جميل محمود.. أول فنان خليجي يغني في التلفزيون
الأولى ديسمبر 2021 03:39 الأحد Class="articledate">الاحد
د بقلم: المدني Abu_taymour@ عبدالله
من يريد التأريخ للفن والموسيقى في السعودية لا يمكنه تجاوز الفنان المبدع جميل محمود، فحكايته جزء لا يتجزأ من تاريخ الموسيقى والغناء في بلده. وإذا كان عميد الأغنية السعودية وعمودها ومطورها المرحوم طارق عبدالحكيم قد بدأ خطواته الأولى في الزمن الصعب؛ أي في الحقبة التي كان يُنظر فيها إلى الفن بنظرة دونية، بل كانت الموسيقى والمعازف فيها من المحظورات في بلاده، فإن جميل محمود لا يختلف عنه كثيرا من هذه الزاوية. كذلك لا يمكن إغفال جانب آخر في حكايتي طارق عبدالحكيم وجميل محمود الفنية. فكلاهما -مع بعض الاختلاف- انطلقا إلى الساحة الفنية من خلال عملهما العسكري، حيث كان الأول يعمل في الجيش السعودي فاستغل حاجة الجيش لتأسيس فرقة موسيقى عسكرية ليبتعث إلى مصر ويتعلم فيها الموسيقى أكاديميا في مطلع خمسينات القرن العشرين، بينما انطلق الثاني من خلال عمله كضابط في سلك المرور والأمن العام، حيث ابتعث إلى مصر أيضا للدراسة في كلية الشرطة، وهناك تسنى له تعلم العزف والنوتة الموسيقية.
أتذكر أنه في أثناء إجازة نهاية الأسبوع المدرسية في الخمسينات كنا ننتقل من الخبر إلى الدمام لقضاء يوم الجمعة في منزل عمي الكبير بالقرب من المبنى القديم لوزارة المالية. وكان بالقرب من هذا المبنى «ستوديو العصري»، لصاحبه ابن امارة عجمان محمد ناصر، الذي كان يضع في فترينته بروازا أنيقا يضم صورة مكبرة ملونة يدويا لشاب يرتدي بزة عسكرية. وحينما استفسرت عن صاحب الصورة، قالوا لي إنها لجميل محمود، الذي يمنح رخص القيادة، فكانت تلك المرة الأولى التي أسمع باسمه وأرى صورته. لاحقا صرنا نراه مرارا وتكرارا وهو يغني من خلال شاشة تلفزيون أرامكو أو من خلال صوره المطبوعة على أغلفة الأسطوانات، بل رحنا نردد أغانيه ونترنم بها، لاسيما أغنيته الخالدة «سمراء رقي للعليل الباكي».
النشأة في مكة
ولد جميل محمد علي محمود في حي المسفلة بمكة المكرمة عام 1940، ودرس كأبناء زمنه في الكتاتيب مثل «كتاب صبرية» و«كتاب حُمصانية» و«كتاب الشيخ السيد حمود» بمسجد سيدي حمزة بالمسفلة، قبل أن ينتقل وهو في الخامسة إلى «المدرسة العزيزية» لبدء مرحلة الدراسة الابتدائية، حيث اختير ليكون مقرئ المدرسة بسبب جمال صوته وحسن أدائه. بعد ذلك انتقل للدراسة بمدرسة تحضير البعثات (تغير اسمها عام 1374 للهجرة إلى المدرسة العزيزية الثانوية) في حي الزاهر بمكة، وكان خلالها أيضا مقرئ المدرسة، بل كان ينتهز فترات الفسح ما بين الدروس ليغني لزملائه، فكانت خيزرانات المعلمين له بالمرصاد. وقد اعترف الرجل أنه في شبابه المبكر فعل ما كان يفعله أقرانه من أبناء مكة وهو العمل في الطوافة خلال مواسم الحج، خصوصا مساعدة حجاج جنوب آسيا في الطواف (طالع صحيفة العرب اللندنية ــ 5/12/2019).
في تلك الفترة المبكرة من حياته استهواه الفن والموسيقى، فراح يكثر من الاستماع إلى محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وصالح عبدالحي وسلامة حجازي وغيرهم من عمالقة الطرب المصريين. ومن آيات تعلقه بالفن والطرب الأصيل أنه كان يحرص على سماع أغاني أم كلثوم من الإذاعة مساء كل جمعة، ويعيد غناءها كاملة مساء يوم السبت، كما كان يسمع الأسطوانات ظهرا ويغني أغانيها عصرا لزملائه. والجدير بالذكر أن مرحلة دراسته الابتدائية شهدت دخوله الإذاعة السعودية للإنشاد مع أقرانه الصغار من خلال برنامج «ركن الأطفال» الذي كان يعده ويقدمه بابا طاهر (الشاعر الراحل طاهر زمخشري المتوفى عام 1987)، ما تعزز معه عشقه للغناء مذاك.
الملازم الثاني
في أعقاب تخرجه من مدرسة تحضير البعثات حاملاً شهادة الثانوية العامة، واصل دراسته في كلية الشرطة في القاهرة التي تخرج منها عام 1957 برتبة «ملازم ثاني». وفي القاهرة، عاصمة الفنون وقلعة الطرب والموسيقى وموطن عمالقة الغناء، وجد جميل محمود نفسه منجذبا لتعلم العزف على العود والنوتة الموسيقية من باب الهواية، فتعلمهما على يد مدرس خصوصي من أصل فلسطيني اسمه «محمد عليوه»، واقتنى عودا من الأسواق اشتراه بجنيهين ونصف الجنيه، من أجل التمرين والدندنة في أوقات فراغه.
وقبل الاستطراد، لا بد من الإشارة إلى أن صاحبنا أتيحت له أثناء مشواره الوظيفي زيادة حصيلته العلمية في مجال تخصصه الشرطي، فقد ابتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة بأكاديمية الشرطة العالمية التي حصل منها على دبلوم في الرماية وآخر في مكافحة الشغب، وثالث في القيادة والإشراف. ومن ثمّ تمّ ابتعاثه مجددا إلى مصر للدراسة بمعهد الضباط والقادة الذي منحه درجة الماجستير في العلوم الشرطية.
كانت أول وظيفة شغلها جميل محمود بعد تخرجه من مصر وعودته إلى بلاده، هي وظيفة مدير مرور المنطقة الشرقية، الأمر الذي انتقل معه من مسقط رأسه بمكة المكرمة إلى الدمام. وعليه فإن للمنطقة الشرقية بصفة عامة ومدينة الدمام بصفة خاصة في قلب جميل محمود مكانة خاصة ليس فقط لأنه بدأ مشواره الوظيفي منها، وإنما لأن شهرته كفنان وملحن وشاعر غنائي بدأت من هناك أيضا.
استغلال الفراغ بالموسيقى
أثناء عمله بالمنطقة الشرقية استغل ساعات فراغه في ممارسة الغناء والعزف على العود، في المناسبات الخاصة وسط أصدقائه ومعارفه، ما جعل اسمه يتردد شيئا فشيئا خارج تلك الحلقة الضيقة كفنان أصيل وصاحب حنجرة قوية وأداء جميل. وصادف في هذه الفترة أن عاد الملك سعود إلى وطنه من بعد رحلة علاجية طويلة في الخارج، فأقيمت الاحتفالات بهذه المناسبة، ومنها احتفال جماهيري بحديقة البلدية في شارع الأمير طلال بمدينة الخبر حضره أكثر من 13 ألف شخص، وشارك فيه فناننا بالغناء، وهو ما أطلق شهرته وجعل اسمه يتردد على كل لسان. وهو أيضا ما دفع محطة تلفزيون أرامكو من الظهران (ثاني محطة تلفزيونية في العالم العربي من بعد محطة تلفزيون بغداد، وبدأت البث في سبتمبر 1957) لإقناعه بتسجيل أغانيه في المحطة بأسلوب سينمائي كي تبث من حين إلى آخر ضمن فقرات البرامج اليومية، وكي تساهم في الارتقاء بالذائقة الفنية المحلية، خصوصا أن عدد الفنانين المحليين كان -وقتذاك- يعد على الأصابع. وبهذا سجل الرجل اسمه كأول فنان سعودي وخليجي يظهر على الشاشة الفضية وذلك في عام 1959.
من ناحية أخرى، كانت المنطقة الشرقية هي المكان الذي تعرف فيه جميل محمود على الشاعر يحيى توفيق حسن الذي كتب كلمات واحدة من أجمل أغانيه وأكثرها شهرة، وهي أغنية «سمراء». فقد كان الشاعر متواجدا -آنذاك- في الدمام بحكم العمل وكانت تجمعه مع جميل محمود جلسات وسهرات غنائية بمنزل الزعيم حسن قناديلي وكيل الأمن العام بالمنطقة الشرقية آنذاك، ولأن جميل محمود لم يكن يمتلك سيارة وقتها فكان توفيق يقوم بتوصيله إلى داره. وذات مرة سأله الأخير هل تلحن؟ فرد بالإيجاب، فما كان من توفيق إلا أن أسمعه أربعة أبيات من قصيدة سمراء التي أعجبت فناننا وقام بتلحينها ثم غنائها بصوته.
ومن ناحية ثالثة تعرف جميل محمود أثناء عمله بالمنطقة الشرقية على التاجر عبدالله حبيب صاحب محل توزيعات الشرق بالخبر؛ الذي كان أول من سجل وسوق أسطوانة تحتوي على تلك الأغنية الأسطورية، بل كان حبيب هو من قدمها ضمن باقة من الأغاني الأخرى إلى المطربة اللبنانية هيام يونس كي تؤديها بصوتها، وهو ما حدث بالفعل حيث غنت هيام يونس «سمراء» في عام 1962 دون أن تلتقي بصاحب الأغنية وجها لوجه إلا في عام 1964 حينما سافر فناننا إلى لبنان مع طلال مداح وعبدالله محمد للمشاركة في حفلات غنائية هناك كان من نجومها أيضا هيام يونس وأبوبكر سالم بلفقيه وفرج المبروك، فحدث أول لقاء بينهما، ليتواصل تعاونهما مذاك في العديد من الأعمال الأخرى. هذا علما بأن «سمراء» لم تكن أولى أغاني جميل محمود، وإنْ كانت أول قصيدة يلحنها ويؤديها. فقد سبقتها في عام 1958 أغنية لحنها وكتب كلماتها فناننا في القاهرة بمناسبة عيد ميلاد ابنة أخته، وتلتها أغنية عاطفية من تلحينه وكلماته وأدائه بعنوان «احترت أنا في الحب».
في الشرقية اكتشاف موهبته الشعرية
وفي المنطقة الشرقية أيضا اكتشف جميل محمود موهبته الشعرية، فكتب في الفترة ما بين عامي 1959 و1961 مجموعة من الأعمال الغنائية منها: «احترت أنا في الحب»، «حبيبي الأسمر»، «أبكي على قلبي»، «حبيبي اوعدني»، «ليه خنتني في العهد»، «مظلوم بهجرك ليه»، «أول نظره»، و«بنيت أملي معاك». علما بأن صاحبنا لحن ما يقارب 500 لحن منها ألحان لأغاني الأطفال وأخرى لأغانٍ وصفية لبعض المناطق السعودية، وكتب أكثر من 50 نصا غنائيا، وأدى أغاني متنوعة أغلبها عاطفي.
ومن المعلوم أيضا عن جميل محمود أنه لم يحصر تعاونه مع الفنانين من مواطنيه من أمثال طلال مداح وعبادي الجوهر وعبدالمجيد عبدالله وابتسام لطفي وسعيد مقبل ويحيى لبان وطلال هزاع وطلال عباس وعودة سعيد وعبدالقادر حلواني والفنان محمد ابراهيم المطوع الشهير باسم محمد السراج، بل أعطى ألحانه أيضا لعدد من الفنانين العرب. فعلاوة على هيام يونس التي غنت نحو 30 أغنية من ألحانه، غنى له الفنان الكبير وديع الصافي (كعبة الإلهام)، والمطربة شريف فاضل (راحت حياة العذاب)، والمغربية رجاء بلمليح (أغنيات: «سافر وروح» و«يا أمل عطشان» و«انسى اللي راح»)، والتونسية عايدة بوخريص (أغنيات: «يا ساري» و«عاتب» و«إن كان عذابي» و«يا غصن يا مياس»)، والفنان البحريني الراحل أحمد ياسين (أغنيات: «دمعة مني» و«يا ناسيني») والمغربية نادية رشدي (أكذب عليك).
خلال مسيرته الوظيفية التي انتهت بتقاعده في نهاية عام 1980 وهو برتبة عقيد، عمل جميل محمود في معظم مجالات الأمن العام مثل أقسام الشرطة وشُعَبْ السجون والحقوق المدنية والتحقيقات الجنائية والضبط الجنائي والعلاقات العامة. أما المناصب التي شغلها فشملت -علاوة على منصب مدير مرور المنطقة الشرقية- مناصب مدير مرور منطقة الرياض ومدير مرور المدينة المنورة ومساعد مدير شرطة منطقة الرياض. وخلال شغله كل هذه المناصب لم ينقطع الرجل عن الاهتمام بالفن والموسيقى واحتضان الموهوبين وتشجيعهم. إذ وجد ابداعه في عالم الفن مكملا لإبداعه في عالم الشرطة وتنظيم المرور، فهو القائل لصحيفة الشرق الأوسط (15/7/2020): «أثرت موهبتي على عملي كثيراً، حيث كنت أستمتع بعملي لأنني اعتبرته فناً أيضاً، وفي الوقت ذاته لم أخلط لحظة بين شخصيتي بالزي العسكري وبين فني، حيث لم أقبل أن يناديني أو يعاملني أي شخص كفنان، وعندما أحتضن العود لم أكن أقبل أن أعامل كعسكري».
الهرم الحجازي
من الألقاب التي التصقت باسمه لقب «الهرم الحجازي» باعتباره أحد فناني الحجاز الكبار ممن وضعوا بصماتهم على الأغنية السعودية بصفة عامة، وكان سببا في عبورها إلى خارج الحدود مثلما فعل قبله طارق عبدالحكيم. وكذلك لقب «الحارس الأمين للتراث الفني السعودي»، وهو لقب حظي به بسبب تقديمه على مدى ست سنوات متواصلة برنامجا ناجحا من التلفزيون السعودي تحت عنوان «وتر وسمر»، وهو برنامج متميز حاول فناننا من خلاله توثيق وتأصيل التراث الغنائي والفني كي يبقى بين الأجيال القادمة. وحينما توقف إنتاج وعرض البرنامج قبل أربعة عقود، لم يجد جميل محمود أمامه بديلا سوى عقد جلسات طربية أسبوعية أطلق عليها «الأحدية» لأنها كانت تقام كل مساء أحد في داره بمكة المكرمة بدءا من عام 1992 بحضور شعراء معروفين على رأسهم الراحل إبراهيم خفاجي، علاوة على كل من له صلة بالفن سواء من المطربين أو العازفين أو المتذوقين أو النقاد الفنيين. وحول «الأحدية» سُجل عن جميل محمود قوله: «الأحدية ليست امتدادا لوتر وسمر. هي أكثر من ذلك، بمعنى ألا يحدد للمطرب غناء التراث فقط، بل يُمنح الفرصة ليقدم ما يريد بكل احترام، وإنْ كان لدينا تعليق أو ملاحظة نتناقش بصراحة وعفوية».
ومن الذين كتبوا عن «الأحدية» الكاتب صادق الشعلان في صحيفة العرب (مصدر سابق)، حيث قال ما مفاده إن هذا المجلس الفني الأسبوعي «أصبح مشاعا عند قاطني مكة وخارجها، فجرت الألسن على تسميته بأحدية العم جميل»، مضيفا: «لا تخرج فئات مرتاديه عن 3؛ إما عازف أو مغن أو مستمع، ومن لا يحمل هذه الصفات لا وجود له في المجلس». ثم تحدث الشعلان عن أنظمة المجلس التي أرساها صاحبه وتقبلها ضيوفه برحابة صدر وغدت سارية على مرتاديه فقال: «إنْ صادف دخول شخص أثناء تأدية لأغنية فيستوجب عليه الجلوس أولاً، وحال انتهائها يبدأ بالسلام على الموجودين ومصافحتهم، ليس هذا وحسب، بل شملت الأنظمة المشاركات الغنائية فأقر عدد المشاركات بمعدل أغنيتين لكل مغن حتى تتسنى للبقية المشاركة، علاوة على أن الصعود إلى منصة الغناء يرضخ لأولوية حضور المجلس».
رفض تكريم المجاملات ودعوات المناسبات
وفي حوار أجرته معه صحيفة المدينة (9/12/2018) كشف جميل محمود أنه يرفض تكريم المجاملات، ودعوات المشاركة في المناسبات، ويفضل أن تعطى الفرصة للشباب الموهوب فنيا، قائلا: «أنا اليوم ولله الحمد على كل حال في مرحلة لا تسمح لي بالحضور والتواجد في مناسبات كثيرة، وأقولها بكل صدق أنا وبفضل الله سعيد بما حققته وبما وصلت إليه، ويكفيني الحب الذي أجده في كل مكان، وسأواصل تقديم رسالتي بهدوء وصمت. وفي ظل تجاهل الإعلام وبالتحديد الإذاعة والتلفزيون لأعمال الفنانين الرواد والاكتفاء بتقديم أغنيات لفنانين معينين، فقد وهبت كل وقتي الآن للواتساب، ومن خلال مشاركتي في مجموعات كبيرة فيه، أقدم أعمالي والتقي بجمهوري الحبيب، وألبي كل طلباتهم، وهذا أمر يسعدني جداً لأنه عبارة عن تواصل مع الناس في ظل تجاهل بعض الوسائل الإعلامية لنا ولأعمالنا».
ثم أضاف: «كل ما قدمته وأقدمه هو جهد المقل، وأنا بقدر ما أستطيع أريد أن أوفق في تقديم رسالتي الفنية ورسالتي العملية، وإنْ كانت الرسالة العملية أخذت كل وقتي، ولو كنت متفرغاً للفن بشكل كامل في بدايات المشوار، لكان لي وضع آخر اليوم، ولكن الحمد لله، وأنا أقولها بكل صدق الفن عندي هواية، ولم أفكر في يوم من الأيام أن أقتات من الفن أبداً.. وهذا ما جعلني لا أحسد أحداً على عمل فني جميل قدمه، بل أقول بيني وبين نفسي إنني سأسعى إلى تقديم عمل جميل مثله، فهنا يحصل الخلق في العمل بدلا من الحسد، فالحسد مثل النار يأكل بعضه. نحن أول كنا عندما نسمع أغنية نعرف فوراً من ملحنها، واليوم تسمع 200 أغنية ولا تعرف هي لمن».
ومما يتذكره فناننا، ويعتبر دليلا على زمن فني سابق خال من الحسد والغرور، أنه ذهب ذات مرة برفقة لطفي زيني وحسن دردير وعبادي الجوهر لزيارة طلال مداح فقال له الأخير: «أريدك أن تعطي عبادي الجوهر من ألحانك» وكان رد جميل محمود: «لا يوجد لدي إلا لحن أغنية (سمار) الذي جهزته لك»، فما كان من طلال إلا أن سارع بالتنازل عن اللحن المذكور لزميله عبادي الذي غنى لاحقا ألحانا أخرى لجميل محمود بتزكية من طلال، من أبرزها «اللي مو عالبال حالو صعيب»، و«خايف منك ومن حبك».
وأخيرا فقد حاز فناننا العديد من الأوسمة والدروع. منها ما أعطيت له بصفته العسكرية مثل: وسام الملك فيصل، ووسام ملك إسبانيا، ووسام الرئيس الفنزويلي، ووسام الرئيس الفرنسي. ومنها ما نالها بصفته الفنية مثل: درع المفتاحة بأبها، ودرع مهرجان الرواد العرب تحت رعاية جامعة الدول العربية في مصر، ودرع هرم الحجاز، ودرع إدارة التعليم في مكة، ودرع نادي الوحدة الثقافي الرياضي بمكة. ومن التكريمات الأخرى التي حظي بها الموسيقار جميل محمود، تكريم من منظمة الأمم المتحدة، وآخر من المركز العالمي المصري للسلام وحقوق الإنسان الذي منحه درجة الدكتوراه الفخرية.
أتذكر أنه في أثناء إجازة نهاية الأسبوع المدرسية في الخمسينات كنا ننتقل من الخبر إلى الدمام لقضاء يوم الجمعة في منزل عمي الكبير بالقرب من المبنى القديم لوزارة المالية. وكان بالقرب من هذا المبنى «ستوديو العصري»، لصاحبه ابن امارة عجمان محمد ناصر، الذي كان يضع في فترينته بروازا أنيقا يضم صورة مكبرة ملونة يدويا لشاب يرتدي بزة عسكرية. وحينما استفسرت عن صاحب الصورة، قالوا لي إنها لجميل محمود، الذي يمنح رخص القيادة، فكانت تلك المرة الأولى التي أسمع باسمه وأرى صورته. لاحقا صرنا نراه مرارا وتكرارا وهو يغني من خلال شاشة تلفزيون أرامكو أو من خلال صوره المطبوعة على أغلفة الأسطوانات، بل رحنا نردد أغانيه ونترنم بها، لاسيما أغنيته الخالدة «سمراء رقي للعليل الباكي».
النشأة في مكة
ولد جميل محمد علي محمود في حي المسفلة بمكة المكرمة عام 1940، ودرس كأبناء زمنه في الكتاتيب مثل «كتاب صبرية» و«كتاب حُمصانية» و«كتاب الشيخ السيد حمود» بمسجد سيدي حمزة بالمسفلة، قبل أن ينتقل وهو في الخامسة إلى «المدرسة العزيزية» لبدء مرحلة الدراسة الابتدائية، حيث اختير ليكون مقرئ المدرسة بسبب جمال صوته وحسن أدائه. بعد ذلك انتقل للدراسة بمدرسة تحضير البعثات (تغير اسمها عام 1374 للهجرة إلى المدرسة العزيزية الثانوية) في حي الزاهر بمكة، وكان خلالها أيضا مقرئ المدرسة، بل كان ينتهز فترات الفسح ما بين الدروس ليغني لزملائه، فكانت خيزرانات المعلمين له بالمرصاد. وقد اعترف الرجل أنه في شبابه المبكر فعل ما كان يفعله أقرانه من أبناء مكة وهو العمل في الطوافة خلال مواسم الحج، خصوصا مساعدة حجاج جنوب آسيا في الطواف (طالع صحيفة العرب اللندنية ــ 5/12/2019).
في تلك الفترة المبكرة من حياته استهواه الفن والموسيقى، فراح يكثر من الاستماع إلى محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وصالح عبدالحي وسلامة حجازي وغيرهم من عمالقة الطرب المصريين. ومن آيات تعلقه بالفن والطرب الأصيل أنه كان يحرص على سماع أغاني أم كلثوم من الإذاعة مساء كل جمعة، ويعيد غناءها كاملة مساء يوم السبت، كما كان يسمع الأسطوانات ظهرا ويغني أغانيها عصرا لزملائه. والجدير بالذكر أن مرحلة دراسته الابتدائية شهدت دخوله الإذاعة السعودية للإنشاد مع أقرانه الصغار من خلال برنامج «ركن الأطفال» الذي كان يعده ويقدمه بابا طاهر (الشاعر الراحل طاهر زمخشري المتوفى عام 1987)، ما تعزز معه عشقه للغناء مذاك.
الملازم الثاني
في أعقاب تخرجه من مدرسة تحضير البعثات حاملاً شهادة الثانوية العامة، واصل دراسته في كلية الشرطة في القاهرة التي تخرج منها عام 1957 برتبة «ملازم ثاني». وفي القاهرة، عاصمة الفنون وقلعة الطرب والموسيقى وموطن عمالقة الغناء، وجد جميل محمود نفسه منجذبا لتعلم العزف على العود والنوتة الموسيقية من باب الهواية، فتعلمهما على يد مدرس خصوصي من أصل فلسطيني اسمه «محمد عليوه»، واقتنى عودا من الأسواق اشتراه بجنيهين ونصف الجنيه، من أجل التمرين والدندنة في أوقات فراغه.
وقبل الاستطراد، لا بد من الإشارة إلى أن صاحبنا أتيحت له أثناء مشواره الوظيفي زيادة حصيلته العلمية في مجال تخصصه الشرطي، فقد ابتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة بأكاديمية الشرطة العالمية التي حصل منها على دبلوم في الرماية وآخر في مكافحة الشغب، وثالث في القيادة والإشراف. ومن ثمّ تمّ ابتعاثه مجددا إلى مصر للدراسة بمعهد الضباط والقادة الذي منحه درجة الماجستير في العلوم الشرطية.
كانت أول وظيفة شغلها جميل محمود بعد تخرجه من مصر وعودته إلى بلاده، هي وظيفة مدير مرور المنطقة الشرقية، الأمر الذي انتقل معه من مسقط رأسه بمكة المكرمة إلى الدمام. وعليه فإن للمنطقة الشرقية بصفة عامة ومدينة الدمام بصفة خاصة في قلب جميل محمود مكانة خاصة ليس فقط لأنه بدأ مشواره الوظيفي منها، وإنما لأن شهرته كفنان وملحن وشاعر غنائي بدأت من هناك أيضا.
استغلال الفراغ بالموسيقى
أثناء عمله بالمنطقة الشرقية استغل ساعات فراغه في ممارسة الغناء والعزف على العود، في المناسبات الخاصة وسط أصدقائه ومعارفه، ما جعل اسمه يتردد شيئا فشيئا خارج تلك الحلقة الضيقة كفنان أصيل وصاحب حنجرة قوية وأداء جميل. وصادف في هذه الفترة أن عاد الملك سعود إلى وطنه من بعد رحلة علاجية طويلة في الخارج، فأقيمت الاحتفالات بهذه المناسبة، ومنها احتفال جماهيري بحديقة البلدية في شارع الأمير طلال بمدينة الخبر حضره أكثر من 13 ألف شخص، وشارك فيه فناننا بالغناء، وهو ما أطلق شهرته وجعل اسمه يتردد على كل لسان. وهو أيضا ما دفع محطة تلفزيون أرامكو من الظهران (ثاني محطة تلفزيونية في العالم العربي من بعد محطة تلفزيون بغداد، وبدأت البث في سبتمبر 1957) لإقناعه بتسجيل أغانيه في المحطة بأسلوب سينمائي كي تبث من حين إلى آخر ضمن فقرات البرامج اليومية، وكي تساهم في الارتقاء بالذائقة الفنية المحلية، خصوصا أن عدد الفنانين المحليين كان -وقتذاك- يعد على الأصابع. وبهذا سجل الرجل اسمه كأول فنان سعودي وخليجي يظهر على الشاشة الفضية وذلك في عام 1959.
من ناحية أخرى، كانت المنطقة الشرقية هي المكان الذي تعرف فيه جميل محمود على الشاعر يحيى توفيق حسن الذي كتب كلمات واحدة من أجمل أغانيه وأكثرها شهرة، وهي أغنية «سمراء». فقد كان الشاعر متواجدا -آنذاك- في الدمام بحكم العمل وكانت تجمعه مع جميل محمود جلسات وسهرات غنائية بمنزل الزعيم حسن قناديلي وكيل الأمن العام بالمنطقة الشرقية آنذاك، ولأن جميل محمود لم يكن يمتلك سيارة وقتها فكان توفيق يقوم بتوصيله إلى داره. وذات مرة سأله الأخير هل تلحن؟ فرد بالإيجاب، فما كان من توفيق إلا أن أسمعه أربعة أبيات من قصيدة سمراء التي أعجبت فناننا وقام بتلحينها ثم غنائها بصوته.
ومن ناحية ثالثة تعرف جميل محمود أثناء عمله بالمنطقة الشرقية على التاجر عبدالله حبيب صاحب محل توزيعات الشرق بالخبر؛ الذي كان أول من سجل وسوق أسطوانة تحتوي على تلك الأغنية الأسطورية، بل كان حبيب هو من قدمها ضمن باقة من الأغاني الأخرى إلى المطربة اللبنانية هيام يونس كي تؤديها بصوتها، وهو ما حدث بالفعل حيث غنت هيام يونس «سمراء» في عام 1962 دون أن تلتقي بصاحب الأغنية وجها لوجه إلا في عام 1964 حينما سافر فناننا إلى لبنان مع طلال مداح وعبدالله محمد للمشاركة في حفلات غنائية هناك كان من نجومها أيضا هيام يونس وأبوبكر سالم بلفقيه وفرج المبروك، فحدث أول لقاء بينهما، ليتواصل تعاونهما مذاك في العديد من الأعمال الأخرى. هذا علما بأن «سمراء» لم تكن أولى أغاني جميل محمود، وإنْ كانت أول قصيدة يلحنها ويؤديها. فقد سبقتها في عام 1958 أغنية لحنها وكتب كلماتها فناننا في القاهرة بمناسبة عيد ميلاد ابنة أخته، وتلتها أغنية عاطفية من تلحينه وكلماته وأدائه بعنوان «احترت أنا في الحب».
في الشرقية اكتشاف موهبته الشعرية
وفي المنطقة الشرقية أيضا اكتشف جميل محمود موهبته الشعرية، فكتب في الفترة ما بين عامي 1959 و1961 مجموعة من الأعمال الغنائية منها: «احترت أنا في الحب»، «حبيبي الأسمر»، «أبكي على قلبي»، «حبيبي اوعدني»، «ليه خنتني في العهد»، «مظلوم بهجرك ليه»، «أول نظره»، و«بنيت أملي معاك». علما بأن صاحبنا لحن ما يقارب 500 لحن منها ألحان لأغاني الأطفال وأخرى لأغانٍ وصفية لبعض المناطق السعودية، وكتب أكثر من 50 نصا غنائيا، وأدى أغاني متنوعة أغلبها عاطفي.
ومن المعلوم أيضا عن جميل محمود أنه لم يحصر تعاونه مع الفنانين من مواطنيه من أمثال طلال مداح وعبادي الجوهر وعبدالمجيد عبدالله وابتسام لطفي وسعيد مقبل ويحيى لبان وطلال هزاع وطلال عباس وعودة سعيد وعبدالقادر حلواني والفنان محمد ابراهيم المطوع الشهير باسم محمد السراج، بل أعطى ألحانه أيضا لعدد من الفنانين العرب. فعلاوة على هيام يونس التي غنت نحو 30 أغنية من ألحانه، غنى له الفنان الكبير وديع الصافي (كعبة الإلهام)، والمطربة شريف فاضل (راحت حياة العذاب)، والمغربية رجاء بلمليح (أغنيات: «سافر وروح» و«يا أمل عطشان» و«انسى اللي راح»)، والتونسية عايدة بوخريص (أغنيات: «يا ساري» و«عاتب» و«إن كان عذابي» و«يا غصن يا مياس»)، والفنان البحريني الراحل أحمد ياسين (أغنيات: «دمعة مني» و«يا ناسيني») والمغربية نادية رشدي (أكذب عليك).
خلال مسيرته الوظيفية التي انتهت بتقاعده في نهاية عام 1980 وهو برتبة عقيد، عمل جميل محمود في معظم مجالات الأمن العام مثل أقسام الشرطة وشُعَبْ السجون والحقوق المدنية والتحقيقات الجنائية والضبط الجنائي والعلاقات العامة. أما المناصب التي شغلها فشملت -علاوة على منصب مدير مرور المنطقة الشرقية- مناصب مدير مرور منطقة الرياض ومدير مرور المدينة المنورة ومساعد مدير شرطة منطقة الرياض. وخلال شغله كل هذه المناصب لم ينقطع الرجل عن الاهتمام بالفن والموسيقى واحتضان الموهوبين وتشجيعهم. إذ وجد ابداعه في عالم الفن مكملا لإبداعه في عالم الشرطة وتنظيم المرور، فهو القائل لصحيفة الشرق الأوسط (15/7/2020): «أثرت موهبتي على عملي كثيراً، حيث كنت أستمتع بعملي لأنني اعتبرته فناً أيضاً، وفي الوقت ذاته لم أخلط لحظة بين شخصيتي بالزي العسكري وبين فني، حيث لم أقبل أن يناديني أو يعاملني أي شخص كفنان، وعندما أحتضن العود لم أكن أقبل أن أعامل كعسكري».
الهرم الحجازي
من الألقاب التي التصقت باسمه لقب «الهرم الحجازي» باعتباره أحد فناني الحجاز الكبار ممن وضعوا بصماتهم على الأغنية السعودية بصفة عامة، وكان سببا في عبورها إلى خارج الحدود مثلما فعل قبله طارق عبدالحكيم. وكذلك لقب «الحارس الأمين للتراث الفني السعودي»، وهو لقب حظي به بسبب تقديمه على مدى ست سنوات متواصلة برنامجا ناجحا من التلفزيون السعودي تحت عنوان «وتر وسمر»، وهو برنامج متميز حاول فناننا من خلاله توثيق وتأصيل التراث الغنائي والفني كي يبقى بين الأجيال القادمة. وحينما توقف إنتاج وعرض البرنامج قبل أربعة عقود، لم يجد جميل محمود أمامه بديلا سوى عقد جلسات طربية أسبوعية أطلق عليها «الأحدية» لأنها كانت تقام كل مساء أحد في داره بمكة المكرمة بدءا من عام 1992 بحضور شعراء معروفين على رأسهم الراحل إبراهيم خفاجي، علاوة على كل من له صلة بالفن سواء من المطربين أو العازفين أو المتذوقين أو النقاد الفنيين. وحول «الأحدية» سُجل عن جميل محمود قوله: «الأحدية ليست امتدادا لوتر وسمر. هي أكثر من ذلك، بمعنى ألا يحدد للمطرب غناء التراث فقط، بل يُمنح الفرصة ليقدم ما يريد بكل احترام، وإنْ كان لدينا تعليق أو ملاحظة نتناقش بصراحة وعفوية».
ومن الذين كتبوا عن «الأحدية» الكاتب صادق الشعلان في صحيفة العرب (مصدر سابق)، حيث قال ما مفاده إن هذا المجلس الفني الأسبوعي «أصبح مشاعا عند قاطني مكة وخارجها، فجرت الألسن على تسميته بأحدية العم جميل»، مضيفا: «لا تخرج فئات مرتاديه عن 3؛ إما عازف أو مغن أو مستمع، ومن لا يحمل هذه الصفات لا وجود له في المجلس». ثم تحدث الشعلان عن أنظمة المجلس التي أرساها صاحبه وتقبلها ضيوفه برحابة صدر وغدت سارية على مرتاديه فقال: «إنْ صادف دخول شخص أثناء تأدية لأغنية فيستوجب عليه الجلوس أولاً، وحال انتهائها يبدأ بالسلام على الموجودين ومصافحتهم، ليس هذا وحسب، بل شملت الأنظمة المشاركات الغنائية فأقر عدد المشاركات بمعدل أغنيتين لكل مغن حتى تتسنى للبقية المشاركة، علاوة على أن الصعود إلى منصة الغناء يرضخ لأولوية حضور المجلس».
رفض تكريم المجاملات ودعوات المناسبات
وفي حوار أجرته معه صحيفة المدينة (9/12/2018) كشف جميل محمود أنه يرفض تكريم المجاملات، ودعوات المشاركة في المناسبات، ويفضل أن تعطى الفرصة للشباب الموهوب فنيا، قائلا: «أنا اليوم ولله الحمد على كل حال في مرحلة لا تسمح لي بالحضور والتواجد في مناسبات كثيرة، وأقولها بكل صدق أنا وبفضل الله سعيد بما حققته وبما وصلت إليه، ويكفيني الحب الذي أجده في كل مكان، وسأواصل تقديم رسالتي بهدوء وصمت. وفي ظل تجاهل الإعلام وبالتحديد الإذاعة والتلفزيون لأعمال الفنانين الرواد والاكتفاء بتقديم أغنيات لفنانين معينين، فقد وهبت كل وقتي الآن للواتساب، ومن خلال مشاركتي في مجموعات كبيرة فيه، أقدم أعمالي والتقي بجمهوري الحبيب، وألبي كل طلباتهم، وهذا أمر يسعدني جداً لأنه عبارة عن تواصل مع الناس في ظل تجاهل بعض الوسائل الإعلامية لنا ولأعمالنا».
ثم أضاف: «كل ما قدمته وأقدمه هو جهد المقل، وأنا بقدر ما أستطيع أريد أن أوفق في تقديم رسالتي الفنية ورسالتي العملية، وإنْ كانت الرسالة العملية أخذت كل وقتي، ولو كنت متفرغاً للفن بشكل كامل في بدايات المشوار، لكان لي وضع آخر اليوم، ولكن الحمد لله، وأنا أقولها بكل صدق الفن عندي هواية، ولم أفكر في يوم من الأيام أن أقتات من الفن أبداً.. وهذا ما جعلني لا أحسد أحداً على عمل فني جميل قدمه، بل أقول بيني وبين نفسي إنني سأسعى إلى تقديم عمل جميل مثله، فهنا يحصل الخلق في العمل بدلا من الحسد، فالحسد مثل النار يأكل بعضه. نحن أول كنا عندما نسمع أغنية نعرف فوراً من ملحنها، واليوم تسمع 200 أغنية ولا تعرف هي لمن».
ومما يتذكره فناننا، ويعتبر دليلا على زمن فني سابق خال من الحسد والغرور، أنه ذهب ذات مرة برفقة لطفي زيني وحسن دردير وعبادي الجوهر لزيارة طلال مداح فقال له الأخير: «أريدك أن تعطي عبادي الجوهر من ألحانك» وكان رد جميل محمود: «لا يوجد لدي إلا لحن أغنية (سمار) الذي جهزته لك»، فما كان من طلال إلا أن سارع بالتنازل عن اللحن المذكور لزميله عبادي الذي غنى لاحقا ألحانا أخرى لجميل محمود بتزكية من طلال، من أبرزها «اللي مو عالبال حالو صعيب»، و«خايف منك ومن حبك».
وأخيرا فقد حاز فناننا العديد من الأوسمة والدروع. منها ما أعطيت له بصفته العسكرية مثل: وسام الملك فيصل، ووسام ملك إسبانيا، ووسام الرئيس الفنزويلي، ووسام الرئيس الفرنسي. ومنها ما نالها بصفته الفنية مثل: درع المفتاحة بأبها، ودرع مهرجان الرواد العرب تحت رعاية جامعة الدول العربية في مصر، ودرع هرم الحجاز، ودرع إدارة التعليم في مكة، ودرع نادي الوحدة الثقافي الرياضي بمكة. ومن التكريمات الأخرى التي حظي بها الموسيقار جميل محمود، تكريم من منظمة الأمم المتحدة، وآخر من المركز العالمي المصري للسلام وحقوق الإنسان الذي منحه درجة الدكتوراه الفخرية.