شكك شعراء ونقاد يمنيون في صحة نسبة ديواني «رحلة ابن شاب قرناها» و«العشق في مرافئ القمر» اللذين أصدرتهما الهيئة العامة للكتاب لـ(معرّي اليمن) الشاعر عبدالله البردوني (1929 - 1999)، ولم يتصور قراء وعشاق شعر (صناجة القرن العشرين) أن يسيء الحوثي وأعوانه لتاريخ البردوني الإبداعي والإنساني، من خلال إلصاق تهمة الطائفية به، وهو أبعدُ ما يكون عنها، والنيل من عروبته، ما يرجح أن رئيس الهيئة العامة للكتاب عبدالرحمن مراد، وفريقه الذين أشرف عليهم عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، (كما أورد في مقدمته) عملوا على تحوير النصوص، وتحريفها لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة، ومن ذلك أبيات التبشير بمشروع الحوثي، الذي يرفضه البردوني لو كان حياً، واستدعاء اسم (جهيمان) بلغة ركيكة ؛ ضمن سياق غير منسجم، ويتنافى مع ترفّع البردوني عن التسييس والأدلجة، خصوصاً أن صاحب (السفر إلى الأيام الخُضر) مشهور بالاستعاضات الرمزية تفادياً للتصريح بقناعاته ؛ كونه يتعامل مع الأحداث والوقائع بفنيّة عالية، وجزالة لغوية.
ويرى الكاتب عبدالوهاب الحراسي أن القارئ سيواجه في الديوانين المنسوبين للبردوني سبكات لزجة، وروائح غبية في هوامشه (تثير الريبة)، كما ضمنوا القصائد غزوات وفتوحات لمدن ودول؛ واجتياح للعالم، وإلماحات لا يسع البردّوني لو سمعها إلا الصراخ، ومن ذلك ما يلي: في قصيدة قتيلان هما القاتل، نجد في ص 26، غموض الفكرة في:
هل قتل اليوم ابن الماضي؟
لا أدري أيّهما عصري
قتلى تمضي، وتلي قتلى..
أأنا يا أشباحي دهري؟
وربما مردّ ذلك إلى خطأ إملائي في «وتلي» بينما الصواب هو (وتلى).
وكشف الحراسي عن خطأ في هامش صفحة 27، إذ نصَّ على أنّ «الحجري والمتوكل كانا يصدران صحيفة الحرية». والصواب أنّهما أصدرا صحيفة اسمها (صوت الحقيقة).
ولفت إلى أن البردوني كان يولي عناية خاصة للإحالات أو الهوامش، باعتبارها إفادة للقارئ تدله على الفكرة في معنى البيت أو تظهر معنى الفكرة، نتفاجأ، مشيراً لخطأ ثانٍ في صفحة 73، لا يمكن القبول بصحته، وهذا نصه:
«زوربا: اسم نسائي أجنبي، ولزوربا قيمة فنية لأنها بطلة رواية الروائي اليوناني الشهير زاكي في وصف حرب اليونان الدفاعية؟».
علماً بأن (زوربا) اسم ذكر وهو بطل الرواية الشهيرة لكازنتزاكي، والرواية لا تشير إلى حرب يونانية من أيّ نوع.
فضلًا عن انتهاء الهامش بعلامة استفهام، بلا مناسبة ولا سبب!
وأوضح تلاعباً في قصيدة (رحلة ابن شاب قرناها) وتحديداً في البيتين:
"كنت أدعو هذي، وتلك وأخرى
(بيت سيدي) يضحكن من لهجواتي
وأشارت من لست أدري وقالت:
(بيت سيدي) أنا بلا خادمات"
كون التركيب غريباً وبلا معنى، وتأويله بعيد ؛ إلا أن التركيب سينتمي للسياق ويستوي المعنى، قليلًا، عندما يحل الاسم المركب (بنت سيدي) محل (بيت سيدي) في البيت الأول؛ وكثيرًا عندما يحل محله في البيت الثاني؛ فأصل البيتين هو هذا:
كنت أدعو هذي، وتلك وأخرى
(بنت سيدي) يضحكن من لهجواتي
وأشارت من لست أدري وقالت:
(بنت سيدي) أنا بلا خادمات.
وأكد الحراسي أنه تم التلاعب، وقت الطبع، بحرف واحد فقط هو النون. وقال؛ أُراهن أنه كان موجودًا في المخطوط.
وكذا التلاعب نفسه، في آخر الصفحة نفسها:
"بعد يومين، خمسة عد إلينا
واصطحب تسعة لشيخ القضاة"
فلا ذكر للمعدود، وحضوره لازم لزوم معنى ومبنى. يؤكّد ذلك تكرار الطلب بعدد إضافي هو تسعة.
ولا إيحاء بالمعدود، على الأقل، لو سبق حرف الجر الباء كلمة «خمسة».
وفي قصيدة «على جنازة زمن القلب»، يمكن أن نشعر في الصفحات (67 - 64) بتراجع فني، وركاكة أفكار، وخطابية النص، لا تنتمي، على الأقل، إلى الطور الفنّي للبردّوني في نهاية التسعينات (1997).
كما في قصيدة الجمع المختصر، صفحة 91، ينتهي المقطع البيتي بـ:
"فلما تلصون الطريق
وتحسوان دم الشجر؟"
بالرغم من أنّ المخاطب مثنى، من أول المقطع إلى نهاية الصفحة، إلّا سطر البيت السابق، فجمع المخاطب «تلصون» وهو جمع لا ضرورة له من أي وجه، وسيستقيم الوزن لو كان مثنى «تلصان»! ولا يمكن أن يفوت البردّوني ذلك، إنّه خطأ نحوي واضح.
وفي القصيدة نفسها:
محاكمة للمؤتمر والإصلاح والاشتراكي في مقطع واحد، صفحة 95.
واحتفاء بوادي القرى وبنبوءة وبزينب، (ص 100).
ومحاكمة معاوية وذكر اسمه ثلاث مرات، وامتداد سلطته إلى العصر الراهن.
وفي صفحة 105 و106، تكرار كلمة «الخفر»، تفصل بينهما مسافة قصيرة، ومتحدة في القافية والروي، وبمعنى واحد، هي سابقة في شعر البردوني، كون حدوث التكرار بفارق 10 أبيات يعدّ عيبًا شعريًّا:
"من أنت؟ دلاك (المدام)
صه، سيدميها الخفر"
وبعد خمسة أبيات:
"أبحرت من مينا إلى
مينا، إلى قفص الخفر"
وفي قصيدة ليلة على الشمس في أقاليم الكشف؛ نجد:
صفحة 113، استخدام (الجفر) للكشف والتنبؤ باستخدام رموز تبشر بظهور المهدي أو بظاهرة الحوثي:
"وأفضي: يا سما ارتفعي
لكي أستبدل الغبرا
إلى دنيا سوى هذي
أزف نبوءة بكرا
قبيل شروقها كنا..
نرى آياتها. تترى..
عليها من ندى (الكاذي)
قميص، عمة خضرا"
ودعا لقراءة قصيدة (تحاور، صحبة نقاء) في صفحة 176 وموضوعها عوالم رثاء صديقه، محمد اليريمي (العزي اليريمي) فنلحظ انقطاعًا للموضوع على مدى أربع صفحات (178 - 181)، وفي صفحة 182، يعود الموضوع للظهور حتى رأس الصفحة 187، ثم يختفي صفحة ونصف (187 - 188)، ويعود منتهيًا ومنهيًا للقصيدة في 6 أبيات.
في قصيدة تواجدية المكاشفة الثانية، وفيها: عنوان عميق ومعقد، لا يتناسب مع متن بسيط التركيب شعريًّا وتصويرًا، وبناءً؛ ولأنّه مجزوء التفعيلة فهو يصدح بغنائية شديدة حدّ التبذل. وعدّه نصاً غير معهود في قصائد البردوني الغنائية -التي لا تتجاوز عدد الأصابع، في مجمل شعره- والتي لم تكن، في الأصل، مصمّمة للغناء؛ ولأنّ البردوني أبعد ما يكون من الغنائية.
وذهب الحراسي إلى أن الديوانين تضمنا أخطاء فاضحة، وركاكة واضحة، لا يسع، معها، القارئ -سليم النظر والطوية- سوى أن يفترض احتمالات:
- أنّ معظم مخطوطات القصائد لم تكن جاهزة للطبع، وتحتاج للتعديلات، وأنّ البردوني كان سيراجعها ويصحّحها، وينقّحها، ولم يسعفه العمر ليفعل ذلك، أو أنّ كل مخطوطات القصائد كانت جاهزة، وثمّة مَن حاول اغتصابها والعبث بمفاتنها، فكانت كما رآها الناس: ثيابها وسراويلها ممزقة، والثالث أن يكونا معًا.