مثقفون أم حُسّاد؟
هل ينصب التنافس فخاخ العِداء بين المشتغلين بالفن الواحد؟
1443 / الأولى / Class="articledate">الجمعة جمادى 17 ديسمبر / هـ Class="articledate">الجمعة
(الباحة) الرباعي علي Al_arobai@
لا يختلف اثنان على أن المثقف مثل غيره من الكائنات، ولا تتباين النخبة عن مجتمعها التقليدي والآدمي قبل أن يكون مثقفاً أو كاتباً تطغى عليه خصيصة البشريّة، وتعتريه نوبات الغلّ والحقد والحسد الذي هو أوّل معصية لله في تاريخ بني آدم، ولم ينج فضاء الثقافة من تحاسد مثقفين، بسبب علاقات عاطفية، أو حصد البعض جوائز، أو نيل بعضهم إعجابا من الآخرين أو إشادة. وفي ظل التنافس على مركز الضوء والتهافت على المكاسب تتأجج صراعات معلنة وخفيّة يقف وراءها مثقفون حُسّاد كثيراً ما نادوا بالإخاء والمثالية وسرعان ما انكشف الغطاء وانقلب الأحباء إلى أعداء في ظاهرة تستحق الوقوف عندها طويلا.
في البدء، كشف مدير بيت الشعر المصري السماح عبدالله عن حال القاص «يوسف إدريس» الذي كان محباً جداً لـ«نجيب محفوظ»، وبينهما حكايات ومسامرات ورسائل وزيارات، ويضع إدريس محفوظ طوال الوقت في مقدمة الساردين العرب، مؤكداً أنه بمجرد إعلان نبأ فوز «نجيب محفوظ» بجائزة نوبل، انقلب «يوسف إدريس» من خانة الأحباب إلى خانة الأعداء، ودبّج مقالات شديدة السخونة يهجو محفوظ فيها،حد اتهامه بالتطبيع مع إسرائيل.
وعدّ السماح عبدالله جائزة نوبل حالة استثنائية، وغير متكررة في الأدب العربي، موضحاً أنه بدأ الكلام بها، ليدلل على أن التحاسد موجود، وبكثرة، في حياتنا الأدبية، بين الأسماء ذات البريق اللامع، فما بالنا بالأعطيات والجوائز والمناصب المتاحة والمتكررة بين أصحاب الأسماء غير ذات البريق؟
ويرى السماح أن الأدباء بشر، والتحاسد أحد أبرز الصفات الإنسانية، يعزز ذلك أن الميزان أصلا غير معتدل في حالاته كلها، كون الكعكة المخصصة للأدباء في مجتمعاتنا العربية زهيدة بطبيعتها، والمتصارعون عليها أكثر مما يظن ظان، ومن الطبيعي أن ينال الأنصبة الكبيرة منها هؤلاء الذين يمتلكون قدرات إضافية، لا علاقة لها بالمنجز الكتابي، منها علو الصوت، والتقرب لأصحاب الأعطيات، ومنها ما يندى له الجبين، وكثير يمنعهم الحياء من بذل ماء الوجه، فيظلون دائما في هذه المنطقة غير المضيئة من الرقعة الأدبية، على جودة ما يكتبون، الأمر الذي يجعل من التحاسد وحشا كبيرا يسير في شوارعنا، ويتسيد المشهد. وقال السماح «نحن لا نملك مقياسا حقيقيا للإبداع الجيد، فلا النقاد يلعبون دورهم، ولا المنابر جادة، ولا القارئ يعول عليه، وأصبحنا مع الوقت، نقدم بضاعة غير رائجة، فيما الشاطئ الآخر من الدنيا، لديه مقاييس حقيقية، تتمثل في القارئ، فالكاتب الغربي ليس في حاجة على الإطلاق لحكومة أو حزب أو جماعة، طالما لديه قارئه الذي يشتري مؤلفاته، فيكسب، ويصبح في غنى حتى عن الجوائز والنقاد والمنابر، ويشعر بالتحقق بسبب قلمه وحده، أما نحن فنمسك في يد قلما، وفي الأخرى خنجرا، لأننا لا نملك حائطا حقيقيا يحمينا، ولا مرجعية ثابتة نثبت أقدامنا عليها».
ويذهب الناشر السوري الدكتور مجد حيدر الى أن صاحب المشروع الثقافي لا يلتفت لغيره إلا التفاتة الغبطة، وبذل الجهد في استكمال مشروعه، لافتاً إلى التفريق بين مُشتغلٍ بالإبداع وبين مشغول بالإيداع، إذ كلما تحوّلت الثقافة والفن والإعلام والنشر إلى «بزنس» اشتعلت نيران الحسد التي لا سبيل لإخمادها كما وصف.
فيما عدّ القاص فهد الخليوي الغيرة الحمقاء داء أزليا بين المشتغلين بالفنّ الواحد من العلماء والأدباء والشعراء والناشرين والإعلاميين.
ويجزم القاص السوري ماهر راعي أن المثقفين يتحاسدون، وعزا تحاسدهم إلى أسباب عدة منها كون الإنسان مفطورا على هذا وإن لم يكن الأمر فطرة فهو بمثابة طبع ثان لعبت الثقافة والتربية في تغذيته وتصنيعه على أكمل وجه من خلال ثقافة التمييز والانحياز وغيرها من سبل التفضيل غير الموضوعية. ويرى أن الابتعاد عن الحسد يحتاج إلى جرعات قوية من الصحة النفسية التي تجعل الشخص ينظر إلى فوز وتميز الآخر بعين أوسع، وبمعان إنسانية تهتم بالجمال وتمديد مساحته أياً يكن المنتج سواء كان للشخص نفسه أو لغيره.
وعدّها الشاعر اليمني فتحي أبو النصر بلاهات وتفاهات صغيرة. ويضع الإعلامي اليمني صالح البيضاني تحاسد الأدباء والمثقفين في خانة امتداد اللعب على الجانب العاطفي والنفسي الذي يشكّل كثيراً من انفعالاتهم، ما يجعله هادرا وعاصفا، وغالبا ما يتكثف في جانبه الإيجابي على شكل حراك ثقافي ومعارك أدبية، بينما جانبه السلبي يتضمن اتهامات متبادلة بالسرقات الأدبية والتأثير والتأثر والتقليل من حجم المنجز الأدبي. ويعزو تحاسد المثقفين إلى تنافس على المكانة الأدبية والمشاركات في المشهد الثقافي والإعلامي والحضور والتكريم والجوائز، مضيفاً أن البعض ينجح في تحويل حسده وغيرته إلى غبطة وبعضهم يقع في حبائل الحسد الذي لا نجاة منه.
وتؤكد الروائية رحاب أبو زيد أنه في البدء كان الحسد وسوء الظن ثم كانت الثقافة. وترى أن من أساسيات الثقافة النأي بالنفس عن الدناءة، فالحسد والدناءة صنوان. وعدّت الثقافة فضاءً لا يعطي رواده شهادات ولا مكافآت، ولا يطالب مريديه ببطاقات عبور، إلا أن اكتساب تقدير المثقفين أصعب من تحقيق الجماهيرية والشهرة، وتفرّق بين مثقفة بسلوكياتها وعطائها وفكرها وبين ما يفرضه المشهد، لافتةً إلى أن الاشتغال والانشغال بالثقافة الصميمة، مدعاة للتحاسد بين المثقفين والمثقفات أنفسهم، وبينهم وبين الأشباه والأنصاف والمقلدين على ضفة أخرى، مشيرةً إلى أن الآليات التي يتصرف بها الحاسد المثقف لا تختلف عن تلك التي يستمتع بممارستها الحاسد العادي. وعدّت انتظار تغريدة إشادة أو شكر أو قراءة وتحليل لإصدار جديد، حسن ظن مبالغا فيه وساذجا، في ظل العِلم بغرف خلفية للحاسدات والحاسدين وما يروجون له من سلبية لتهميش العمل الجيد، واقصاء الصوت النقي، وتغييب موضوعية النقد، التي بها الموت البطيء للإبداع.
في البدء، كشف مدير بيت الشعر المصري السماح عبدالله عن حال القاص «يوسف إدريس» الذي كان محباً جداً لـ«نجيب محفوظ»، وبينهما حكايات ومسامرات ورسائل وزيارات، ويضع إدريس محفوظ طوال الوقت في مقدمة الساردين العرب، مؤكداً أنه بمجرد إعلان نبأ فوز «نجيب محفوظ» بجائزة نوبل، انقلب «يوسف إدريس» من خانة الأحباب إلى خانة الأعداء، ودبّج مقالات شديدة السخونة يهجو محفوظ فيها،حد اتهامه بالتطبيع مع إسرائيل.
وعدّ السماح عبدالله جائزة نوبل حالة استثنائية، وغير متكررة في الأدب العربي، موضحاً أنه بدأ الكلام بها، ليدلل على أن التحاسد موجود، وبكثرة، في حياتنا الأدبية، بين الأسماء ذات البريق اللامع، فما بالنا بالأعطيات والجوائز والمناصب المتاحة والمتكررة بين أصحاب الأسماء غير ذات البريق؟
ويرى السماح أن الأدباء بشر، والتحاسد أحد أبرز الصفات الإنسانية، يعزز ذلك أن الميزان أصلا غير معتدل في حالاته كلها، كون الكعكة المخصصة للأدباء في مجتمعاتنا العربية زهيدة بطبيعتها، والمتصارعون عليها أكثر مما يظن ظان، ومن الطبيعي أن ينال الأنصبة الكبيرة منها هؤلاء الذين يمتلكون قدرات إضافية، لا علاقة لها بالمنجز الكتابي، منها علو الصوت، والتقرب لأصحاب الأعطيات، ومنها ما يندى له الجبين، وكثير يمنعهم الحياء من بذل ماء الوجه، فيظلون دائما في هذه المنطقة غير المضيئة من الرقعة الأدبية، على جودة ما يكتبون، الأمر الذي يجعل من التحاسد وحشا كبيرا يسير في شوارعنا، ويتسيد المشهد. وقال السماح «نحن لا نملك مقياسا حقيقيا للإبداع الجيد، فلا النقاد يلعبون دورهم، ولا المنابر جادة، ولا القارئ يعول عليه، وأصبحنا مع الوقت، نقدم بضاعة غير رائجة، فيما الشاطئ الآخر من الدنيا، لديه مقاييس حقيقية، تتمثل في القارئ، فالكاتب الغربي ليس في حاجة على الإطلاق لحكومة أو حزب أو جماعة، طالما لديه قارئه الذي يشتري مؤلفاته، فيكسب، ويصبح في غنى حتى عن الجوائز والنقاد والمنابر، ويشعر بالتحقق بسبب قلمه وحده، أما نحن فنمسك في يد قلما، وفي الأخرى خنجرا، لأننا لا نملك حائطا حقيقيا يحمينا، ولا مرجعية ثابتة نثبت أقدامنا عليها».
ويذهب الناشر السوري الدكتور مجد حيدر الى أن صاحب المشروع الثقافي لا يلتفت لغيره إلا التفاتة الغبطة، وبذل الجهد في استكمال مشروعه، لافتاً إلى التفريق بين مُشتغلٍ بالإبداع وبين مشغول بالإيداع، إذ كلما تحوّلت الثقافة والفن والإعلام والنشر إلى «بزنس» اشتعلت نيران الحسد التي لا سبيل لإخمادها كما وصف.
فيما عدّ القاص فهد الخليوي الغيرة الحمقاء داء أزليا بين المشتغلين بالفنّ الواحد من العلماء والأدباء والشعراء والناشرين والإعلاميين.
ويجزم القاص السوري ماهر راعي أن المثقفين يتحاسدون، وعزا تحاسدهم إلى أسباب عدة منها كون الإنسان مفطورا على هذا وإن لم يكن الأمر فطرة فهو بمثابة طبع ثان لعبت الثقافة والتربية في تغذيته وتصنيعه على أكمل وجه من خلال ثقافة التمييز والانحياز وغيرها من سبل التفضيل غير الموضوعية. ويرى أن الابتعاد عن الحسد يحتاج إلى جرعات قوية من الصحة النفسية التي تجعل الشخص ينظر إلى فوز وتميز الآخر بعين أوسع، وبمعان إنسانية تهتم بالجمال وتمديد مساحته أياً يكن المنتج سواء كان للشخص نفسه أو لغيره.
وعدّها الشاعر اليمني فتحي أبو النصر بلاهات وتفاهات صغيرة. ويضع الإعلامي اليمني صالح البيضاني تحاسد الأدباء والمثقفين في خانة امتداد اللعب على الجانب العاطفي والنفسي الذي يشكّل كثيراً من انفعالاتهم، ما يجعله هادرا وعاصفا، وغالبا ما يتكثف في جانبه الإيجابي على شكل حراك ثقافي ومعارك أدبية، بينما جانبه السلبي يتضمن اتهامات متبادلة بالسرقات الأدبية والتأثير والتأثر والتقليل من حجم المنجز الأدبي. ويعزو تحاسد المثقفين إلى تنافس على المكانة الأدبية والمشاركات في المشهد الثقافي والإعلامي والحضور والتكريم والجوائز، مضيفاً أن البعض ينجح في تحويل حسده وغيرته إلى غبطة وبعضهم يقع في حبائل الحسد الذي لا نجاة منه.
وتؤكد الروائية رحاب أبو زيد أنه في البدء كان الحسد وسوء الظن ثم كانت الثقافة. وترى أن من أساسيات الثقافة النأي بالنفس عن الدناءة، فالحسد والدناءة صنوان. وعدّت الثقافة فضاءً لا يعطي رواده شهادات ولا مكافآت، ولا يطالب مريديه ببطاقات عبور، إلا أن اكتساب تقدير المثقفين أصعب من تحقيق الجماهيرية والشهرة، وتفرّق بين مثقفة بسلوكياتها وعطائها وفكرها وبين ما يفرضه المشهد، لافتةً إلى أن الاشتغال والانشغال بالثقافة الصميمة، مدعاة للتحاسد بين المثقفين والمثقفات أنفسهم، وبينهم وبين الأشباه والأنصاف والمقلدين على ضفة أخرى، مشيرةً إلى أن الآليات التي يتصرف بها الحاسد المثقف لا تختلف عن تلك التي يستمتع بممارستها الحاسد العادي. وعدّت انتظار تغريدة إشادة أو شكر أو قراءة وتحليل لإصدار جديد، حسن ظن مبالغا فيه وساذجا، في ظل العِلم بغرف خلفية للحاسدات والحاسدين وما يروجون له من سلبية لتهميش العمل الجيد، واقصاء الصوت النقي، وتغييب موضوعية النقد، التي بها الموت البطيء للإبداع.