«عيون وخرزات الطائف».. نظام الري المائي الفريد منذ مئات السنين
09 الآخرة / يناير 06 / 1443 / الأحد جمادى الاحد 2022 02:58 هـ
خالد الحميدي
اشتهرت الطائف منذ القدم بالزراعة وبكثرة محاصيلها الزراعية.
وقد ذكر بعض المفسرين أن الطائف هي إجابة لدعوة إبراهيم -عليه السلام- في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات}.
ورد في تفسير القرطبي «روي أنه لما دعا إبراهيم -عليه السلام- بهذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل فاقتلع الطائف من الشام فطاف بها حول البيت أسبوعا، ثم أنزلها الحجاز، وكانت مكة وما يليها حين ذلك قفراً... فبارك الله في ما حولها كالطائف وغيرها، وأنبت فيها أنواع الثمرات».
ومنذ قديم الزمان كان يطلق على الطائف «بستان مكة»، فقد كانت الطائف مصيفاً لأهل مكة ولا يوجد سَريّ في مكة إلا وله في الطائف بستان.
وكان تجار مكة يجلبون من الطائف الزبيب والجلود المدبوغة (الأُهب) كما كانوا يستهلكون كثيراً من أعناب الطائف وفاكهتها.
وقد كتب الدكتور حسن إبراهيم في كتابة «التاريخ الإسلامي» أن الطائف تعد بستانا ونزهة لأهل مكة.
ودائماً ما تُذكر الطائف في كتابات الرحالة عند ذكرهم لمكة وما بها من خيرات، ومنهم ابن جبير حيث ذكر (أنه عندما وصل إلى مكة وتجول في أسواقها) حللنا بهذه البلدة المباركة فألفيناها تغص بالنعّم والفواكه كالتين والعنب والرمان والسفرجل والخوخ إلى جميع البقول كلها والباذنجان والجزر والكرنب إلى غير ذلك من الرياحين العبقة العطرة، وهذه الفواكه تجلب إليها من (الطائف) وهي على مسيرة ثلاثة أيام منها.
وذكرت الدكتورة نادية صقر أن معظم إنتاج الطائف من الزبيب قديماً يذهب إلى مكة لتحلية مياه الآبار التي تزداد فيها نسبة الملوحة.
وقد ذكر حافظ وهبة أن فاكهة الطائف مشهورة بجودتها في سائر البلاد العربية، كما ينمو فيها الورد الطائفي الذي يستخرج منه عطر فاخر يباع على الحجاج في موسم الحج، بالإضافة إلى أن ما يستخرج من ماء الورد الطائفي من زيت وعطور وماء الورد يخلط بماء زمزم وتغسل به الكعبة المشرفة.
وكتب أحد الرحالة الغربيين رأيت في بساتين الطائف ما لم أره في سائر أرجاء الجزيرة العربية، فقد شاهدت أشجار اللوز والخوخ تزدحم بالأزهار المتفتحة، وعجبت لجمال الربيع في هذه البقعة من الجزيرة العربية المجدبة حتى قلت لرفيقي: «لقد صدقت ما يزعمه أهل مكة عن الطائف بأنها كانت فردوساً من أرض الشام».
ويقول الدكتور عبدالقدوس الأنصاري: «الطائف أرضه خصبة معطاء تجود فيها بكثير من الفواكه؛ كالعنب والرمان والسفرجل والخوخ والتين الشوكي (البرشومي)».
ووصفها القزويني بقوله: «إنها طيبة الهواء شمالية، ربما يجمد ماؤها في الشتاء».
ويقول الأصمعي عن الطائف: «دخلت الطائف وكأني أُبشر، وقلبي ينضح بالسرور، ولم أجد لذلك سبباً إلا انفساح جوها وطيب نسيمها».
واُشتهرت الطائف منذ القدم بالزراعة وخصوصاً الفواكه، يقول عرام: «الطائف ذات مزارع، ونخيل، وموز وأعناب وسائر الفواكه بها، أقول: لعله قصد ناحية الطائف قاطبة جبلها وسهلها».
ويروي المقدسي أن الطائف «موضع الرمان الكثير والزبيب والعنب الجيد».
ويذكر الإدريسي أن الطائف فواكهها كثيرة وضياعها متصلة وبها العنب كثير جداً، وزبيبها معروف يُتجهز به إلى جميع الجهات، وأكثر فواكه مكة تصدر عنها.
وقد وصف الأصمعي 16 نوعاً من العنب الطائفي بقوله: «وضروب العنب بالطائف الجرشي والأقماعي العربي والفارسي والشوكي والرعناء والرازقي وأم حبيب والضروع والنواسي وحبلة عمرو والدوالي والرمادي والشامي والغربيب والبيضة والأطراف والحمنان».
لهذا فمن المنطقي أن يكون هناك نظام ري مائي فريد امتازت به الطائف عن سائر البلاد، وعكس هذا النظام براعة إنسان هذا المكان، وحرفية الإنسان الطائفي ابن هذه البقعة الغالية من وطننا منذ مئات السنين، ولعل هذا النظام هو ما ورثه أبناء المنطقة من أسلافهم الذين وضعوا أسسه وجعلوا من الطائف فريدة زمانها على مستوى الجزيرة العربية.
ولعلنا في هذا الموجز نسلط الضوء على جزء مهم من الأنظمة المائية والزراعية التي تميزت بها الطائف وهي عيون الطائف وخرزاتها وقنواتها (الجراب والدّبول).
فقد استغل الإنسان الزراعي في الطائف كثرة العيون الجارية على مدار العام أفضل استغلال، وقام بإيجاد حلول وحيل ضماناً لاستدامة تدفقها، وتوزيع حصصها بشكل عادل يضمن استفادة جميع المزارع ويرويها بشكل مناسب.
وقد لا يتسع المقال لذكر كل العيون التي كانت بالطائف، لكن يكفي أن نذكر بعضاً منها مما يوضح لنا ملامح ذلك النظام الذي كان معمولاً به آنذاك.
ولعلنا بادئ ذي بدئ أن نستبين بعض المصطلحات التي ستمر بنا في معرض حديثنا، من ذلك:
العين: وهي منهل طبيعي للماء يتدفق على سطح الأرض دون تدخل بشري.
الخرزة: أشبه ما تكون بغرفة تفتيش على قناة العين أو مجراها لتنظيفه أو لينهل منها المستقون.
الجراب (الدبل): هي القناة المحفورة أو المبنية لنقل الماء من العين إلى المزرعة.
الوجبة: حصة من مياه العين في فترة زمنية محدودة.
وقد كانت هناك ثلاث عيون رئيسية ومهمة ومشهورة لدى أهالي الطائف، وذلك بالنظر إلى وفرة مياهها وعذوبتها، والبساتين التي تسقيها.
أولاها عين المثناة: وهي عين زاخرة تبدأ من البستان المسمى بالشريعة عند مسجد الخَبَزة في بداية وادي وَج، لذلك سمي ذلك البستان (الشريعة) لوجود مَشْرعة العين فيه، وهو أول البساتين من الجنوب، ويقال إن مصدر العين جبل بَرَد جنوب الطائف، وتمتد شمالاً لتسقي البساتين إلى أن تنتهي تقريباً بإزاء جسر طريق الملك عبدالله حالياً.
ثانيها عين السلامة (شبرة لاحقاً): وتعد أقدم العيون التي ذكرت في تاريخ الطائف، فقد ذكرها الهمداني في القرن الرابع الهجري تقريباً في كتابه صفة جزيرة العرب، ثم جاء على ذكرها ابن فهد في كتابه بلوغ القِرى أنها كانت في عام ٩١٦ للهجرة من أملاك شيخ ثقيف حينها العفيف عبدالله بن محمد الحميدي النّغر، حيث أرضى الحاكم بوجبة من مياهها، ومبتداها تقريباً قبيل مقر شركة المياه الوطنية بالطائف الآن وتمتد لتسقي المزارع إلى أن تصل إلى ما كان يُسمى قرية الهضبة سابقاً (وهي المنطقة المركزية الآن)، وفي القرن الثالث عشر الهجري حوّل مسارها وسحب مياهها حاكم الحجاز في حينه لسقيا مزارعه وقصره في محلة شبرة اليوم، ولهذا سُميت عين شبرا أو عين الطائف ولكنها في الأساس عين السلامة، حيث كانت تمر بحي الشرقية المسمى قديماً بركبان الحَبسي.
ثالثها عين الجال: نسبة إلى المزارع التي تسقيها في حي الجال، وهي أطول العيون في الطائف بدءاً من حي حوايا وشهار مارا بالقمرية والقطبية والريان إلى أن تصل إلى ما بعد شارع الخمسين الآن.
ويهمنا هنا أن نتعرف على كيفية إدارة وضبط جريان تلك العيون من قِبل إنسان الطائف. فقد تم توزيع أوقات ري المزارع في أغلب العيون على ٣٦ حصة (يسميها أهل الطائف وجبة) مدة كل حصة ١٢ ساعة لكل مزرعة (أي أن جراب الماء أو القناة يتم فتحها لتتدفق إلى المزرعة دون انقطاع لمدة ١٢ ساعة متواصلة). ومن المزارع ما يُسقى نهارا ومنها ما يُسقى ليلاً، وقد تشترك أكثر من مزرعة في وجبة واحدة إذا كانت صغيرة ولا تتحمل كمية المياه لمدة ١٢ ساعة، وبذلك لا تعود حصة أو وجبة المياه إلى المزرعة إلا بعد مرور ١٨ يوماً، وقد كان هناك عمال متخصصون لتلك المهمة من أبناء الطائف، يتبع لهم آخرون عند كل قناة لتحويل مجرى (جراب، دبل) العين إلى المزارع، وبالمناسبة فقد كانت عين المثناة تجري في البداية في البساتين الشمالية ولنقلها إلى البساتين الجنوبية على الضفة الأخرى من وادي وج تم بناء قنطرة (جسر) تعبر من فوقه المياه مقابل مسجد المدهون الذي سمي أيضاً مسجد القنطرة نسبة إليها، وعلى طول جراب العين نجد الخرزات (نقاط التفتيش) التي تستخدم لتنظيف المجرى بعد السيول أو الانسداد، كما يستقي من هذه الخرزات أهالي الطائف، لذلك فإننا نجد عددا منها عند مواضع التجمعات السكانية كحي البلد والشرقية والريان، وتسمى في بعض الأحيان (البازانات)، وهذه الدبول أو القنوات والخرزات قد تكون قريبة من سطح الأرض أو عميقة، ويعود تاريخ بنائها إلى مئات السنين باستخدام أحجار المنطقة مبطنة في بعض مواضعها بالملاط المستخرج من الحجر الجيري، وتمتلك مصلحة المياه اليوم بالطائف إدارة هذه العيون التي كانت في ما مضى سقيا لأهالي الطائف.
وقد ذكر بعض المفسرين أن الطائف هي إجابة لدعوة إبراهيم -عليه السلام- في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات}.
ورد في تفسير القرطبي «روي أنه لما دعا إبراهيم -عليه السلام- بهذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل فاقتلع الطائف من الشام فطاف بها حول البيت أسبوعا، ثم أنزلها الحجاز، وكانت مكة وما يليها حين ذلك قفراً... فبارك الله في ما حولها كالطائف وغيرها، وأنبت فيها أنواع الثمرات».
ومنذ قديم الزمان كان يطلق على الطائف «بستان مكة»، فقد كانت الطائف مصيفاً لأهل مكة ولا يوجد سَريّ في مكة إلا وله في الطائف بستان.
وكان تجار مكة يجلبون من الطائف الزبيب والجلود المدبوغة (الأُهب) كما كانوا يستهلكون كثيراً من أعناب الطائف وفاكهتها.
وقد كتب الدكتور حسن إبراهيم في كتابة «التاريخ الإسلامي» أن الطائف تعد بستانا ونزهة لأهل مكة.
ودائماً ما تُذكر الطائف في كتابات الرحالة عند ذكرهم لمكة وما بها من خيرات، ومنهم ابن جبير حيث ذكر (أنه عندما وصل إلى مكة وتجول في أسواقها) حللنا بهذه البلدة المباركة فألفيناها تغص بالنعّم والفواكه كالتين والعنب والرمان والسفرجل والخوخ إلى جميع البقول كلها والباذنجان والجزر والكرنب إلى غير ذلك من الرياحين العبقة العطرة، وهذه الفواكه تجلب إليها من (الطائف) وهي على مسيرة ثلاثة أيام منها.
وذكرت الدكتورة نادية صقر أن معظم إنتاج الطائف من الزبيب قديماً يذهب إلى مكة لتحلية مياه الآبار التي تزداد فيها نسبة الملوحة.
وقد ذكر حافظ وهبة أن فاكهة الطائف مشهورة بجودتها في سائر البلاد العربية، كما ينمو فيها الورد الطائفي الذي يستخرج منه عطر فاخر يباع على الحجاج في موسم الحج، بالإضافة إلى أن ما يستخرج من ماء الورد الطائفي من زيت وعطور وماء الورد يخلط بماء زمزم وتغسل به الكعبة المشرفة.
وكتب أحد الرحالة الغربيين رأيت في بساتين الطائف ما لم أره في سائر أرجاء الجزيرة العربية، فقد شاهدت أشجار اللوز والخوخ تزدحم بالأزهار المتفتحة، وعجبت لجمال الربيع في هذه البقعة من الجزيرة العربية المجدبة حتى قلت لرفيقي: «لقد صدقت ما يزعمه أهل مكة عن الطائف بأنها كانت فردوساً من أرض الشام».
ويقول الدكتور عبدالقدوس الأنصاري: «الطائف أرضه خصبة معطاء تجود فيها بكثير من الفواكه؛ كالعنب والرمان والسفرجل والخوخ والتين الشوكي (البرشومي)».
ووصفها القزويني بقوله: «إنها طيبة الهواء شمالية، ربما يجمد ماؤها في الشتاء».
ويقول الأصمعي عن الطائف: «دخلت الطائف وكأني أُبشر، وقلبي ينضح بالسرور، ولم أجد لذلك سبباً إلا انفساح جوها وطيب نسيمها».
واُشتهرت الطائف منذ القدم بالزراعة وخصوصاً الفواكه، يقول عرام: «الطائف ذات مزارع، ونخيل، وموز وأعناب وسائر الفواكه بها، أقول: لعله قصد ناحية الطائف قاطبة جبلها وسهلها».
ويروي المقدسي أن الطائف «موضع الرمان الكثير والزبيب والعنب الجيد».
ويذكر الإدريسي أن الطائف فواكهها كثيرة وضياعها متصلة وبها العنب كثير جداً، وزبيبها معروف يُتجهز به إلى جميع الجهات، وأكثر فواكه مكة تصدر عنها.
وقد وصف الأصمعي 16 نوعاً من العنب الطائفي بقوله: «وضروب العنب بالطائف الجرشي والأقماعي العربي والفارسي والشوكي والرعناء والرازقي وأم حبيب والضروع والنواسي وحبلة عمرو والدوالي والرمادي والشامي والغربيب والبيضة والأطراف والحمنان».
لهذا فمن المنطقي أن يكون هناك نظام ري مائي فريد امتازت به الطائف عن سائر البلاد، وعكس هذا النظام براعة إنسان هذا المكان، وحرفية الإنسان الطائفي ابن هذه البقعة الغالية من وطننا منذ مئات السنين، ولعل هذا النظام هو ما ورثه أبناء المنطقة من أسلافهم الذين وضعوا أسسه وجعلوا من الطائف فريدة زمانها على مستوى الجزيرة العربية.
ولعلنا في هذا الموجز نسلط الضوء على جزء مهم من الأنظمة المائية والزراعية التي تميزت بها الطائف وهي عيون الطائف وخرزاتها وقنواتها (الجراب والدّبول).
فقد استغل الإنسان الزراعي في الطائف كثرة العيون الجارية على مدار العام أفضل استغلال، وقام بإيجاد حلول وحيل ضماناً لاستدامة تدفقها، وتوزيع حصصها بشكل عادل يضمن استفادة جميع المزارع ويرويها بشكل مناسب.
وقد لا يتسع المقال لذكر كل العيون التي كانت بالطائف، لكن يكفي أن نذكر بعضاً منها مما يوضح لنا ملامح ذلك النظام الذي كان معمولاً به آنذاك.
ولعلنا بادئ ذي بدئ أن نستبين بعض المصطلحات التي ستمر بنا في معرض حديثنا، من ذلك:
العين: وهي منهل طبيعي للماء يتدفق على سطح الأرض دون تدخل بشري.
الخرزة: أشبه ما تكون بغرفة تفتيش على قناة العين أو مجراها لتنظيفه أو لينهل منها المستقون.
الجراب (الدبل): هي القناة المحفورة أو المبنية لنقل الماء من العين إلى المزرعة.
الوجبة: حصة من مياه العين في فترة زمنية محدودة.
وقد كانت هناك ثلاث عيون رئيسية ومهمة ومشهورة لدى أهالي الطائف، وذلك بالنظر إلى وفرة مياهها وعذوبتها، والبساتين التي تسقيها.
أولاها عين المثناة: وهي عين زاخرة تبدأ من البستان المسمى بالشريعة عند مسجد الخَبَزة في بداية وادي وَج، لذلك سمي ذلك البستان (الشريعة) لوجود مَشْرعة العين فيه، وهو أول البساتين من الجنوب، ويقال إن مصدر العين جبل بَرَد جنوب الطائف، وتمتد شمالاً لتسقي البساتين إلى أن تنتهي تقريباً بإزاء جسر طريق الملك عبدالله حالياً.
ثانيها عين السلامة (شبرة لاحقاً): وتعد أقدم العيون التي ذكرت في تاريخ الطائف، فقد ذكرها الهمداني في القرن الرابع الهجري تقريباً في كتابه صفة جزيرة العرب، ثم جاء على ذكرها ابن فهد في كتابه بلوغ القِرى أنها كانت في عام ٩١٦ للهجرة من أملاك شيخ ثقيف حينها العفيف عبدالله بن محمد الحميدي النّغر، حيث أرضى الحاكم بوجبة من مياهها، ومبتداها تقريباً قبيل مقر شركة المياه الوطنية بالطائف الآن وتمتد لتسقي المزارع إلى أن تصل إلى ما كان يُسمى قرية الهضبة سابقاً (وهي المنطقة المركزية الآن)، وفي القرن الثالث عشر الهجري حوّل مسارها وسحب مياهها حاكم الحجاز في حينه لسقيا مزارعه وقصره في محلة شبرة اليوم، ولهذا سُميت عين شبرا أو عين الطائف ولكنها في الأساس عين السلامة، حيث كانت تمر بحي الشرقية المسمى قديماً بركبان الحَبسي.
ثالثها عين الجال: نسبة إلى المزارع التي تسقيها في حي الجال، وهي أطول العيون في الطائف بدءاً من حي حوايا وشهار مارا بالقمرية والقطبية والريان إلى أن تصل إلى ما بعد شارع الخمسين الآن.
ويهمنا هنا أن نتعرف على كيفية إدارة وضبط جريان تلك العيون من قِبل إنسان الطائف. فقد تم توزيع أوقات ري المزارع في أغلب العيون على ٣٦ حصة (يسميها أهل الطائف وجبة) مدة كل حصة ١٢ ساعة لكل مزرعة (أي أن جراب الماء أو القناة يتم فتحها لتتدفق إلى المزرعة دون انقطاع لمدة ١٢ ساعة متواصلة). ومن المزارع ما يُسقى نهارا ومنها ما يُسقى ليلاً، وقد تشترك أكثر من مزرعة في وجبة واحدة إذا كانت صغيرة ولا تتحمل كمية المياه لمدة ١٢ ساعة، وبذلك لا تعود حصة أو وجبة المياه إلى المزرعة إلا بعد مرور ١٨ يوماً، وقد كان هناك عمال متخصصون لتلك المهمة من أبناء الطائف، يتبع لهم آخرون عند كل قناة لتحويل مجرى (جراب، دبل) العين إلى المزارع، وبالمناسبة فقد كانت عين المثناة تجري في البداية في البساتين الشمالية ولنقلها إلى البساتين الجنوبية على الضفة الأخرى من وادي وج تم بناء قنطرة (جسر) تعبر من فوقه المياه مقابل مسجد المدهون الذي سمي أيضاً مسجد القنطرة نسبة إليها، وعلى طول جراب العين نجد الخرزات (نقاط التفتيش) التي تستخدم لتنظيف المجرى بعد السيول أو الانسداد، كما يستقي من هذه الخرزات أهالي الطائف، لذلك فإننا نجد عددا منها عند مواضع التجمعات السكانية كحي البلد والشرقية والريان، وتسمى في بعض الأحيان (البازانات)، وهذه الدبول أو القنوات والخرزات قد تكون قريبة من سطح الأرض أو عميقة، ويعود تاريخ بنائها إلى مئات السنين باستخدام أحجار المنطقة مبطنة في بعض مواضعها بالملاط المستخرج من الحجر الجيري، وتمتلك مصلحة المياه اليوم بالطائف إدارة هذه العيون التي كانت في ما مضى سقيا لأهالي الطائف.