ليس الراين مجرد نهر غزير يمرّ عبر ست دول أوروبية، بل هو أيضاً معلم تاريخي ورمز حضاري يؤرخ لتاريخ ممتد، وشريان حياة وخط نقل رئيسي في قلب أوروبا، لكنه يواجه أياماً صعبة بسبب التغيّر المناخي، إذ تراجع منسوبه بشكل كبير.
من سويسرا إلى هولندا
ينبع نهر الراين تحديداً من بحيرة توما في كانتون غراوبوندن شرق سويسرا، لكن عمقه لا يزداد إلا بعد تدخل مصادر أخرى للمياه منها بحيرة توماسي. هو أكبر نهر في سويسرا، ويشكل جزءاً من حدودها مع النمسا وألمانيا وفرنسا، ومن أجمل معالمه الطبيعية في سويسرا شلالات الراين.
يقطع 6 دول بموقع استراتيجي مهم
اسمه يعود إلى اللغة السلتية، رينوس، وتعني «الجاري»، يتدفق النهر على مسافة 1230 كيلومتراً. يمر في سويسرا وألمانيا وفرنسا والنمسا وليختنشتاين وهولندا، حيث يصب في بحر الشمال، ورغم أنه لا يوجد في قائمة خمس أكبر أنهار أوروبا، إلّا أن موقعه الاستراتيجي يجعله ضمن أهمها على الإطلاق.
شريان نقل وسط القارة الأوروبية
بفضل هذه الأهمية الاستراتيجية، استُخدم الراين وسيلة مثلى للنقل منذ أيام الحكم الروماني، واليوم هو شريان نقل أساسي للبضائع بين الدول التي يمر عليها، فمثلا ينقل الجزء الأكبر من البضائع التي تصل ألمانيا عبر الأنهار والمقدرة بـ195 مليون طن، ويربط مناطق صناعية ضخمة في ألمانيا وفرنسا وسويسرا وهولندا.
أهمية كبيرة في التاريخ الألماني
رغم أنه يأتي في المرتبة الثانية داخل ألمانيا بعد نهر الدانوب، إلّا أن الراين كان له دور كبير في تشكيل القومية الوطنية الألمانية. يعود ذلك بسبب مروره عبر دول كانت منافسة لألمانيا منها فرنسا، وما نجح عن ذلك من أزمة بينهما عندما طالبت باريس أن يشكل النهر حدوداً طبيعية لفرنسا. تقدم الأغنية الشهيرة «Die Wacht am Rhein» الصادرة عام 1871 لمحة عن هذه المشاعر القومية.
يضفي على المدن جمالاً ساحراً
شكل هذا النهر مصدر إلهام للكثير من الفنانين، منهم رسام المناظر الطبيعية الإنجليزي ويليام ترنر الذي استلهم لوحاته من رومانسية نهر الراين، وكذلك الشاعر لورد بايرون. كما حضر النهر في العديد من الأفلام السينمائية منها Watch on the Rhine. يمر عبر العديد من المدن الجميلة، خصوصاً في ألمانيا حيث يقطع 13 مدينة أشهرها كولونيا، وكذلك في روتردام الهولندية.
الجفاف يضرب الراين مرة أخرى
تعرّض النهر لموجات جفاف عبر التاريخ استطاع أن يقاوم آخرها عام 2018. هذه الأيام يعاني مجدداً من تراجع منسوبه، إذ تراجع مستواه في كوبلنز الألمانية إلى 48 سنتمتر فقط، وهو أقل ثلاث مرات مما تحتاجه السفن للإبحار. صور متعددة التقطت لتراجع المياه وهناك توقعات بأن تنحسر أكثر خلال الأيام القادمة، لكن الخبراء يثقون في صموده مرة أخرى.
تضرر كبير في المجال الاقتصادي
تداعيات الجفاف كبيرة جداً على المستوى الاقتصادي، سيكون لزاماً على العديد من شركات النقل تأجيل أو خفض نقل بضائعها، ومن ذلك النفط والفحم الحجري والغاز. يتحدث خبراء عن أن السفن لن تستطيع نقل أكثر من 600 طن حتى وإن كان قدرتها تتجاوز ألفي طن. يحدث هذا في وقت تتخوف فيه ألمانيا وأوروبا من أزمة طاقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلاً عن تضرر حركة النقل السياحي.
خطر كبير على البيئة
التداعيات تصل كذلك إلى المجال البيئي. نهر الراين هو موطن الكثير من النباتات والحيوانات والطيور؛ بسبب انخفاض منسوبه يزداد التلوث وترتفع درجة الحرارة. وتعيش في النهر أنواع سمكية متعددة ما يشكل خطراً على التنوع البيئي، كما تتضرر النباتات التي تنبت على ضفاف النهر، ويؤثر الجفاف بشكل كبير على الغطاء الغابوي القريب من النهر.