بدر كُريّم.. عاشق المايكروفون والمرافق الإعلامي للفيصل
/ 03:06 19 / الحجة Class="articledate">الاثنين ذو / 2023 هـ 01 1444 الاثنين
Abu_taymour@ د المدني عبدالله بقلم:
في تاريخ الإذاعة السعودية خصوصاً، وتاريخ الإعلام السعودي عموماً، هو ركن ركين وقامة شامخة وشخصية متميزة استطاعت الوصول إلى قلوب وعقول الجماهير والاستراحة فيها لسنوات طويلة دون منازع. لم يكن السبب عشقه للمايكروفون عشقاً جنونياً منذ صباه، أو كاريزميته الشخصية، أو البرامج الإذاعية المبتكرة التي قدمها ولامست هموم واحتياجات المتلقي، أو مرافقته للملك فيصل في جولاته الداخلية والخارجية ونقل ما يصدر عن جلالته من تصريحات ومواقف فحسب، وإنما أيضاً إخلاصه لعمله وتفانيه في مهامه، وصوته الرخيم المتميز العابر بسهولة إلى القلوب، ناهيك عن عدم دخوله في صراعات أو مناكفات مع الآخر.
إنه الإذاعي السعودي الراحل بدر أحمد كريم الجهني، الشهير بـ«بدر كُريّم» (بضم الكاف وتشديد الياء)، الذي وافته المنية بالرياض في 13 يونيو 2015 عن عمر ناهز الثمانين بعد معاناته من مرض السرطان، مخلفاً وراءه سيرة عطرة وتاريخاً حافلاً من العطاء والعصامية الفريدة، والدأب المتواصل من أجل تحقيق طموحاته الذاتية التي تقاطعت مع طموحات جهاز الإعلام السعودي.
وحينما توفي كان قد شغل مناصب عديدة في مشواره مذيعاً وصحفياً ومديراً ومراقباً ومحاضراً جامعياً ورئيساً لوكالة الأنباء السعودية، ناهيك عن شغله مقعداً بمجلس الشورى، وانشغاله بتأليف عدد من الكتب التي لولا بعضها لما عرفنا سيرته بالتفصيل، ولما اطلعنا على الحكايات الطريفة التي كان شاهداً عليها أو بطلاً من أبطالها.
مواليد ينبع البحر
ولد كريم في ينبع البحر (غرب السعودية) عام 1935، لأسرة متواضعة. كان والده أحمد كريم تاجراً بسيطاً يملك محلاً لبيع المواد الغذائية في ينبع، وكانت والدته (زبيدة حامد الخطيب) ربة بيت مهمومة بتربية أبنائها، والسهر على راحتهم ورعاية زوجها. درس القرآن وتعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب التقليدية في ينبع، ثم في المدينة المنورة التي انتقلت إليها أسرته بحثاً عن الرزق وهو في الخامسة من العمر، فكانت نشأته في مدينة الرسول بأجوائها الروحانية. توفيت والدته أثناء إقامة الأسرة بالمدينة، فانتقل مع أبيه للإقامة في حارة البحر بجدة، حيث عاش شبابه وبدأ حياته العملية جابياً عند التاجر محمود عبدالغفار الأنصاري، فكان يستقل دراجة ويطوف على العملاء لتحصيل الديون. ثم عمل مساعداً لوالده الذي ترك تجارته البسيطة لامتهان التخليص الجمركي.
الإنفاق على المجلات
وقتها راح يحلم بوظيفة حكومية يرتقي من خلالها بأحواله المعيشية ويساعد أسرته على ظروفها المالية الصعبة، رغم علمه باستحالة ذلك لعدم امتلاكه أي شهادة دراسية. كان الرجل يعوّل على ثقافته الواسعة التي استمدها من قراءة الكتب والصحف والمجلات بنهم والاستماع الدائم لبرامج الإذاعات المختلفة، فنجح في عام 1954 في الحصول على وظيفة «كاتب صادر ووارد» بإدارة الجوازات والجنسية بجدة، ليكون ذلك أول عمل له براتب شهري ثابت قدره 370 ريالاً. وقد ذكر في كلمته، خلال حفل تكريمه في إثنينية عبدالمقصود خوجة، أنه أنفق رواتبه في شراء أول سيارة في حياته بمبلغ 1,200 ريال وكانت مستعملة، وأنفقها أيضاً على اقتناء الصحف والمجلات والكتب لقراءتها وقت فراغه. وإبان عمله في الجوازات كان مستمعاً دائماً لبرامج الإذاعة، ولاسيما برنامج «بريد المستمعين»، الذي حرص كريم على مراسلته وتزويده بمقتطفات من قراءاته في الصحف والكتب، فصار اسمه يتردد في الإذاعة مذاك كصديق دائم للبرنامج.
الطريق نحو المايكروفون
ومن جوازات جدة انتقل للعمل مراقباً للمطبوعات بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، التي تحولت لاحقاً إلى وزارة الإعلام، ومن الأخيرة شق طريقه نحو الإذاعة، فحقق بذلك حلماً داعب خياله طويلاً. إذ إن هوسه بالإذاعة والمذيعين بدأ منذ صباه، بدليل أنه كان في صغره يحول بعض العلب المعدنية والكرتونية الصغيرة بعد تثقيبها إلى ما يشبه المايكروفون ليتحدث من خلالها صائحاً «هذا بدر كريم من إذاعة المملكة العربية السعودية»، كما كان يقف أمام المرآة متخيلاً نفسه مذيعاً ويتحدث إلى نفسه، إلى درجة أن والده شكك في صحة قواه العقلية. وفي حادثة رواها ابنه ياسر خلال برنامج الراحل من قناة روتانا خليجية، وتعكس مدى هوس الرجل بالمايكروفون، أنه طلب ذات مرة من إمام أحد المساجد في حارة البحر بجدة أن يسمح له برفع الأذان، فكانت تلك هي المرة الأولى التي تحتضن يده معشوقه المايكروفون.
خطوات الإذاعة الأولى والخطأ الفادح
بدأ كريم عمله بالإذاعة في عام 1957 مذيعاً للربط، فقارئاً لمواجز الأنباء، فمقدماً للبرامج (أول برنامج قدمه في حياته كان «ركن الصحة»)، قبل أن يتم اختياره ضمن مجموعة من الإذاعيين والفنيين للسفر إلى مصر لتلقي دورة تدريبية في معهد التدريب الإذاعي بالقاهرة. والحقيقة أن الرجل، وقت التحاقه بالإذاعة، كان قد تجاوز بدايات زملائه الذين شقوا طريقهم من خلال برامج الأطفال. وبعبارة أخرى كان الرجل جاهزاً لا يحتاج إلى تدريب أو تمرين، ومعززاً بصوت فيه من الرخامة والدفء والثقة بالنفس الشيء الكثير، لكن ما كان ينقصه آنذاك هو إجادة القواعد الصحيحة للغة العربية لأنه لم يدرسها. وقد تحدث كريم عن ذلك في كتابه «أتذكر» (كتاب أصدره عام 2005 في 405 صفحات مكتنزة بذكرياته، وذلك بناء على اقتراح من أمير الرياض الملك سلمان، الذي كان قد قرأ محتوياته منشورة على شكل مقالات بجريدة «عكاظ»)، حيث أخبرنا أنه تعرض لهجوم قاسٍ ومطالبة بإيقافه عن العمل من قبل علّامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر لإخفاقه في قواعد اللغة، الأمر الذي جعل وزير الإعلام آنذاك الشيخ جميل الحجيلان يمنعه من قراءة نشرات الأخبار خوفاً من أن يخطئ في قواعد اللغة. والجدير بالذكر في هذا السياق، أن كريم لم يكن وقتها حاصلاً على أي شهادة، بما فيها شهادة الابتدائية، فقرر أن ينالها من خلال الدراسة ليلاً بمدرسة المنصورية الابتدائية في جدة والعمل نهاراً، وتمكن عبر استغلال نظام الجمع بين سنتين دراسيتين أو أكثر الذي كان معمولاً به آنذاك من إنهاء مرحلتي الدراسة الابتدائية والإعدادية بنجاح. ثم عالج ضعفه في قواعد اللغة بقراءة كتب النحو والاتصال بكبار النحويين والكتّاب السعوديين للاستفادة منهم، إلى درجة أنه كان يهاتف الكاتب السعودي الكبير محمد حسين زيدان خمس مرات يومياً، مستفسراً ومتسائلاً عن هذا وذلك من صحيح اللغة. وقد أراد بذلك أن يمحو أميته النحوية ويظهر بمظهر لائق أمام وزراء الإعلام الذين عاصرهم وكانوا جميعاً من المتبحرين في اللغة وقواعدها.
ولعل هذا يعطينا دليلاً على عصاميته وإصراره واجتهاده على تلقي العلم لتطوير ذاته وليس بدافع البحث عن عمل. إذ إنه أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة وهو كبير وعلى رأس وظيفة مرموقة، دون أن يخجل أو يتحرج من مزاملة من هم أصغر سناً بكثير، بل دون أن يصغي لبعض زملائه ممن حاول أن يثنيه عن ذلك بالقول «إنك معروف وتملك وظيفة محترمة فماذا ستجني غير إحراج نفسك بدخولك المدرسة لنيل شهادة الابتدائية».
بزوغ نجمه وقصته مع الملك خالد
وفي السبعينات، وكانت قد بزغت نجوميته الإعلامية على نطاق واسع، عاد كريم إلى المدرسة لحصد شهادة الثانوية العامة، ممنياً النفس بمواصلة تعليمه حتى نيل شهادة الدكتوراه. وفي هذا السياق، نقرأ في كتابه «أتذكر»، أنه كان ينقل وقائع إحدى القمم الإسلامية التي استضافتها السعودية في السبعينات، في وقت كان قد حصل على شهادة الثانوية العامة، فسأله الملك خالد، رحمه الله، عما سيفعل بعد نيل تلك الشهادة، فأجاب، أنه سيواصل دراسته حتى ينال شهادة الدكتوراه، فما كان من الملك إلا أن أشار إلى وزرائه، وكانوا جميعاً من الدكاترة، وقال «أتريد أن تصبح مثل هؤلاء؟ الأفضل أن تبقى كما أنت فهو أنفع لك».
جملة القول، إن كريم أبهر رؤساءه بكفاءته النادرة وشغفه اللامحدود بعمله الإذاعي وجلده على الارتقاء بذاته، ما جعله يحصل على ترقيات انتهت بتعيينه في عام 1980 مديراً للإذاعة السعودية. وعلى الرغم من هذا المنصب القيادي، وبينما هو على رأس العمل، انتسب إلى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، في الوقت نفسه الذي كان يدرس فيها ابنه البكر ياسر كريم (سار على خطى أبيه فصار من الإعلاميين المعروفين)، وتمكن من نيل شهادة الماجستير في علم الاجتماع عام 1986، ليتبعها بشهادة الدكتوراه التي نالها من قسم الإعلام بكلية الدعوة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في العام الدراسي 2006/ 2007، عن أطروحة بعنوان «الدوافع الاجتماعية للتعرض للصحف السعودية: دراسة ميدانية على عينة من أفراد المجتمع السعودي».
مذيع الفيصل
المعروف أن كل ملك من ملوك السعودية ارتبط اسمه باسم مذيع سعودي معين، يرافقه في جولاته الداخلية والخارجية على رأس وفد إعلامي، وينقل عنه تصريحاته ومواقفه من الشأن العام. ففي عهد الملك سعود، رحمه الله، شغل هذا الموقع الإذاعي بكر يونس وفي عهد الملكين خالد وفهد، رحمهما الله، كان الموقع من نصيب الإذاعي سليمان العيسى. أما بدر كريم فقد حظي بمرافقة الملك الشهيد المغفور له فيصل بن عبدالعزيز لمدة 10 أعوام، كان فيها شاهداً على زيارات الفيصل المكثفة لدول العالمين العربي والإسلامي من أجل تحقيق فكرة التضامن الإسلامي، وناقلاً أميناً لاجتماعات جلالته مع قادة الدول الزائرين للمملكة في زمن اتسم بكثرة التحديات السياسية والأمنية.
ومما لا شك فيه، أن ارتباطه هذا بالفيصل سمح له بمعرفة طباع الملك، التي اختصرها في: طول الصمت وقلة الكلام وقصر الجواب، بل ساعده أيضاً على إدراك مغزى كل نظرة أو إيماءة من جلالته والتصرف وفقها لجهة إنْ كان الوقت مواتياً للحصول على تعليق منه من عدمه. كما أن مرافقته للملك في جولاته حول العالم مدته بثقافة واسعة لم تُتَحْ لغيره من زملائه، لدرجة أن الناس كانوا يغبطونه. وفوق ذلك أصبح الرجل نجماً جماهيرياً يتوق الناس إلى لقائه والتعرف عليه، خصوصاً بعد أن بدأ بث التلفزيون الرسمي السعودي منتصف الستينات، وصارت تغطياته لزيارات الفيصل الخارجية متاحة بالصوت والصورة، وصار هو من مقدمي برامج التلفزيون أيضاً، ومنها برنامج المسابقات «طلابنا في الميدان». ومن المواقف المحرجة التي تعرض لها آنذاك واعتبره هو درساً لم يَنْسَه، أنه خلال تعليقه على مجريات افتتاح مشروع الصرف والري بالهفوف، الذي دشنه الفيصل في مطلع السبعينات أخطأ بقوله «وهكذا شاءت إرادة الفيصل أن يكون للأحساء مشروعها الزراعي الجبار»، فإذا بالملك يتدخل ويصحح له قائلاً «إنها ليست إرادة الفيصل وإنما إرادة المولى عز وجل».
التجربة الشورية
وفي عام 2001 تمّ اختياره ضمن 120 شخصية من الكفاءات الوطنية ليكون عضواً بمجلس الشورى السعودي، حيث أخبرنا عن تجربته الشورية بقوله «أمضيت السنة الأولى في المجلس مستمعاً وقارئاً، وفي السنة الثانية أبديت رأيي، مداخلاً ومتسائلاً ومقترحاً، وفي السنة الثالثة اشتركت مع بعض الزملاء في مناقشة الأنظمة وصياغتها، وفي السنة الرابعة اكتملت التجربة من وجهة نظري». بعد خروجه من الشورى عام 2005، طرق باب جامعة الإمام محمد بن سعود لنيل الدكتوراه، ومن ثم عمل بها محاضراً في قسم الإعلام.
علاوة على كتابه «أتذكر»، أصدر العديد من المؤلفات، ومنها: «سنوات مع الفيصل»، «قراءة في فلك الإعلام»، «الكلمة المسموعة»، «نشأة وتطور الإذاعة في المجتمع السعودي»، «دور المذياع في تغيير العادات والقيم في المجتمع السعودي»، «الإعلام أدوار ومسؤوليات»، والكثير من البحوث والمقالات الاجتماعية والإعلامية منشورة في الصحف والمجلات، ولاسيما صحيفة «عكاظ»، التي يعتبرها مدرسته الصحفية الأولى والتي شغل فيها منصب نائب رئيس تحريرها زمن الدكتور هاشم عبده هاشم في الثمانينات، حيث اُتّهم وقتها ظلماً بأنه يكتب برنامج «دعوة الحق» باسم رئيس تحريره ويتسلم مكافأته، وهو أمر تحرى عنه وزير الإعلام آنذاك إبراهيم العنقري، فلما ثبتت براءته اختاره الوزير مديراً عاماً مؤقتاً لمكتبه.
ومن حكاياته، أنه أصيب في الستينات بالسل، فأقام نادي الاتحاد مباراة ودية مع نادي الوحدة على ملعب الصبان في جدة، على أن يكون ريعها لصالح علاج بدر كريم، فتدفقت الجماهير على الملعب، ما جعل ريع المبارة 6,000 ريال، وهو مبلغ سافر به كريم إلى لبنان للعلاج، إلى أن شفي تماماً وخرج من المشفى للإقامة في فندق للنقاهة، وحينما اكتشف الفندق أنه كان مصاباً بالسل رفض استضافته.
التقاعد ووكالة الأنباء السعودية
في التسعينات بلغ كريم سن التقاعد، وكان صعباً عليه ومؤلماً أن يغادر الميدان الذي عشقه بكل جوارحه، وقضى به جلّ شبابه وزهرة عمره. لكن تقديراً من الدولة لجهوده الإعلامية ولتاريخه العصامي الفريد تمّ تعيينه مديراً عاماً لوكالة الأنباء السعودية، من بعد فترة قصيرة تولى فيها منصب المدير العام لمؤسسة مروى للعلاقات العامة والإعلام والإنتاج الإعلامي. وهنا أيضاً شمّر عن ساعده لنقل الوكالة من حال إلى حال مسنوداً بثقة ولاة الأمر وتوجيهات وزير الإعلام آنذاك الفريق علي بن حسن الشاعر، الذي طلب منه أن يكون عمل الوكالة على مدار الساعة ولا ينقطع لحظة واحدة كي تكون مستعدة لنقل الأخبار ومواقف البلاد من الأحداث أولاً بأول، بل وطلب منه أيضاً أن يكون موجوداً بجانب الهاتف طوال الوقت وعلى الرغم من نقص الموظفين والأجهزة آنذاك، دعك من صعوبة البقاء طوال الوقت حول الهاتف الثابت، فإن كريم بذل كل ما في وسعه لتحقيق رغبة وزيره، فخصص مثلاً رقماً للوزير يكون معه في البيت والعمل والسيارة، كما أصدر قراراً أن يستمر عمل الوكالة 24 ساعة، بعد أن كانت تغلق في الثانية صباحاً. وفي هذا السياق، أخبرنا ما مفاده أنه وصله بيان من الملك فهد في حدود الساعة الثالثة صباحاً لنشره من خلال الوكالة، ولأن الأخيرة كانت مغلقة اضطر للاستعانة بوكالة أنباء البحرين لنشر البيان، وأنه قرر بعد هذه الواقعة أن يكون عمل وكالة الأنباء السعودية على مدار الساعة. كما أخبرنا أنه استجاب لنصيحة من الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز في بداية تعيينه مديراً للوكالة بألا يتسرع في فصل أو نقل أي موظف إلا بعد أن يشرح للموظفين أسلوب عمله ويمنحهم فرصة للتكيف.
في الطريق
من البرامج الإذاعية التي أكسبت كريم شعبية جارفة، برنامجه المعروف باسم «في الطريق»، الذي كان ينقل من خلاله مشاعر وهموم المواطن العادي ممن كان يصادفهم في الطرق والأحياء ويجري معهم حوارات سريعة، وبرنامج «ألف مبروك»، الذي كان يذاع ليلة الجمعة لإرسال التهاني والأهازيج للمعاريس من أهالي جدة، وبرنامج «سمار رمضان»، الذي اعترض الوزير الحجيلان على اسمه الأصلي (سمار رمضان مع بدر كريم) قائلاً لكريم «يا ابني العنوان مع اسمك أربع كلمات، وفي كل كلمة حرف راء، وهذا خلل إذاعي»، فتنبه كريم وتنازل عن العنوان المقترح. غير أن برنامجه الأشهر يبقى برنامج «سلام وتحية»، الذي بسببه اشتهرت أغنية «يا من يسلم لي على الغالي» للفنانة هيام يونس التي اختارها كمقدمة لبرنامجه هذا، الذي لعب كحلقة وصل بين المبتعثين السعوديين في الخارج وأسرهم في الداخل في زمن لم تكن وسائل الاتصال الهاتفية متاحة بسهولة ويسر كما هو الآن.
واشتملت أعمال كريم الإذاعية الأخرى على إجراء حوارات مع الشخصيات العامة والنخب الفكرية والثقافية والفنية السعودية والعربية، ونقل مشاعر الحج السنوية حيةً على الهواء، وتسجيل الأدعية والابتهالات الدينية بصوته الرخيم المؤثر.
إنه الإذاعي السعودي الراحل بدر أحمد كريم الجهني، الشهير بـ«بدر كُريّم» (بضم الكاف وتشديد الياء)، الذي وافته المنية بالرياض في 13 يونيو 2015 عن عمر ناهز الثمانين بعد معاناته من مرض السرطان، مخلفاً وراءه سيرة عطرة وتاريخاً حافلاً من العطاء والعصامية الفريدة، والدأب المتواصل من أجل تحقيق طموحاته الذاتية التي تقاطعت مع طموحات جهاز الإعلام السعودي.
وحينما توفي كان قد شغل مناصب عديدة في مشواره مذيعاً وصحفياً ومديراً ومراقباً ومحاضراً جامعياً ورئيساً لوكالة الأنباء السعودية، ناهيك عن شغله مقعداً بمجلس الشورى، وانشغاله بتأليف عدد من الكتب التي لولا بعضها لما عرفنا سيرته بالتفصيل، ولما اطلعنا على الحكايات الطريفة التي كان شاهداً عليها أو بطلاً من أبطالها.
مواليد ينبع البحر
ولد كريم في ينبع البحر (غرب السعودية) عام 1935، لأسرة متواضعة. كان والده أحمد كريم تاجراً بسيطاً يملك محلاً لبيع المواد الغذائية في ينبع، وكانت والدته (زبيدة حامد الخطيب) ربة بيت مهمومة بتربية أبنائها، والسهر على راحتهم ورعاية زوجها. درس القرآن وتعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب التقليدية في ينبع، ثم في المدينة المنورة التي انتقلت إليها أسرته بحثاً عن الرزق وهو في الخامسة من العمر، فكانت نشأته في مدينة الرسول بأجوائها الروحانية. توفيت والدته أثناء إقامة الأسرة بالمدينة، فانتقل مع أبيه للإقامة في حارة البحر بجدة، حيث عاش شبابه وبدأ حياته العملية جابياً عند التاجر محمود عبدالغفار الأنصاري، فكان يستقل دراجة ويطوف على العملاء لتحصيل الديون. ثم عمل مساعداً لوالده الذي ترك تجارته البسيطة لامتهان التخليص الجمركي.
الإنفاق على المجلات
وقتها راح يحلم بوظيفة حكومية يرتقي من خلالها بأحواله المعيشية ويساعد أسرته على ظروفها المالية الصعبة، رغم علمه باستحالة ذلك لعدم امتلاكه أي شهادة دراسية. كان الرجل يعوّل على ثقافته الواسعة التي استمدها من قراءة الكتب والصحف والمجلات بنهم والاستماع الدائم لبرامج الإذاعات المختلفة، فنجح في عام 1954 في الحصول على وظيفة «كاتب صادر ووارد» بإدارة الجوازات والجنسية بجدة، ليكون ذلك أول عمل له براتب شهري ثابت قدره 370 ريالاً. وقد ذكر في كلمته، خلال حفل تكريمه في إثنينية عبدالمقصود خوجة، أنه أنفق رواتبه في شراء أول سيارة في حياته بمبلغ 1,200 ريال وكانت مستعملة، وأنفقها أيضاً على اقتناء الصحف والمجلات والكتب لقراءتها وقت فراغه. وإبان عمله في الجوازات كان مستمعاً دائماً لبرامج الإذاعة، ولاسيما برنامج «بريد المستمعين»، الذي حرص كريم على مراسلته وتزويده بمقتطفات من قراءاته في الصحف والكتب، فصار اسمه يتردد في الإذاعة مذاك كصديق دائم للبرنامج.
الطريق نحو المايكروفون
ومن جوازات جدة انتقل للعمل مراقباً للمطبوعات بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، التي تحولت لاحقاً إلى وزارة الإعلام، ومن الأخيرة شق طريقه نحو الإذاعة، فحقق بذلك حلماً داعب خياله طويلاً. إذ إن هوسه بالإذاعة والمذيعين بدأ منذ صباه، بدليل أنه كان في صغره يحول بعض العلب المعدنية والكرتونية الصغيرة بعد تثقيبها إلى ما يشبه المايكروفون ليتحدث من خلالها صائحاً «هذا بدر كريم من إذاعة المملكة العربية السعودية»، كما كان يقف أمام المرآة متخيلاً نفسه مذيعاً ويتحدث إلى نفسه، إلى درجة أن والده شكك في صحة قواه العقلية. وفي حادثة رواها ابنه ياسر خلال برنامج الراحل من قناة روتانا خليجية، وتعكس مدى هوس الرجل بالمايكروفون، أنه طلب ذات مرة من إمام أحد المساجد في حارة البحر بجدة أن يسمح له برفع الأذان، فكانت تلك هي المرة الأولى التي تحتضن يده معشوقه المايكروفون.
خطوات الإذاعة الأولى والخطأ الفادح
بدأ كريم عمله بالإذاعة في عام 1957 مذيعاً للربط، فقارئاً لمواجز الأنباء، فمقدماً للبرامج (أول برنامج قدمه في حياته كان «ركن الصحة»)، قبل أن يتم اختياره ضمن مجموعة من الإذاعيين والفنيين للسفر إلى مصر لتلقي دورة تدريبية في معهد التدريب الإذاعي بالقاهرة. والحقيقة أن الرجل، وقت التحاقه بالإذاعة، كان قد تجاوز بدايات زملائه الذين شقوا طريقهم من خلال برامج الأطفال. وبعبارة أخرى كان الرجل جاهزاً لا يحتاج إلى تدريب أو تمرين، ومعززاً بصوت فيه من الرخامة والدفء والثقة بالنفس الشيء الكثير، لكن ما كان ينقصه آنذاك هو إجادة القواعد الصحيحة للغة العربية لأنه لم يدرسها. وقد تحدث كريم عن ذلك في كتابه «أتذكر» (كتاب أصدره عام 2005 في 405 صفحات مكتنزة بذكرياته، وذلك بناء على اقتراح من أمير الرياض الملك سلمان، الذي كان قد قرأ محتوياته منشورة على شكل مقالات بجريدة «عكاظ»)، حيث أخبرنا أنه تعرض لهجوم قاسٍ ومطالبة بإيقافه عن العمل من قبل علّامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر لإخفاقه في قواعد اللغة، الأمر الذي جعل وزير الإعلام آنذاك الشيخ جميل الحجيلان يمنعه من قراءة نشرات الأخبار خوفاً من أن يخطئ في قواعد اللغة. والجدير بالذكر في هذا السياق، أن كريم لم يكن وقتها حاصلاً على أي شهادة، بما فيها شهادة الابتدائية، فقرر أن ينالها من خلال الدراسة ليلاً بمدرسة المنصورية الابتدائية في جدة والعمل نهاراً، وتمكن عبر استغلال نظام الجمع بين سنتين دراسيتين أو أكثر الذي كان معمولاً به آنذاك من إنهاء مرحلتي الدراسة الابتدائية والإعدادية بنجاح. ثم عالج ضعفه في قواعد اللغة بقراءة كتب النحو والاتصال بكبار النحويين والكتّاب السعوديين للاستفادة منهم، إلى درجة أنه كان يهاتف الكاتب السعودي الكبير محمد حسين زيدان خمس مرات يومياً، مستفسراً ومتسائلاً عن هذا وذلك من صحيح اللغة. وقد أراد بذلك أن يمحو أميته النحوية ويظهر بمظهر لائق أمام وزراء الإعلام الذين عاصرهم وكانوا جميعاً من المتبحرين في اللغة وقواعدها.
ولعل هذا يعطينا دليلاً على عصاميته وإصراره واجتهاده على تلقي العلم لتطوير ذاته وليس بدافع البحث عن عمل. إذ إنه أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة وهو كبير وعلى رأس وظيفة مرموقة، دون أن يخجل أو يتحرج من مزاملة من هم أصغر سناً بكثير، بل دون أن يصغي لبعض زملائه ممن حاول أن يثنيه عن ذلك بالقول «إنك معروف وتملك وظيفة محترمة فماذا ستجني غير إحراج نفسك بدخولك المدرسة لنيل شهادة الابتدائية».
بزوغ نجمه وقصته مع الملك خالد
وفي السبعينات، وكانت قد بزغت نجوميته الإعلامية على نطاق واسع، عاد كريم إلى المدرسة لحصد شهادة الثانوية العامة، ممنياً النفس بمواصلة تعليمه حتى نيل شهادة الدكتوراه. وفي هذا السياق، نقرأ في كتابه «أتذكر»، أنه كان ينقل وقائع إحدى القمم الإسلامية التي استضافتها السعودية في السبعينات، في وقت كان قد حصل على شهادة الثانوية العامة، فسأله الملك خالد، رحمه الله، عما سيفعل بعد نيل تلك الشهادة، فأجاب، أنه سيواصل دراسته حتى ينال شهادة الدكتوراه، فما كان من الملك إلا أن أشار إلى وزرائه، وكانوا جميعاً من الدكاترة، وقال «أتريد أن تصبح مثل هؤلاء؟ الأفضل أن تبقى كما أنت فهو أنفع لك».
جملة القول، إن كريم أبهر رؤساءه بكفاءته النادرة وشغفه اللامحدود بعمله الإذاعي وجلده على الارتقاء بذاته، ما جعله يحصل على ترقيات انتهت بتعيينه في عام 1980 مديراً للإذاعة السعودية. وعلى الرغم من هذا المنصب القيادي، وبينما هو على رأس العمل، انتسب إلى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، في الوقت نفسه الذي كان يدرس فيها ابنه البكر ياسر كريم (سار على خطى أبيه فصار من الإعلاميين المعروفين)، وتمكن من نيل شهادة الماجستير في علم الاجتماع عام 1986، ليتبعها بشهادة الدكتوراه التي نالها من قسم الإعلام بكلية الدعوة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في العام الدراسي 2006/ 2007، عن أطروحة بعنوان «الدوافع الاجتماعية للتعرض للصحف السعودية: دراسة ميدانية على عينة من أفراد المجتمع السعودي».
مذيع الفيصل
المعروف أن كل ملك من ملوك السعودية ارتبط اسمه باسم مذيع سعودي معين، يرافقه في جولاته الداخلية والخارجية على رأس وفد إعلامي، وينقل عنه تصريحاته ومواقفه من الشأن العام. ففي عهد الملك سعود، رحمه الله، شغل هذا الموقع الإذاعي بكر يونس وفي عهد الملكين خالد وفهد، رحمهما الله، كان الموقع من نصيب الإذاعي سليمان العيسى. أما بدر كريم فقد حظي بمرافقة الملك الشهيد المغفور له فيصل بن عبدالعزيز لمدة 10 أعوام، كان فيها شاهداً على زيارات الفيصل المكثفة لدول العالمين العربي والإسلامي من أجل تحقيق فكرة التضامن الإسلامي، وناقلاً أميناً لاجتماعات جلالته مع قادة الدول الزائرين للمملكة في زمن اتسم بكثرة التحديات السياسية والأمنية.
ومما لا شك فيه، أن ارتباطه هذا بالفيصل سمح له بمعرفة طباع الملك، التي اختصرها في: طول الصمت وقلة الكلام وقصر الجواب، بل ساعده أيضاً على إدراك مغزى كل نظرة أو إيماءة من جلالته والتصرف وفقها لجهة إنْ كان الوقت مواتياً للحصول على تعليق منه من عدمه. كما أن مرافقته للملك في جولاته حول العالم مدته بثقافة واسعة لم تُتَحْ لغيره من زملائه، لدرجة أن الناس كانوا يغبطونه. وفوق ذلك أصبح الرجل نجماً جماهيرياً يتوق الناس إلى لقائه والتعرف عليه، خصوصاً بعد أن بدأ بث التلفزيون الرسمي السعودي منتصف الستينات، وصارت تغطياته لزيارات الفيصل الخارجية متاحة بالصوت والصورة، وصار هو من مقدمي برامج التلفزيون أيضاً، ومنها برنامج المسابقات «طلابنا في الميدان». ومن المواقف المحرجة التي تعرض لها آنذاك واعتبره هو درساً لم يَنْسَه، أنه خلال تعليقه على مجريات افتتاح مشروع الصرف والري بالهفوف، الذي دشنه الفيصل في مطلع السبعينات أخطأ بقوله «وهكذا شاءت إرادة الفيصل أن يكون للأحساء مشروعها الزراعي الجبار»، فإذا بالملك يتدخل ويصحح له قائلاً «إنها ليست إرادة الفيصل وإنما إرادة المولى عز وجل».
التجربة الشورية
وفي عام 2001 تمّ اختياره ضمن 120 شخصية من الكفاءات الوطنية ليكون عضواً بمجلس الشورى السعودي، حيث أخبرنا عن تجربته الشورية بقوله «أمضيت السنة الأولى في المجلس مستمعاً وقارئاً، وفي السنة الثانية أبديت رأيي، مداخلاً ومتسائلاً ومقترحاً، وفي السنة الثالثة اشتركت مع بعض الزملاء في مناقشة الأنظمة وصياغتها، وفي السنة الرابعة اكتملت التجربة من وجهة نظري». بعد خروجه من الشورى عام 2005، طرق باب جامعة الإمام محمد بن سعود لنيل الدكتوراه، ومن ثم عمل بها محاضراً في قسم الإعلام.
علاوة على كتابه «أتذكر»، أصدر العديد من المؤلفات، ومنها: «سنوات مع الفيصل»، «قراءة في فلك الإعلام»، «الكلمة المسموعة»، «نشأة وتطور الإذاعة في المجتمع السعودي»، «دور المذياع في تغيير العادات والقيم في المجتمع السعودي»، «الإعلام أدوار ومسؤوليات»، والكثير من البحوث والمقالات الاجتماعية والإعلامية منشورة في الصحف والمجلات، ولاسيما صحيفة «عكاظ»، التي يعتبرها مدرسته الصحفية الأولى والتي شغل فيها منصب نائب رئيس تحريرها زمن الدكتور هاشم عبده هاشم في الثمانينات، حيث اُتّهم وقتها ظلماً بأنه يكتب برنامج «دعوة الحق» باسم رئيس تحريره ويتسلم مكافأته، وهو أمر تحرى عنه وزير الإعلام آنذاك إبراهيم العنقري، فلما ثبتت براءته اختاره الوزير مديراً عاماً مؤقتاً لمكتبه.
ومن حكاياته، أنه أصيب في الستينات بالسل، فأقام نادي الاتحاد مباراة ودية مع نادي الوحدة على ملعب الصبان في جدة، على أن يكون ريعها لصالح علاج بدر كريم، فتدفقت الجماهير على الملعب، ما جعل ريع المبارة 6,000 ريال، وهو مبلغ سافر به كريم إلى لبنان للعلاج، إلى أن شفي تماماً وخرج من المشفى للإقامة في فندق للنقاهة، وحينما اكتشف الفندق أنه كان مصاباً بالسل رفض استضافته.
التقاعد ووكالة الأنباء السعودية
في التسعينات بلغ كريم سن التقاعد، وكان صعباً عليه ومؤلماً أن يغادر الميدان الذي عشقه بكل جوارحه، وقضى به جلّ شبابه وزهرة عمره. لكن تقديراً من الدولة لجهوده الإعلامية ولتاريخه العصامي الفريد تمّ تعيينه مديراً عاماً لوكالة الأنباء السعودية، من بعد فترة قصيرة تولى فيها منصب المدير العام لمؤسسة مروى للعلاقات العامة والإعلام والإنتاج الإعلامي. وهنا أيضاً شمّر عن ساعده لنقل الوكالة من حال إلى حال مسنوداً بثقة ولاة الأمر وتوجيهات وزير الإعلام آنذاك الفريق علي بن حسن الشاعر، الذي طلب منه أن يكون عمل الوكالة على مدار الساعة ولا ينقطع لحظة واحدة كي تكون مستعدة لنقل الأخبار ومواقف البلاد من الأحداث أولاً بأول، بل وطلب منه أيضاً أن يكون موجوداً بجانب الهاتف طوال الوقت وعلى الرغم من نقص الموظفين والأجهزة آنذاك، دعك من صعوبة البقاء طوال الوقت حول الهاتف الثابت، فإن كريم بذل كل ما في وسعه لتحقيق رغبة وزيره، فخصص مثلاً رقماً للوزير يكون معه في البيت والعمل والسيارة، كما أصدر قراراً أن يستمر عمل الوكالة 24 ساعة، بعد أن كانت تغلق في الثانية صباحاً. وفي هذا السياق، أخبرنا ما مفاده أنه وصله بيان من الملك فهد في حدود الساعة الثالثة صباحاً لنشره من خلال الوكالة، ولأن الأخيرة كانت مغلقة اضطر للاستعانة بوكالة أنباء البحرين لنشر البيان، وأنه قرر بعد هذه الواقعة أن يكون عمل وكالة الأنباء السعودية على مدار الساعة. كما أخبرنا أنه استجاب لنصيحة من الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز في بداية تعيينه مديراً للوكالة بألا يتسرع في فصل أو نقل أي موظف إلا بعد أن يشرح للموظفين أسلوب عمله ويمنحهم فرصة للتكيف.
في الطريق
من البرامج الإذاعية التي أكسبت كريم شعبية جارفة، برنامجه المعروف باسم «في الطريق»، الذي كان ينقل من خلاله مشاعر وهموم المواطن العادي ممن كان يصادفهم في الطرق والأحياء ويجري معهم حوارات سريعة، وبرنامج «ألف مبروك»، الذي كان يذاع ليلة الجمعة لإرسال التهاني والأهازيج للمعاريس من أهالي جدة، وبرنامج «سمار رمضان»، الذي اعترض الوزير الحجيلان على اسمه الأصلي (سمار رمضان مع بدر كريم) قائلاً لكريم «يا ابني العنوان مع اسمك أربع كلمات، وفي كل كلمة حرف راء، وهذا خلل إذاعي»، فتنبه كريم وتنازل عن العنوان المقترح. غير أن برنامجه الأشهر يبقى برنامج «سلام وتحية»، الذي بسببه اشتهرت أغنية «يا من يسلم لي على الغالي» للفنانة هيام يونس التي اختارها كمقدمة لبرنامجه هذا، الذي لعب كحلقة وصل بين المبتعثين السعوديين في الخارج وأسرهم في الداخل في زمن لم تكن وسائل الاتصال الهاتفية متاحة بسهولة ويسر كما هو الآن.
واشتملت أعمال كريم الإذاعية الأخرى على إجراء حوارات مع الشخصيات العامة والنخب الفكرية والثقافية والفنية السعودية والعربية، ونقل مشاعر الحج السنوية حيةً على الهواء، وتسجيل الأدعية والابتهالات الدينية بصوته الرخيم المؤثر.