فؤاد السنيورة.. تقاعد كبير الموظفين
يونيو Class="articledate">الأحد / 12 هـ / Class="articledate">الاحد القعدة 2022 / ذو
(بيروت) Ziadgazi@ عيتاني زياد
أخطأ بالعنوان، عندما وضع لحملته عنوان «بيروت تواجه»، وأخطأ بالمضمون عندما صوّر للناس أنّ المواجهة التي يخوضها هي بوجه حزب الله وهيمنته وأنها من أجل بيروت.
أحد المرشحين على لائحة السنيورة في بيروت بجلسة خاصة قال: «في كل اجتماع للائحة كان السنيورة يتصدّر الكلام، كأننا في محاضرة عامة لا نقاش فيها، كان حريصاً في كل جلسة على أن يؤكّد أنّ هدفنا هو الحفاظ على موقع رئيس الوزراء السابق سعد الحريري حتى عودته، محذّراً ومشدّداً أننا لسنا على عداء مع الحريري في هذه المعركة بل نحن نواجه من أجله».
ما نقله هذا المرشح عن السنيورة في جلسة خاصة صرّحت به بشكل صريح المرشحة في اللائحة نفسها عن المقعد السنّي العزيزة لينا التنير في إطلالة تلفزيونية لها قائلة: «نحن نسعى للحفاظ على موقع الحريري في بيروت بانتظار عودته..». وذهبت أبعد من ذلك معبرة: «كنت في مكتب الدكتور فارس سعيد عندما سمعت الحريري عبر شاشة التلفزيون يعلن تعليق عمله السياسي.. لم أتمالك نفسي وبكيت..».
انتدب السنيورة نفسه مدافعاً عن موقع الحريري السياسي والنيابي في بيروت ولبنان. دون أن يكلفه أحد بذلك حتى الحريري نفسه، لا بل تجاهل عن قصد أو غير قصد أن الناس الذين يتوقع أن يصوّتوا له وللائحته يريدون التصويت لخيارات أخرى، من المؤكّد أنها خيارات غير متناقضة مع الثوابت الحريرية السياسية. لكنها خيارات بديلة عن الحريري ليس في الشكل وحسب، بل وأيضاً بأسلوب القيادة والممارسة والمباشرة اليومية لأوامرها الملحة على الصعد كافة.
تعامل السنيورة مع اللحظة الانتخابية كوصي على الحريرية السياسية، بداية عبر السعي للحصول على وصاية شرعية من دار الفتوى ولم ينجح بذلك. كان المفتي عبد اللطيف دريان واضحاً بمعارضته لهذا الدور شكلاً ومضموناً وهو ما أبلغه للسنيورة نفسه. بعد رفض المفتي، سعى السنيورة للوصاية الإدارية عبر ممارسة الدور الذي يجيده، أيّ دور «كبير الموظفين»، كأنه ما زال على رأس إدارة بنك البحر المتوسط وهو آخر المناصب التي كان يشغلها عند اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005.
قارب السنيورة المسألة بمنطق «المحاسب المالي»، الذي يجمع أرقام الحسابات المصرفية وصكوك العقارات على الورق دون النظر إلى حقيقة هذه الحسابات والعقارات. استدعى الأموات الأحياء للقتال معه، من اتحاد «العائلات البيروتية» المشكك بشرعية تمثيله من قبل الكثير من العائلات الكبيرة، إلى الرؤساء السابقين للماكينات الانتخابية الزرقاء وعلى رأسهم النائب السابق سليم دياب، وصولاً إلى مفاتيح انتخابية أكلها الصدأ مع مرور الوقت وتقلّب الزمن. كان التجمّع أشبه باجتماع للأحياء الأموات.
يوم الاثنين في 16 أيار بعد انتهاء المعركة الانتخابية، التقى السنيورة في مكتبة بشارع «بليس» أعضاء اللائحة المهزومة. افتتح الجلسة متجهماً، خاطبهم باللغة الإنجليزية: «لقد خذلتموني..». صادقاً كان السنيورة في ما يقول، فالخذلان لم يكن خذلان بيروت بل كان خذلانا له وحده، المعركة لم تكن معركة بيروت بل معركة شخصية له. كان يبحث عن منصة يطل عبرها في الأيام القادمة. التزم أعضاء اللائحة الصمت، لم يجرؤ أحد على مواجهته بالقول: «عذراً دولة الرئيس أنت خذلتنا»، كيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟!..
لم يقولوا له يا دولة الرئيس، بيروت واجهت برفض المقاطعة، نزلت بشيبها وشبابها إلى الصناديق، فيما نحن وأنت كنا نسعى للحفاظ على مواقع تيار المقاطعة والتشبيح.
لم يقولوا، يا دولة الرئيس الناس بذلت من مالها وفقاً لقدراتها الشخصية للوصول إلى مراكز الاقتراع والتصويت، فيما أنت التزمت بالبذل سياسة «الريّ بالتنقيط».
لم يقولوا، يا دولة الرئيس لقد واجهت بيروت فيما نحن وأنت كنا مقصرين قاعدين.
أخطأ السنيورة، لكنه لن يغيب عن الصفوف الأولى في المناسبات العامة وموائد السفراء والمكرمين، تلك موائد الكرام الذين يحفظون كرامات وتاريخ الرجال لكن حضوره كحضور المتقاعد من كبار الموظفين.
سيبقى السنيورة في مكتبه بشارع «بليس» لن يبارحه، كما أن مكتبه لن يبارح ذاك الشارع الجميل، تماماً كما يفعل عندما يبلغ سن التقاعد كبير الموظفين.
حقيقة واحدة واجب فهمها لدى الجميع أنّ بيروت واجهت وستبقى تواجه كل مهيمن، وكل عدو جبّار لئيم. ستواجه في كل مناسبة وسيأتيك من تلك المواجهات كل نبأ جميل عظيم.