والحرية الدينية: أي حرية الضمير والمعتقد أو «لا إكراه في الدين» علماً بأن الكنيسة الكاثوليكية كانت قسرية وتكفيرية في ذلك الزمان.

ولفت إلى الوجه المشرق للكنيسة اليوم كون البابا من أكبر المدافعين عن الحداثة وحقوق الإنسان وحرية المعتقد والضمير. بحكم أن هدف مشروع التنوير إخراج الشعوب من أميتها وجهلها وفقرها المدقع، عن طريق رفع مستوى المعيشة وتحسين العلاج الطبي ثم عن طريق التعليم والتثقيف. وذهب إلى أن غاية مشروع الأنوار الأولى مكافحة التعصب الديني: الذي أشعل الحروب الطائفية على أوسع نطاق، ودمر المجتمعات تدميراً، إلا أن الغرب لم يتهم غيره، ولم يله نفسه بالكلام الديماغوجي المستهلك الرخيص، بل اعترف بحقيقة المشكلة التي تنخر في أعماق شعوبهم بسبب هيمنة العصور الوسطى الظلامية على عقليتها، وركزوا كل جهودهم على بلورة تفسير آخر للدين: أي تفسيرا عقلانيا، إنسانيا، مستنيرا. وكشف صالح بأن الآباء المؤسسين لمشروع التنوير ولدوا في القرن السابع عشر من أمثال (ديكارت، وجون لوك، وسبينوزا) إلا أن الذين نفذوا الفكرة وطبقوا المشروع هم فلاسفة القرن الثامن عشر. ولم يكن هدف المشروع فكريا أو نظريا فقط، وإنما عمليا أيضا. فعلى المستوى المادي، هدف المشروع إلى مواجهة الكوارث الطبيعية التي كانت ترعب الناس في ذلك الزمان كالأعاصير والفيضانات والأوبئة والجفاف، ناهيك عن الزلازل والبراكين.. ولذلك، عملوا كل ما بوسعهم لكي يتمكن الإنسان من تدجين الطبيعة، عن طريق العلم والصناعة والتكنولوجيا. وهي باختصار شديد الخطوط العريضة لمشروع التنوير.

وعزا للتنوير فضل الحضارة الحديثة التي نراها بأم أعيننا اليوم. كونه استطاع أن يركع الأصولية المسيحية تركيعاً وأن يهزمها على أرضيتها الخاصة. وأثبت أن مفهومها للدين منغلق ومتعصب وطائفي ومسبب للحروب الأهلية والمجازر الطائفية. وأكد أن العرب لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد. والمسلمون قادمون، ولكن عقب خوض معركتهم الذاتية مع أنفسهم.