ثقافة وفن

في حواره الأخير لـ «عكاظ» الدميني: أخاف الرقابة أكثر من الموت

طبع أعمال المشري.. وقرأ العلي.. وروّض الحزن 250 يوماً

2022 Class="articledate">الجمعة أبريل 28 هـ 03:10 / Class="articledate">الجمعة رمضان

الراحل علي الدميني في لقائه الأخير مع الزميل علي الرباعي.

الرباعي علي (الباحة) Al_arobai@

مرّت قرابة ثمانية أشهر منذ اشتكى الشاعر علي الدميني من وعكة صحية طارئة بدأت تداعياتها أثناء زيارته لمنطقة الباحة، في الربع الأخير من شهر أغسطس الماضي، ما اضطره لإلغاء عدد من ارتباطاته، ليعود لمنزله في المنطقة الشرقية، ويبدأ مراجعة المستشفى التخصصي في الرياض. وطيلة 250 يوماً، التزم (أبو عادل) الحرص على تطمين الأهل والأصدقاء عبر رسائل «الواتساب» بأن صحته في تحسّن، مبدياً تفاؤلاً بالعلاج، وعازماً على المواصلة بمزيد من الأمل، وكأنما أراد (سهل الجبلي) ترويض حزن الرفاق والأحبة، على مدى أسابيع تطول وتقصر، بحسب ما يصل إليهم من ردود مقتضبة من خلال هواتفهم الجوالة، وكانت اللازمة الأكثر حضوراً في رده على الرسائل: (تحت الله)، وكأنّما أراد الراحل بحسّه الإنساني الراقي ترويض حزن رفاقه ومحبيه طيلة الشهور الماضية، أملاً في أن تكون صدمة الوداع أقلّ وقعاً.

وفي آخر الحوارات المفتوحة بيننا عبر (ماسنجر) الفيس بوك، قال رداً على سؤال الخوف من كورونا والمرض والموت: المثقف لا يخاف الموت، قدر خوفه من الرقابة المتعسفة والجائرة، وبخصوص الموهبة أوضح -رحمه الله- أن الموهبة ذائقة فطرية أولية أو خميرة بدائية يمكن أن تنمو أو تموت، إلّا أنها لا تتطور إلا باشتغال الإنسان بالقراءة في حقله سواء إبداعاً أو نقداً، ومن ثم التعود على عملية كتابة إبداع نص ما؛ ليمتلك المقدرة الكتابية بمتطلباتها اللغوية والنحوية والثقافية وبالتجربة الإنسانية المتطورة عبر الوقت، وتطلّع لأن تكون الدورات التي يقدمها مبدعون متميزون أو نقاد بارزون خطوة تثقيفية مفيدة للمهتم نحو فهم السياق الإبداعي وتطوراته الفنية عبر الأزمنة في حقل أدبي ما، ومن ثم اطلاعه على المدارس الفنية المعاصرة في أجمل الإبداعات التي تعبر عنها، إلا أنها حتماً لا تعلّم الشاعر كيف يبدع قصيدة، ولا السارد كيف يكتب رواية، ولا كيف يبدع المهتم عملاً نقدياً، كون مخزون الذات فكرياً وثقافياً وخبرة جمالية وحياتية هي المعين على تطوير الأدوات وتفوقها.

علاقة صداقة نادرة بالقاص عبدالعزيز مشري

ارتبط الشاعر المثقف علي الدميني بعلاقة ودّ ثقافي وإنساني بالقاص الراحل عبدالعزيز مشري، وإن كان الدميني أسنّ من عبدالعزيز بثمانية أعوام، فالمشري من زملاء شقيقه الشاعر محمد الدميني، ويعزو (أبو عادل) التقارب مع المشري إلى فنيّة (ابن السروي) وتميزه في الاهتمام بالكتاب والمجلة والرسم ما جعلهما يقتربان من بعضهما رغم فارق السن، وخصص الدميني وقتاً فسيحاً للعناية بالمشري إنساناً وكاتباً وراجع وتابع طباعة روايته (المغزول) وجمع أعماله الكاملة ضمن مجموعة أصدقاء عبدالعزيز مشري.

افتتان بجوهر محمد العلي

فيما افتتن الدميني بجوهر الشاعر محمد العلي، واشتغل على مشروع لقراءة رفيق دربه ضمن كتابه النقدي (أمام مرآة محمد العلي). وقال: ما شدّني لعالم الشاعر محمد العلي ما يمتلكه من قناعات راسخة بقيم إنسانية جوهرية مشتركة، تؤمن بالعدالة والحرية وحق الاختلاف والتعايش، دون أن تتحول إلى أداة لقهر الآخر المحايد لها أو استعباده، وسلبه حقه في الوجود وفي التعبير السلمي عن رأيه. وعن نص رفيق دربه أوضح أن ما يفتح الباب أمامنا أن شعرية وشاعرية محمد العلي ليست تجربة ذاتية وحسب، وإنما نرى إليها في بعدها المعرفي والجمالي كتجربة إنسانية عميقة وراقية، تسهم في تأمل «تراجيدية الوجود الإنساني» ذاته، التي عاشتها البشرية وما زالت حتى اليوم، والتي عبرت عنها بعض الأساطير والملاحم والشعر والرواية والمسرحية.

مقالات..

محمد علوان: الدميني.. لن يغادرنا!

يقولون إنك عزمت الرحيل دون جواز السفر، وإنك قررت أن تختصر كل الأحاديث التي كنت سيدها، وصلت إلى منعطف يرسم لك طريقاً بمفردك، لم تلتفت للخلف ولو لمرة واحدة، فقد عرفت وجهتك التالية، رأيت ابتسامتك التي لم يرها سواي، تخلصت من سجن المكان للفضاء الرحب، وتخلصت من حزن الآخرين ومن خلاف ينتهي آخر الليل وليبدأ نفس الحوار الليلة التالية.

الشجرة التي على مدخل البيت وتسقيها كلما عدت من الجسر داخلتها الكآبة وانحازت أوراقها للسقوط يوماً بعد يوم بعد أن طال مغيبك ولم تهبط من الجسر الذي يعرف نيتك الصافية وروح الملاك الذي كساك، جئت عبر سماء تعرفك أسرارها وسكانها وأسرار غيم لا يمل المسير في فضاء لا يعرف الحدود.

وفي الدرب الذي طال بدأت تتبدى لك الزهور التي تعرفها ورائحة الأشجار التي تبتسم لك بعد هذا العمر الذي قضيته في مسقط الشمس لتغسل يومها من تعب الوجوه، لحظتها لم يكن البحر ولكن وجدت سبيلاً ضيقاً إلى (محضرة)، لم يعد هناك أحد والقرية التي كانت وادعة بأهلها أصبحت أبوابها للريح مشرعة، تذكرت عبدالعزيز وسيرته الجبلية المليئة بالصبايا والمسحباني يغازلهن بقلوب مترعة، ولكن لا أحد فما زلت في الطريق وحيداً لم تلتفت للخلف ولم يدر بخلدك ما الذي يدعو المحبين يدخلون منزلك فرادى دون ابتسام، هززت كتفيك وأنت تغذ المسير نحو الأمام، وجدت أمام ناظريك درجاً طويلاً طويلاً، توقفت أمام الدرجة الأولى وجسمك الواهن يخشى سقوطه، حين تجاوزت العتبة الأولى كان الطريق يسيراً يحف به الغمام والسوسن ذات اليمين ورائحة الحبق والذي يقول لك: لا تلتفت وغذ المسير، لا تتذكر ستتعب حالتك الواهنة وسوف يطول المسير، ها هو يشعر بالتوهج والطريق واضح وكأنه خاص به عدا ما سواه تذكرها وبكى بصمت وهي تدفئ أقدامه وساقيه الناحلتين طرح السؤال: لم يعد لدي القدرة على المسير على قدمي؟ وفرُت دمعة مسحها بظاهر كفه، تماسكت لحظتها وران صمت قاتل، ثم قالت: لكل نفس موعد لا يكذب ووعدٌ لا بد الوفاء به، كلنا لنا مواعيدنا هذا القطار الذي يذهب بنا يسرق من أحلامنا، ضحكاتنا، حتى أحزاننا.. كان هذا القطار هو الحياة التي تحملنا وفي النهاية لكل منا محطته التي سيهبط بها في موعده دون تلكؤ ودون تأخير، لحظتها تغيب الساعات والأحداث عدا الطريق الذي تسلكه هذه اللحظة.

لم يكن قلبك الكبير الضالع في حب الآخرين يحتمله جسدك المليء بالثقوب والتي أثخنتها بعطائك، هي تنزف وأنت مملوء ببهجة العطاء. رحمة الله عليك أيها الصديق الصادق.

أحمد عايل: حداثة الدميني عالية الحس

الأستاذ علي الدميني أحد أبرز الشعراء الذين كرسوا حياتهم لحركة التجديد والحداثة بحس وطني عالٍ... فمنذ ديوانه «رياح المواقع» مروراً بـ «بياض الأزمنة».

و«مثلما نفتح الباب» إلى ديوانه الأخير «خرز الوقت» ظل الدميني مأخوذاً بمسألة التجديد... إلى جانب ذلك مساهمته الكبيرة في المشهد الثقافي بالإشراف على ملحق «المربد» في جريدة اليوم ومجلة «النص الجديد».

وهو على مدى سنوات طويلة كان حاضراً في المشهد الثقافي السعودي شاعراً وناقداً وباحثاً.. في حالة مزج ما بين حسه الشعري وحسه النقدي.. وهو أحد أهم الشعراء والمؤثرين في المشهد الثقافي المحلي فأتذكر قصيدته «الخبت» من مجموعته الشعرية «رياح المواقع» التي حظيت بصدى كبير حينها.. ثم توالت تجاربه الفريدة والثرية في المشهد الثقافي المحلي رحمه الله رحمه واسعة، عزائي لأسرته الكريمة وشقيقة محمد الدميني.

وافية: أنفق على عائلات وأعان أصدقاء

كشف الإعلامي عبدالله محمد وافية، عن الجانب الإنساني في شخصية (أبو عادل)، وقال: لن تُصدّق أنه يحرص يومياً على تفقد الأصدقاء والأقارب دون أن يشعرهم، ويفزع للمحتاج، وينفق على بعض الأسر، وخصص مبالغ لعائلات، مؤكداً أنه كان يستقطع من راتبه ليساعد به بعض أصدقائه من داخل الوسط الثقافي، ومن خارجه، مشيراً إلى فضله الكبير على مبدعين وكُتاب وإعلاميين ودفاعه عنهم باعتبار الدفاع عن إنسان من أعلى وأرقى مسؤوليات المثقف.