المُبدعون حاسدون
من نقائض جرير والفرزدق إلى جائزة نوبل
هـ / / محرم 21 أغسطس الجمعة 2022 / 03:25 الجمعة 19
علي الرباعي (الباحة) Al_arobai@
يفرح المُبدع المُؤسَّس بتميّز مجايليه، ويفخر بتفوّق المُتجاوز نفسه، ولا تثريب على تشوّفه للفوز بجائزة، أو نيل حظوة، طالما كانت الجهات المانحة موضوعية، لا تغمط استحقاق جدير بالتكريم. وتكتنف النفس البشرية، حساسية يصعب إغفالها، إلا أن تمني الخير للغير سموّ في الذات المبدعة، ليبقى لردود الأفعال الغيورة، أو الحاسدة، مساحة لا مناص من تفهّم دوافعها، والتماس الأعذار للمندفع لحياض المنافسة غير الشريفة أحياناً. وفي تاريخ المشهد العربي قديمه وحديثه، سوابق حادة، منها نقائض جرير والفرزدق، وحمزة شحاتة والعواد محلياً، ويوسف إدريس ونجيب محفوظ عربياً. ولم ينجُ الطامحون لنوبل من الطعن في بعضهم، بما في ذلك سارتر وكامو. وهنا، محاولة لاستقصاء مشاعر المبدعين تجاه بعضهم، لتخفيف حدة رأي المثقف في رصيفه ووصيفه.
يؤكد الشاعر المغربي مراد القادري أن التنافس بين المثقفين العرب، إلى وقت قريب، يزرعُ في تُربة الثقافة العربية بذوراً تغذّي حيويتَها وتنعشُ سجلّها بأطاريح ومشاريع تصل حاضرَ هذه الثقافة بماضيها التليد، حيث التنافس ذو طعم إيجابي ومثمر، تمخّض عن سجالاته ومعاركه ما أفادَ حركةَ الثقافة والفكر في وطننا العربي. كان تنافساً كبيراً، لأن أصحابه كانوا كباراً وحاملِي مشاريع يختلطُ فيها الفكريّ بالمجتمعيّ والتنموي.
ويحمّل القادري، الفضاء الثقافي العربي مسؤولية غياب الرؤى المضيئة، كونه لم يعد قادراً على إنتاج ما يسعفُ على التنافس الحرّ والنزيه، بل صار يُنتجُ العداءَ والاحتراب والاقتتال بين أطراف تنتمي إلى الثقافة بمعناها الضيق، إذ لا مجال للاختلاف والتعدد والتنوع. بل إنّ مجرد إعلان انتمائِك لهذه القيم الإنسانية الكبرى يضعُك في مواجهة فوهة المدافع والرشاشات.
وتساءل: ماذا حصل؟ وكيف تحوّل فضاؤُنا العام السّياسي، والثقافي، والفكري والأدبي إلى ساحة حرب، بدل أنْ يكونَ محراباً للحوار والاختلاف والتسامح؟ ويجيب: لا شكّ أنّ ثمة أسبابًا عدة. غير أنني أريدُ أن أضعَ الأصبعَ على واحدةٍ منها. ويتعلّقُ الأمر، في نظري، بوضعية مؤسستين للتنشئة الاجتماعية، وهما المدرسة والأسرة اللتان قدّمتا استقالتهما من الأدوار التربوية والاجتماعية والثقافية التي كانت تنهضُ بها في السابق، إذ صارت المؤسستان معاً فضاءً للكسل والفردانية، بل إنهما، باتتا تشجّعان على استعمال كافة الوسائل من أجل اعتلاء مواقع والحصول على امتيازات حتى في غياب شروط الكفاءة والاستحقاق.
وعدّ غيابَ التربية على القيم داخل المؤسستين المذكورتين، وانعدامَ تقاليد الحوار المنتج بين جدرانهما، وسطوة الذاتي والشخصي، بدل الموضوعي والعامّ، مُذكياً فسائل غريبة، ليس على ثقافتنا العربية فحسب، بل وعلى الثقافة الإنسانية، ما انعكس على مستوى الحوار العام الذي غلب عليه التسطيح والابتذال والإسفاف، بما في ذلك بين المثقفين أنفسهم، الذين عوض أنْ يشكلوا قاطرة نحو التحديث والتنمية والنهضة، انشغلوا بما يعمق من صراعاتهم الأيديولوجية حينا، والمصلحية أحيانا أخرى، ما أفسح المجال لعدد من «المؤثرين» الذين احتلوا فضاءات التواصل الاجتماعي ليزرعوا التفاهة والضحالة.
ويذهب الشاعر الفلسطيني ماجد أبو غوش إلى أن علينا في البدء توصيف؛ المثقف لنستطيع الاجابة على هذا السؤال بشكل صحيح، كون الفيلسوف الألماني (كارل ماركس) يرى المثقف ثورياً، ومشروعه الثقافي موظّفاً لخدمة التطور والتقدم والمساواة والعدالة، فيما الفيلسوف الإيطالي غرامشي يراه عضوياً، يحمل هم ووجع الناس، مشيراً إلى أن مصطلح المثقف المشتبك، متداول في فلسطين. ويرى أبو غوش أن هناك مثقفين، منشغلون بقضايا عدة، عكس الكاتب الذي يكتب ابتغاء مكسب أو متعة أوشهرة، لذا نرى المكائد والخصومات بين الكتاب وليس بين المثقفين، خصوصاً الذين يلهثون خلف الجوائز وخلف الشهرة، ويتفننون في الإقصاء وفي حبك الدسائس، وأغلبهم يتحولون لكتاب تقارير كيدية، بسبب أنه ليس عندهم نص إبداعي يدافعون عنه.
وأضاف أنه يواجه لوماً، لإشادته بنص لشاعر فلسطيني أو عراقي أو سوري أو سعودي مثلاً، على اعتبار أن الكتابة ساحة منافسة وليست إبداعاً، وكان يرد بثقة: بكل بساطة، هذا النص يستحق الاشادة. وأضاف: المنشغل في العمل الثقافي الحقيقي لن يجد الوقت للمناكفات والعداء والكراهية لأحد.
وترى الشاعرة السعودية خديجة الشهري، أن التنافس غير الشريف يغذي النفوس غير السوية والمريضة بالأنانية وحب الذات، كون المنافسة الشريفة تبث في الروح الحماس والرغبة في التقدم له وللآخرين، وذهبت إلى أن المثقف الحقيقي ينأى بنفسه عن الحقد على زملائه، بل يسعى دوماً لتعزيز دورهم، ليراهم بمستواه في التفوق أو أفضل منه، ما يسهم في الارتقاء بالمشهد.
وأضافت: يظل التنافس قائماً في جميع المجالات وليس في المجال الثقافي فقط، إلا أن صراع الفضاء الثقافي، خلق بعض العداوات بسبب حصد بعض الجوائز أو التكريمات، كون البعض يرى أن التكريم يذهب إلى غير مستحقين، ما يوجب استحضار أخلاق الثقافة، والتعامل بروح الغبطة، ما يكون دافعاً للإنتاج والإبداع، فالفضاء يتسع للجميع، والمبدع يحظى بالمكانة اللائقة بمنجزه.
وعدت الكاتبة فاطمة عقل، الوسط الثقافي نموذج الفكر الواعي للمجتمعات، وترى في النخبة القدوة المؤثرة على شريحة عريضة، برغم بعض السلبيات، ومنها التنافس غير المحمود، والحسد والحقد والعنف، ونقد الذات والتدخل فى الشؤون الخاصة للآخرين والنميمة. وتطلّعت لمنافسة شريفة ترتقي بالشأن الثقافي، مع الأخذ في الحسب ظروف كل عصر. وعزت ثقة القراء إلى الأخلاق الفاضلة، ما يستدعي تصفية الذوات، وقبول وجهات النظر، والقبول بالحوار، وتخفيف نزعة الأنا والنرجسية.
الشيخي: جرير شفع للفرزدق وبكاه ورثاه
أكد الناقد الدكتور إبراهيم الشيخي أن المنافسة بين جرير والفرزدق لم تؤدِ إلى الكراهية والعداء، ذاك أن كليهما أحس بتكامله مع الآخر/الخصم، وبدا له ألا وجود له إلا بوجود الآخر. وعزا للمعاصرة، استمرار التهاجي بينهما لفترة نافت على الـ40 عاماً. وقال: لو كان التهاجي بينهما لسبب، لانتهى بانتهاء ذلك السبب. وأضاف: ربما لا يعرف الكثير أن جريراً شفع للفرزدق إبّان سجنه، وبكى عليه إثر موته ورثاه.
يؤكد الشاعر المغربي مراد القادري أن التنافس بين المثقفين العرب، إلى وقت قريب، يزرعُ في تُربة الثقافة العربية بذوراً تغذّي حيويتَها وتنعشُ سجلّها بأطاريح ومشاريع تصل حاضرَ هذه الثقافة بماضيها التليد، حيث التنافس ذو طعم إيجابي ومثمر، تمخّض عن سجالاته ومعاركه ما أفادَ حركةَ الثقافة والفكر في وطننا العربي. كان تنافساً كبيراً، لأن أصحابه كانوا كباراً وحاملِي مشاريع يختلطُ فيها الفكريّ بالمجتمعيّ والتنموي.
ويحمّل القادري، الفضاء الثقافي العربي مسؤولية غياب الرؤى المضيئة، كونه لم يعد قادراً على إنتاج ما يسعفُ على التنافس الحرّ والنزيه، بل صار يُنتجُ العداءَ والاحتراب والاقتتال بين أطراف تنتمي إلى الثقافة بمعناها الضيق، إذ لا مجال للاختلاف والتعدد والتنوع. بل إنّ مجرد إعلان انتمائِك لهذه القيم الإنسانية الكبرى يضعُك في مواجهة فوهة المدافع والرشاشات.
وتساءل: ماذا حصل؟ وكيف تحوّل فضاؤُنا العام السّياسي، والثقافي، والفكري والأدبي إلى ساحة حرب، بدل أنْ يكونَ محراباً للحوار والاختلاف والتسامح؟ ويجيب: لا شكّ أنّ ثمة أسبابًا عدة. غير أنني أريدُ أن أضعَ الأصبعَ على واحدةٍ منها. ويتعلّقُ الأمر، في نظري، بوضعية مؤسستين للتنشئة الاجتماعية، وهما المدرسة والأسرة اللتان قدّمتا استقالتهما من الأدوار التربوية والاجتماعية والثقافية التي كانت تنهضُ بها في السابق، إذ صارت المؤسستان معاً فضاءً للكسل والفردانية، بل إنهما، باتتا تشجّعان على استعمال كافة الوسائل من أجل اعتلاء مواقع والحصول على امتيازات حتى في غياب شروط الكفاءة والاستحقاق.
وعدّ غيابَ التربية على القيم داخل المؤسستين المذكورتين، وانعدامَ تقاليد الحوار المنتج بين جدرانهما، وسطوة الذاتي والشخصي، بدل الموضوعي والعامّ، مُذكياً فسائل غريبة، ليس على ثقافتنا العربية فحسب، بل وعلى الثقافة الإنسانية، ما انعكس على مستوى الحوار العام الذي غلب عليه التسطيح والابتذال والإسفاف، بما في ذلك بين المثقفين أنفسهم، الذين عوض أنْ يشكلوا قاطرة نحو التحديث والتنمية والنهضة، انشغلوا بما يعمق من صراعاتهم الأيديولوجية حينا، والمصلحية أحيانا أخرى، ما أفسح المجال لعدد من «المؤثرين» الذين احتلوا فضاءات التواصل الاجتماعي ليزرعوا التفاهة والضحالة.
ويذهب الشاعر الفلسطيني ماجد أبو غوش إلى أن علينا في البدء توصيف؛ المثقف لنستطيع الاجابة على هذا السؤال بشكل صحيح، كون الفيلسوف الألماني (كارل ماركس) يرى المثقف ثورياً، ومشروعه الثقافي موظّفاً لخدمة التطور والتقدم والمساواة والعدالة، فيما الفيلسوف الإيطالي غرامشي يراه عضوياً، يحمل هم ووجع الناس، مشيراً إلى أن مصطلح المثقف المشتبك، متداول في فلسطين. ويرى أبو غوش أن هناك مثقفين، منشغلون بقضايا عدة، عكس الكاتب الذي يكتب ابتغاء مكسب أو متعة أوشهرة، لذا نرى المكائد والخصومات بين الكتاب وليس بين المثقفين، خصوصاً الذين يلهثون خلف الجوائز وخلف الشهرة، ويتفننون في الإقصاء وفي حبك الدسائس، وأغلبهم يتحولون لكتاب تقارير كيدية، بسبب أنه ليس عندهم نص إبداعي يدافعون عنه.
وأضاف أنه يواجه لوماً، لإشادته بنص لشاعر فلسطيني أو عراقي أو سوري أو سعودي مثلاً، على اعتبار أن الكتابة ساحة منافسة وليست إبداعاً، وكان يرد بثقة: بكل بساطة، هذا النص يستحق الاشادة. وأضاف: المنشغل في العمل الثقافي الحقيقي لن يجد الوقت للمناكفات والعداء والكراهية لأحد.
وترى الشاعرة السعودية خديجة الشهري، أن التنافس غير الشريف يغذي النفوس غير السوية والمريضة بالأنانية وحب الذات، كون المنافسة الشريفة تبث في الروح الحماس والرغبة في التقدم له وللآخرين، وذهبت إلى أن المثقف الحقيقي ينأى بنفسه عن الحقد على زملائه، بل يسعى دوماً لتعزيز دورهم، ليراهم بمستواه في التفوق أو أفضل منه، ما يسهم في الارتقاء بالمشهد.
وأضافت: يظل التنافس قائماً في جميع المجالات وليس في المجال الثقافي فقط، إلا أن صراع الفضاء الثقافي، خلق بعض العداوات بسبب حصد بعض الجوائز أو التكريمات، كون البعض يرى أن التكريم يذهب إلى غير مستحقين، ما يوجب استحضار أخلاق الثقافة، والتعامل بروح الغبطة، ما يكون دافعاً للإنتاج والإبداع، فالفضاء يتسع للجميع، والمبدع يحظى بالمكانة اللائقة بمنجزه.
وعدت الكاتبة فاطمة عقل، الوسط الثقافي نموذج الفكر الواعي للمجتمعات، وترى في النخبة القدوة المؤثرة على شريحة عريضة، برغم بعض السلبيات، ومنها التنافس غير المحمود، والحسد والحقد والعنف، ونقد الذات والتدخل فى الشؤون الخاصة للآخرين والنميمة. وتطلّعت لمنافسة شريفة ترتقي بالشأن الثقافي، مع الأخذ في الحسب ظروف كل عصر. وعزت ثقة القراء إلى الأخلاق الفاضلة، ما يستدعي تصفية الذوات، وقبول وجهات النظر، والقبول بالحوار، وتخفيف نزعة الأنا والنرجسية.
الشيخي: جرير شفع للفرزدق وبكاه ورثاه
أكد الناقد الدكتور إبراهيم الشيخي أن المنافسة بين جرير والفرزدق لم تؤدِ إلى الكراهية والعداء، ذاك أن كليهما أحس بتكامله مع الآخر/الخصم، وبدا له ألا وجود له إلا بوجود الآخر. وعزا للمعاصرة، استمرار التهاجي بينهما لفترة نافت على الـ40 عاماً. وقال: لو كان التهاجي بينهما لسبب، لانتهى بانتهاء ذلك السبب. وأضاف: ربما لا يعرف الكثير أن جريراً شفع للفرزدق إبّان سجنه، وبكى عليه إثر موته ورثاه.