القرني لــ «عكاظ»: لا أرضى بشيء.. ولا يقنعني شيء!
قال إنّه لا يجلس لكتابة القصيدة باختياره
26 / رجب فبراير هـ 17 1444 2023 / Class="articledate">الجمعة الجمعة
Alma3e@ فايع علي حاوره:
متعصب للشعر، تشغله القصيدة كتابة وقراءة، ينام على قصيدة ويصحو على أخرى.
لا أبالغ إن قلت إنه إنسان نادر، بل مختلف عن غيره، دائرة اتصاله بالآخرين تتمدد من أجل القصيدة، فتراه يحضر في أفئدة أصدقائه من الخليج إلى أعماق العالم العربي وأطرافه.
في منصات التواصل الاجتماعي ومساحات تويتر يبرز حضوره العربي والمحلّي أكثر من حضوره داخل مؤسسات الثقافة؛ لأسباب يعلم بعضها، ويجهل بعضها الآخر!
الشاعر حسن القرني، صاحب أربعة دواوين شعرية مطبوعة، ودواوين أخرى لم تطبع بعد، ويمكن لعناوين دواوينه المطبوعة أن تكشف عن قلق الشاعر وعدم رضاه كـ«ما لم أقل، إنه لاهث تحت هذي الخيوط، ولم يبق من خيبة في الزجاجة، قطرة من النصف الفارغ».
القرني واحد من الشعراء السعوديين الشباب الذين يكتبون القصيدة بروح فنان، وهمِّ مثقفٍ صادق، وتطلعات مفكّر يستقرئ الواقع ويستشرف المستقبل.
في هذا الحوار يطرح القرني رؤيته للفن، ويرى أنّ وظيفته لا تخرج من دائرة الجمال، ولا يجب أن تزاحمها فكرة أخرى، وأنّ علينا -كمتلقين- أن نترك الفنانين والشعراء في مكابدتهم الحرة، مكابدة الوصول للمعنوي وغير الحسي، بأدوات محسوسة ومادية، لأنها -كما يقول- معاناة تكفيهم وتفيض... فإلى نصّ الحوار:
• هل للقصيدة وظيفة غير الوظيفة الجمالية؟
•• بصرف النظر عن الجدل والاحتراب القائم بين المدارس، فالمنطق يقول ذلك، هذا من صالح الفن بعمومه، فحين نقول إن وظيفة الفن هي إسعاد المتلقي، أو إرضاؤه، أو أنه من أجل ترفيهه وتحسين حياته، فسيخرج عن إطار ذائقة المنتج للفن وحالته الشاردة إلى ذوائق متعددة ومتنوعة، حتى يصير المبدعون نسخاً مكررة لا تكاد تجد بصمة ولا اختلافاً بينهم. فلا يصلح من وجهة نظري أن تكون غاية الفن أو وظيفته خارج فكرة الجمال أو حتى أن تزاحمها فكرة أخرى. لنقل هذا، ونترك الفنانين والشعراء في مكابدتهم الحرة، مكابدة الوصول للمعنوي وغير الحسي، بأدوات محسوسة ومادية، هذه المعاناة تكفيهم وتفيض.
• أثناء كتابة قصيدة.. ما الذي يحضر في ذاكرتك وفي وجدانك؟
•• لا أتذكر الآن، ولكن ما هجس وحضر في وجداني وطرق عقلي وروحي هو الذي أخضعني للكتابة، لم أجلس باختياري، فهي حالة قبلية وداعية وسلطوية.
• لماذا ينسى الشاعر كل الشعر الذي عرفه وحفظه أثناء الخلق الشعري؟•• لأنه ليس بيده، ليس بمقدوره، ليس موجوداً ليتذكر، وليس عقله الشاهد الذي يعمل إلا بنسبة تساعده على التركيب والكتابة السليمة، وغالب الشأن لعقله الباطن الذي يستدعي المفردة والصورة، تلك التي لا تأتيه في حضوره الذهني الكامل.
• بصفتك مبدعاً.. بماذا يرتبط رضاك عن نفسك؟
•• أنا أبعد ما أكون عن الرضا عن نفسي، لا أرضى بشيء ولا يقنعني شيء، وما أنشره هو ما حصل على نسبة مقبولة من ذلك، وما نشرته غير راضٍ عنه تماماً، وذلك يعود إلى كوني أتذكر ما كابدته مع كل نص، إذ إنني لم أوفق في وصفه بنسبة جيدة.
• كيف ترى علاقة الشاعر بمؤسسات الثقافة والمسؤولين الثقافيين فيها؟
•• بين علاقة مرتبكة، وأخرى مسالمة، وثالثة متملقة منافقة.
وأعذر الاثنين وألوم الثالث، حتى لو كان ذلك ضريبة الظهور والتواجد.
المثقف الحقيقي حر، والثقافة نسق رقابي لا منتمياً ولا متماهياً ولا متلوّناً.
ولكن على مسؤولي مؤسساتنا النظر بصورة لائقة والأمانة التي هم بصددها، فلا يفرقون على أسس غير الجدارة، حتى لا يضطر المبدعون الذين هم بحاجة إليهم على تملقهم.
• لماذا يكابد شاعر مثلك من تأثير العروض وسطوته على المعنى؟•• لا أحد ينكر أن لموسيقى الشعر تأثيرها على المعنى المراد، فأنا حين أكتب قصيدة البيت أو التفعيلة، أضطر لتغيير مفردة لصالح مفردة أخرى من أجل الوزن أو حتى القافية، وبصرف النظر عن الكلمة الأحق، إلا أن هذا تأثير واضح دون شك، ومقلق لدرجة السخط وأنا أحاول الوصول لما يحاصرني في روحي وعقلي. وهذا مثال واحد فقط.
• ما الذي أضافته مساحات الشعر في تويتر لك شاعراً؟
•• لم تضف لي بالضرورة، ولكنها أضافت لمن لم يجدوا منبراً، وتعرفنا على شعراء لم نكن لنعرفهم لولاها.
كما أنها أتاحت الفرصة للحديث مع شخصيات لها اسمها ومكانتها وقيمتها، وتركت المجال لمعرفتهم أكثر من خلال هذه المخالطة الافتراضية.
والشعر بطبيعته لا يحب الرسميات، إنه يحب الناس بتلقائيتهم النزقة والمريحة، ليقولوا ويتنادموا ويسمعوا وينشدوا بلا قيود ولا إملاءات.
• هل ما زال الشاعر مغروراً ويرى نفسه مختلفاً عن غيره؟
•• أنت تقول هذا وكأنني أتفق، في الحقيقة أن الغرور صفة عامة، ولا ترتبط بالشاعر وحده، إلا إذا كنت تقصد الغرور الذي يمارسه البعض داخل قصيدته، وإن كان كذلك فهو يتراوح بين محمود وقبيح، فالقصيدة الرائعة لشاعرها أن يختال داخلها، وما دون ذلك فلا يعدو كونه انتفاخاً شعرياً رديئاً وقبيحاً. وعموماً، الغرور طارد للإبداع، ومقيد للتقدم، فهو يسهم في صم الأذن عن مساوئ القصيدة ومثالبها، ويعمي العين عن الالتفات والنظر والفحص والملاحظة.
وإذا كان الشاعر يرى نفسه متميزاً عن غيره، فكيف يرى الموسيقي إذن؟!
• لماذا تفكر في الغيب ويشغلك شعرياً؟•• هذا كلام يطول، ولكن الشعر في نفسه شعور، والشعور شيء غيبي لا نراه إلا حين نعبر عنه.
والشعر أيضاً مهووس بما خلف، ومهموم بما لا يرى، الشعر يحاول اقتحام الخيال، والخيال غيب.
فكرة الغيب تطرقني وحدي، لا تأتيني ما لم أكن غائباً عن الناس، لأظل أهجس بي، وما إذا كنت هنا بالفعل، وهل أنا شاهد أو غائب؟
• ما القيمة التي تضيفها الثقافة الموسيقية للشاعر والمبدع عموماً؟
•• إضافة الموسيقى، تتجاوز الشاعر وغيره، هي مؤثرة ومضيفة على كل ذي روح، فتهذب الإنسان وترفع من قيمته في عينه إلى حد التواضع مع الجمادات قبل النباتات والحيوانات والناس.
الموسيقى تجعلك حساساً أكثر بمن حولك، تستشف الكلمة التي قد تؤذي فتتركها، وتفضل الصمت على الكلام، والابتسامة في وجه شاتمك على الرد بالمثل.
وإذا وجدتَني غير ذلك، فهناك مشكلة في العناصر، في روحي المتلقية، أو ذائقتي الرديئة، أو فكرتي المسبقة حول أنها ذنب يجب علي الاستغفار منه.
ويغدو تأثير الموسيقى مضاعفاً على الشاعر، في روحه قبل وزنه وصوره ومفرداته.
• الموهبة الشعرية، ما الذي ينقصها ليكون الشاعر شاعراً؟
•• المفهوم، عليه أن يعي أن الشعر فن بشري، يتطور ويتحول وينتقل شأنه شأن البشر وموجوداتهم وعقولهم ولغتهم وحضارتهم ومدنيتهم.
والصقل، لتطوير أدواته بالمعرفة والثقافة والفحص والنظر والحفظ.
والإسماع والعرض، ليستمع وينصت لما يقال حول نتاجه بتواضع وشغف وحب للتطور والتمرحل.
وفتح ذهنه وروحه لفحص الموسيقى والسينما والمسرح والسفر والناس والشارع.
والقلق بالأرض والسماء والكون والغيب والإنسان والحياة والتأمل والاستغراق في ذلك.
والشك في كل شيء متاح له أن يشك فيه.
• لماذا نختلف حول شكل القصيدة نقاداً ومبدعين أكثر من اختلافنا على الشعر نفسه؟•• لنختلف، ولكن علينا ألا ننشغل عن أشياء أعمق من الشكل، كمعنويات النصوص وأفكارها وطريقة تسلسلها وعرضها.
لنختلف ولا نحترب حول المدارس، ففي كل مدرسة فن وجمال.
الاختلاف وتوسيعه حول القوالب، خارج عن معنى الفن وكنهه، الفن عدو للقولبة والتصنيف والتكلف والمشاحة حول الأشكال، والوعي بالفن يجعل الذهن مفتوحاً على مصراعيه لقبول أي شكل جديد.
الاختلاف خلق مادة لاقتحام ضعيفي الموهبة، العاجزين عن كتابة الإبداع، فصاروا يذكون ويهذون بالقشريات ليعبروا عن وجودهم، فحاربوا قصيدة النثر كما حارب أجدادهم التفعيلة، وسيحارب أحفادهم الشذرات والهايكو والومضة.
• حضور الشاعر في شبكات التواصل.. كيف تنظر إليه؟
•• أجده مقبولاً إلى حد بعيد، ويجب أن يستغل جميع المبدعين هذه المنصات، فيصنع كل واحد منهم منبره، لينشروا كتابة وصوتاً وصورة ويبقوا حاضرين في المشهد، ولا يعتمدوا على المؤسسات التي تمنح وتمنع وتكرر وربما تستغل.
في مواقع التواصل من فرض موهبته وأجبر المتنفذين في الكيانات الثقافية على الاعتراف به وتقديمه.
• الجوائز الأدبية في الشعر.. كيف تراها؟
•• أراها منفذاً جيداً للبروز والحضور والتطور، رغم ملاحظاتي على آليات التقييم والفرز، حسب طريقة الجوائز والجهات والمقيّمين.
ورغم رداءة فكرة أن أتقدم بقصيدتي للتقييم، وكأننا في سباق لمزايين الإبل.
وهي أيضا مصدر رزق مقبول للشعراء الموهوبين.
• مشاركات الشعراء الداخلية والخارجية على ماذا تعتمد؟
•• للأسف، على المعرفة في الغالب، وعلى التملّق أحياناً، وعلى الجدارة بنسبة أقل، وعلى المجهود الشخصي في إدارة العلاقات، فأصبح الشاعر بحاجة إلى موهبة إضافية خارج نسق الإبداع، كموهبة التسويق والإدارة.
لا أبالغ إن قلت إنه إنسان نادر، بل مختلف عن غيره، دائرة اتصاله بالآخرين تتمدد من أجل القصيدة، فتراه يحضر في أفئدة أصدقائه من الخليج إلى أعماق العالم العربي وأطرافه.
في منصات التواصل الاجتماعي ومساحات تويتر يبرز حضوره العربي والمحلّي أكثر من حضوره داخل مؤسسات الثقافة؛ لأسباب يعلم بعضها، ويجهل بعضها الآخر!
الشاعر حسن القرني، صاحب أربعة دواوين شعرية مطبوعة، ودواوين أخرى لم تطبع بعد، ويمكن لعناوين دواوينه المطبوعة أن تكشف عن قلق الشاعر وعدم رضاه كـ«ما لم أقل، إنه لاهث تحت هذي الخيوط، ولم يبق من خيبة في الزجاجة، قطرة من النصف الفارغ».
القرني واحد من الشعراء السعوديين الشباب الذين يكتبون القصيدة بروح فنان، وهمِّ مثقفٍ صادق، وتطلعات مفكّر يستقرئ الواقع ويستشرف المستقبل.
في هذا الحوار يطرح القرني رؤيته للفن، ويرى أنّ وظيفته لا تخرج من دائرة الجمال، ولا يجب أن تزاحمها فكرة أخرى، وأنّ علينا -كمتلقين- أن نترك الفنانين والشعراء في مكابدتهم الحرة، مكابدة الوصول للمعنوي وغير الحسي، بأدوات محسوسة ومادية، لأنها -كما يقول- معاناة تكفيهم وتفيض... فإلى نصّ الحوار:
• هل للقصيدة وظيفة غير الوظيفة الجمالية؟
•• بصرف النظر عن الجدل والاحتراب القائم بين المدارس، فالمنطق يقول ذلك، هذا من صالح الفن بعمومه، فحين نقول إن وظيفة الفن هي إسعاد المتلقي، أو إرضاؤه، أو أنه من أجل ترفيهه وتحسين حياته، فسيخرج عن إطار ذائقة المنتج للفن وحالته الشاردة إلى ذوائق متعددة ومتنوعة، حتى يصير المبدعون نسخاً مكررة لا تكاد تجد بصمة ولا اختلافاً بينهم. فلا يصلح من وجهة نظري أن تكون غاية الفن أو وظيفته خارج فكرة الجمال أو حتى أن تزاحمها فكرة أخرى. لنقل هذا، ونترك الفنانين والشعراء في مكابدتهم الحرة، مكابدة الوصول للمعنوي وغير الحسي، بأدوات محسوسة ومادية، هذه المعاناة تكفيهم وتفيض.
• أثناء كتابة قصيدة.. ما الذي يحضر في ذاكرتك وفي وجدانك؟
•• لا أتذكر الآن، ولكن ما هجس وحضر في وجداني وطرق عقلي وروحي هو الذي أخضعني للكتابة، لم أجلس باختياري، فهي حالة قبلية وداعية وسلطوية.
• لماذا ينسى الشاعر كل الشعر الذي عرفه وحفظه أثناء الخلق الشعري؟•• لأنه ليس بيده، ليس بمقدوره، ليس موجوداً ليتذكر، وليس عقله الشاهد الذي يعمل إلا بنسبة تساعده على التركيب والكتابة السليمة، وغالب الشأن لعقله الباطن الذي يستدعي المفردة والصورة، تلك التي لا تأتيه في حضوره الذهني الكامل.
• بصفتك مبدعاً.. بماذا يرتبط رضاك عن نفسك؟
•• أنا أبعد ما أكون عن الرضا عن نفسي، لا أرضى بشيء ولا يقنعني شيء، وما أنشره هو ما حصل على نسبة مقبولة من ذلك، وما نشرته غير راضٍ عنه تماماً، وذلك يعود إلى كوني أتذكر ما كابدته مع كل نص، إذ إنني لم أوفق في وصفه بنسبة جيدة.
• كيف ترى علاقة الشاعر بمؤسسات الثقافة والمسؤولين الثقافيين فيها؟
•• بين علاقة مرتبكة، وأخرى مسالمة، وثالثة متملقة منافقة.
وأعذر الاثنين وألوم الثالث، حتى لو كان ذلك ضريبة الظهور والتواجد.
المثقف الحقيقي حر، والثقافة نسق رقابي لا منتمياً ولا متماهياً ولا متلوّناً.
ولكن على مسؤولي مؤسساتنا النظر بصورة لائقة والأمانة التي هم بصددها، فلا يفرقون على أسس غير الجدارة، حتى لا يضطر المبدعون الذين هم بحاجة إليهم على تملقهم.
• لماذا يكابد شاعر مثلك من تأثير العروض وسطوته على المعنى؟•• لا أحد ينكر أن لموسيقى الشعر تأثيرها على المعنى المراد، فأنا حين أكتب قصيدة البيت أو التفعيلة، أضطر لتغيير مفردة لصالح مفردة أخرى من أجل الوزن أو حتى القافية، وبصرف النظر عن الكلمة الأحق، إلا أن هذا تأثير واضح دون شك، ومقلق لدرجة السخط وأنا أحاول الوصول لما يحاصرني في روحي وعقلي. وهذا مثال واحد فقط.
• ما الذي أضافته مساحات الشعر في تويتر لك شاعراً؟
•• لم تضف لي بالضرورة، ولكنها أضافت لمن لم يجدوا منبراً، وتعرفنا على شعراء لم نكن لنعرفهم لولاها.
كما أنها أتاحت الفرصة للحديث مع شخصيات لها اسمها ومكانتها وقيمتها، وتركت المجال لمعرفتهم أكثر من خلال هذه المخالطة الافتراضية.
والشعر بطبيعته لا يحب الرسميات، إنه يحب الناس بتلقائيتهم النزقة والمريحة، ليقولوا ويتنادموا ويسمعوا وينشدوا بلا قيود ولا إملاءات.
• هل ما زال الشاعر مغروراً ويرى نفسه مختلفاً عن غيره؟
•• أنت تقول هذا وكأنني أتفق، في الحقيقة أن الغرور صفة عامة، ولا ترتبط بالشاعر وحده، إلا إذا كنت تقصد الغرور الذي يمارسه البعض داخل قصيدته، وإن كان كذلك فهو يتراوح بين محمود وقبيح، فالقصيدة الرائعة لشاعرها أن يختال داخلها، وما دون ذلك فلا يعدو كونه انتفاخاً شعرياً رديئاً وقبيحاً. وعموماً، الغرور طارد للإبداع، ومقيد للتقدم، فهو يسهم في صم الأذن عن مساوئ القصيدة ومثالبها، ويعمي العين عن الالتفات والنظر والفحص والملاحظة.
وإذا كان الشاعر يرى نفسه متميزاً عن غيره، فكيف يرى الموسيقي إذن؟!
• لماذا تفكر في الغيب ويشغلك شعرياً؟•• هذا كلام يطول، ولكن الشعر في نفسه شعور، والشعور شيء غيبي لا نراه إلا حين نعبر عنه.
والشعر أيضاً مهووس بما خلف، ومهموم بما لا يرى، الشعر يحاول اقتحام الخيال، والخيال غيب.
فكرة الغيب تطرقني وحدي، لا تأتيني ما لم أكن غائباً عن الناس، لأظل أهجس بي، وما إذا كنت هنا بالفعل، وهل أنا شاهد أو غائب؟
• ما القيمة التي تضيفها الثقافة الموسيقية للشاعر والمبدع عموماً؟
•• إضافة الموسيقى، تتجاوز الشاعر وغيره، هي مؤثرة ومضيفة على كل ذي روح، فتهذب الإنسان وترفع من قيمته في عينه إلى حد التواضع مع الجمادات قبل النباتات والحيوانات والناس.
الموسيقى تجعلك حساساً أكثر بمن حولك، تستشف الكلمة التي قد تؤذي فتتركها، وتفضل الصمت على الكلام، والابتسامة في وجه شاتمك على الرد بالمثل.
وإذا وجدتَني غير ذلك، فهناك مشكلة في العناصر، في روحي المتلقية، أو ذائقتي الرديئة، أو فكرتي المسبقة حول أنها ذنب يجب علي الاستغفار منه.
ويغدو تأثير الموسيقى مضاعفاً على الشاعر، في روحه قبل وزنه وصوره ومفرداته.
• الموهبة الشعرية، ما الذي ينقصها ليكون الشاعر شاعراً؟
•• المفهوم، عليه أن يعي أن الشعر فن بشري، يتطور ويتحول وينتقل شأنه شأن البشر وموجوداتهم وعقولهم ولغتهم وحضارتهم ومدنيتهم.
والصقل، لتطوير أدواته بالمعرفة والثقافة والفحص والنظر والحفظ.
والإسماع والعرض، ليستمع وينصت لما يقال حول نتاجه بتواضع وشغف وحب للتطور والتمرحل.
وفتح ذهنه وروحه لفحص الموسيقى والسينما والمسرح والسفر والناس والشارع.
والقلق بالأرض والسماء والكون والغيب والإنسان والحياة والتأمل والاستغراق في ذلك.
والشك في كل شيء متاح له أن يشك فيه.
• لماذا نختلف حول شكل القصيدة نقاداً ومبدعين أكثر من اختلافنا على الشعر نفسه؟•• لنختلف، ولكن علينا ألا ننشغل عن أشياء أعمق من الشكل، كمعنويات النصوص وأفكارها وطريقة تسلسلها وعرضها.
لنختلف ولا نحترب حول المدارس، ففي كل مدرسة فن وجمال.
الاختلاف وتوسيعه حول القوالب، خارج عن معنى الفن وكنهه، الفن عدو للقولبة والتصنيف والتكلف والمشاحة حول الأشكال، والوعي بالفن يجعل الذهن مفتوحاً على مصراعيه لقبول أي شكل جديد.
الاختلاف خلق مادة لاقتحام ضعيفي الموهبة، العاجزين عن كتابة الإبداع، فصاروا يذكون ويهذون بالقشريات ليعبروا عن وجودهم، فحاربوا قصيدة النثر كما حارب أجدادهم التفعيلة، وسيحارب أحفادهم الشذرات والهايكو والومضة.
• حضور الشاعر في شبكات التواصل.. كيف تنظر إليه؟
•• أجده مقبولاً إلى حد بعيد، ويجب أن يستغل جميع المبدعين هذه المنصات، فيصنع كل واحد منهم منبره، لينشروا كتابة وصوتاً وصورة ويبقوا حاضرين في المشهد، ولا يعتمدوا على المؤسسات التي تمنح وتمنع وتكرر وربما تستغل.
في مواقع التواصل من فرض موهبته وأجبر المتنفذين في الكيانات الثقافية على الاعتراف به وتقديمه.
• الجوائز الأدبية في الشعر.. كيف تراها؟
•• أراها منفذاً جيداً للبروز والحضور والتطور، رغم ملاحظاتي على آليات التقييم والفرز، حسب طريقة الجوائز والجهات والمقيّمين.
ورغم رداءة فكرة أن أتقدم بقصيدتي للتقييم، وكأننا في سباق لمزايين الإبل.
وهي أيضا مصدر رزق مقبول للشعراء الموهوبين.
• مشاركات الشعراء الداخلية والخارجية على ماذا تعتمد؟
•• للأسف، على المعرفة في الغالب، وعلى التملّق أحياناً، وعلى الجدارة بنسبة أقل، وعلى المجهود الشخصي في إدارة العلاقات، فأصبح الشاعر بحاجة إلى موهبة إضافية خارج نسق الإبداع، كموهبة التسويق والإدارة.