ثقافة وفن

الثقافة العربية بدون جامعة

زهدت بميثاق التأسيس وعرّضتها لمهب الريح

جمادى 20 2021 1443 / Class="articledate">الجمعة ديسمبر /

نصر المجالي

الرباعي علي Al_arobai@ (الباحة)

اضطلعت الجامعة العربية عند إنشائها بإعلان «المعاهدة الثقافية، في (27 نوفمبر 1945)»، وتُعد أول وثيقة تضامنية تعاقدية، تنال موافقة الدول الأعضاء، نظراً لما للعامل الثقافي من مكانة في تكوين الوعي العربي العام، وأكدت ديباجة المعاهدة أن الغاية منها زيادة التقارب الذهني والتآلف الروحي بين أبناء البلاد العربية، والعمل على تعميم التعليم ورفع المستوى الثقافي لشعوبها، لإكساب إنشاء الجامعة العربية بعداً حضارياً غرضه تنشئة جيل عربي موحد الفكر والعقيدة ومستنير ومدرك لأهداف أمته، وتنفيذاً للمادة الرابعة من ميثاق الجامعة، تأسست لجان عدة منها: اللجنة الثقافية، ويشرف عليها ممثلون عن الدول العربية وتعمل تحت إشراف مجلس الجامعة، إضافةً إلى إنشاء الإدارة الثقافية في الأمانة العامة لتنسيق العمل بين الأجهزة الثقافية المختلفة في الدول العربية، وبما أن الثقافة قاسم مشترك أكبر يسهم في حلحلة أزمات سياسية واقتصادية، فإن مراقبين لعمل الجامعة يشعرون بتخلي المظلة العربية عن الدور التنويري الحضاري، بتعريضها دور النخبة للتلاشي والذهاب سدى في مهب الريح، وتطلّعوا لاستعادة الثقافة العربية مكانتها تحت مظلة الجامعة العريقة المنشأ والولادة، فيما فقد البعض الثقة بالأدوار المعرفية والأدبية؛ كون الأزمات عصفت بالجامعة، وشتتت المتغيرات جهودها، حدّ أنها لا تدري «من أين تبدأ».

ويرى الكاتب الأردني نصر المجالي أن المتحدث عن دور الجامعة العربية في تنمية وإنعاش العمل الثقافي على صعيد عربي ودعم النشاطات الثقافية والمثقفين والكتاب، يستدعي المثل الشعبي «الضرب في الميت حرام»، مشيراً إلى أن الجامعة العربية تأسست منذ 76 عاماً لتحقيق غايات طموحة، لم يتحقق منها عبر السنين ما تطلّعت له النخب، وقال المجالي: «إذا كنا نغفر للجامعة العربية إحباطاتها السياسية بسبب ما يواجه العالم العربي من ضغوطات وتحديات خارجية وأزمات داخلية، فإننا لا يمكن أن نمنح صك غفران للجامعة ممثلة بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي احتفلت هذا العام بالذكرى الـ51 لتأسيسها، في ظل تخليها عن إقامة مؤتمرات المثقفين ورعاية تجمعاتهم وروابطهم الثقافية الوطنية المنتشرة في الدول الأعضاء».

وعدّ المجالي التراث الثقافي معنى جوهريا يستحق مكانةً مرموقة في مسيرة التنمية العربية، باعتباره رافداً أساسياً من روافد التطور وركيزة مهمة، لترسيخ الهوية العربية والإسلامية عند الشعوب وأجيالها، ووصف الدور الثقافي بالفاشل في تحقيق مكتسبات، عدا شعارات وعناوين رئيسية على الورق أو عبر مؤتمرات بروتوكولية تنعقد في هذه العاصمة أو تلك دون تحقيق أدنى متطلبات وطموحات العرب الثقافية، مؤكداً أن المؤتمر البروتوكولي يستنفد الموارد المالية العربية في الشكليات ولا يؤدي لنتائج مباشرة داعمة للعمل الثقافي العربي شعبياً أو رسمياً. وتساءل: أين جمعيات الكُتّاب، وروابط الأدباء، ونقابات الفنانين، المعنيّة برفع مستوى الموارد البشرية في البلاد العربية والنهوض بأسباب التطوير التربوي والثقافي والعلمي والبيئي والاتصال، وتنمية اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية داخل الوطن العربي وخارجه، ومد جسور الحوار والتعاون بين هذه الثقافة والثقافات الأخرى في العالم، وتطلّع لعقد الكتاب والمثقفين والفنانين العرب، حواراً مفتوحاً مع الأمين العام للجامعة العربية؛ باعتبارها مظلة للمنظمة العربية للثقافة ولوزراء الثقافة، ومناقشته في سبب إغفال دور التراث الثقافي ومنحه المكانة اللائقة؟

فيما يؤكد رئيس مركز الجواهري الثقافي في براغ رواء الجصّاني أن ضعف الدور الثقافي للجامعة ليس مفاجئا أو مستغربا؛ راهنا، كما سابقا، وحتى في المستقبل المنظور، بحكم حالة التنازع والفرقة التي تتسع يوما بعد ثانٍ، بين دولنا العربية التي تجمعها كما هو مفترض ومؤمل ومرتجى، «الجامعة العربية». وأضاف الجصاني لا حاجة لتفاصيل تتعب القارئ والمتابع، كون التفاصيل بارزة للعيان وتتعمق وتشتد، فضلاً عن التفاوت، والاختلاف بين مفهوم الثقافة، وتنويعاتها، وأشكالها، وطرق التعبير عنها بين بلد وآخر حسب أنظمة الحكم السائدة فيها. وأبدى الجصاني خشية من إهمال الجامعة للتنوير، ورفع يدها عن إشاعة المعرفة، في ظل إشغال الجامعة بكل الشؤون السياسية والاقتصادية، وما بينهما من كثير متعدد، باستثناء العمل الثقافي المشترك، ولو بأدنى مستوياته، وتطلّع لاستعادة دور طليعي لتأسيس مدارك الوعي، وإعلاء شأن التعلم والمعرفة والتنوير، وتحجيم التطرف والاستبداد باعتبارهما أس البلاء، وعدّ المشروع الثقافي للجامعة العربية منطلقاً للبدء بالتغيرات السياسية والاقتصادية المطلوبة، الطموحة لتحقيق الازدهار وإشاعة المساواة وكبح جماح الفقر، وتعزيز الأمن، وتفجير ينابيع السعادة والخير لشعوبنا العربية.

فيما يذهب الروائي المصري صُبحي موسى إلى أن جامعة الدول العربية تعبر عن رؤية وفكر مجموع الدول العربية، في حقبة تؤمن بكرة القدم أكثر مما تؤمن بالثقافة والفكر، لا لشيء سوى أن المثقف أصبح كائنا وحيدا منعزلا، لا أحد يريده ولا قدرة لديه على إلزام أحد بشيء، بينما لاعبو الكرة والمغنيون والممثلون وكل من لهم علاقه بالجماهير الغفيرة محط أنظار الجميع، لا لشيء سوى الرغبة في رضا هذه الجماهير، أيا كان فكرها ووعيها وثقافتها، ليظهر المسؤول بمظهر القائم على مصالح الجماهير ورغباتها. وأضاف موسى «لو كان المثقف يمثل ربحا أو مغنما للجامعة العربية لتكالبت الدول المؤسسة على تنظيم ورعاية أنشطته وفعالياته»، وتساءل متى تفكّر جامعة الدول يوما في إقامة مؤتمر عام للمثقفين العرب، تفعيل التبادلات الثقافية بين البلدان العربية برعايتها، وإنشاء شركة توزيع للأعمال الإبداعية والفكرية في مختلف البلدان العربية، ورسم خطة لدعم المراكز الثقافية الأجنبية القائمة على ترجمة ونشر الثقافة العربية في البلدان الأوروبية، وتنظيم معرض كتاب عربي تحت رعايتها، واعتماد الثقافة العربية ضيف شرف على معارض الكتاب العالمية، وإنشاء لجنة دائمة لتسويق الأعمال الإبداعية العربية في الخارج. وعد موسى الجامعة مرآة للحالة العربية، بما بينها من صراع أكبر مما بينها من تعاون، في ظل غياب كامل للتنسيق والتنظيم وتوزيع الأدوار مجدداً، وأبدى تحفظه على ما ينفّذ من برامج بطريقة وظيفية معتادة لا إبداع فيها، بل مجرد إنفاق أموال رصدت في الميزانية، كونها مجرد عمل وظيفي وليس إيمانا حقيقيا بالفعل الثقافي، لا على المستوى العام ولا على المستوي الأدبي، مبدياً أسفه على شعوب يحركها تريند وتهيجها مباراة، لكنها لا تتحدث عن مستقبلها الثقافي والتنموي بقدر ما تحلل أحداث مباراة.