خيرية السقاف.. مشكاة التنوير وصاحبة العطاء اللامحدود
/ 1443 2022 13 هـ الاثنين رجب Class="articledate">الاثنين /
عبدالله د المدني بقلم:
سيدة الصبر والنجاح
هذه حكاية وسيرة واحدة من النساء السعوديات الرائدات في مجال الشعر والأدب والصحافة والعمل الأكاديمي ممن حصلن على أرفع الأوسمة الوطنية، ممثلة في وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، الذي حصلت عليه خلال تكريمها في الدورة 32 لمهرجان الجنادرية للتراث والثقافة سنة 2018. هذا ناهيك عن اختيارها كشخصية نسائية سعودية متميزة في عام 2001 حينما تمّت تسمية الرياض عاصمة للثقافة العربية، وحصولها في عام 2014 على جائزة وزارة الحج للتميز الأدبي في فن المقال، ونيلها في عام 2015 جائزة مجلة سيدتي في الريادة والتميز في مجال الإعلام.
أطلق عليها أديب ومفكر الحجاز النهضوي محمد حسن عواد (ت: 1980) لقب «الشاعرة الناثرة»، ولقبها الإعلامي الكبير الراحل عبدالرحمن الشبيلي (ت: 2019) بـ«مشكاة التنوير»، وقال عنها إنها «مشكاة أسرجت سماء الثقافة بقناديل المعرفة»، ووصفتها الكاتبة والشاعرة فوزية أبو خالد بـ«سنبلة المواسم وسدرة الصحراء ونخلة البلاد ونقاء الهواء وسيدة الصبر والنجاح وحمالة الصعاب ورمز الوفاء وعروة الصداقة».
وقال عنها الأديب والإعلامي حمد بن عبدالله القاضي رئيس تحرير المجلة العربية عضو مجلس الشورى السعودي سابقا إنها: «خيّرة في عطائها وأخلاقها والتزامها، هي جعلت لها سقفا وضعته هدفا أمامها ألا وهو أن تكون كلمتها إشعاع ضوء ينير الدرب ويهدي إلى البر ويرشد الشباب والشابات». أما الأكاديمي والناقد والأديب المعروف الدكتور عبدالله الغذامي فقد قال إنه لم ير في تاريخه مع القراءة نصا يحمل اسمها إلا وأحس نحوه بانجذاب خاص، مضيفا: «ما وضعت يدها على قلم إلا وصار يشع بالنور، وما دغدغت كلمة إلا وصارت تطير سابحة في الآفاق كأنما هي حمامة سلام ورسالة خير إنساني فياض». وفي كلمته بمناسبة تكريمها في مهرجان الجنادرية شبهها الغذامي بإسحاق نيوتن الذي دفعه سقوط التفاحة إلى البحث عن السبب حتى توصل لقانون الجاذبية، قائلا إنها لا تختلف عن نيوتن لجهة البحث المعرفي وإطلاق الأسئلة المحركة للعقل.
ابنة مكة المكرمة
تلك هي الدكتورة خيرية بنت إبراهيم السقاف ابنة مكة المكرمة التي ولدت ونشأت في بيت علم ودين وفكر. فهي تنتمي لأسرة ذائعة الصيت في الحجاز وصاحبة ذكر متكرر في تاريخها، بل إن كتب التراجم والأنساب والتاريخ تفيض بالحديث عن أرومتها العطرة، وعن فروعها وانتشارها في أرجاء الجزيرة العربية وفي دول جنوب شرق آسيا. هذا ناهيك عن التصاق اسم أسرتها بالتراث المعماري لمكة المكرمة التي تحتضن قصر السقاف التاريخي الأثري الذي شيدته العائلة في شارع الأبطح بالمعايدة قبل أكثر من 150 عاما، وهو القصر الذي اتخذه الملك عبدالعزيز مقرا لإقامته وقت دخوله مكة، وكان شاهدا على العديد من المناسبات والاتفاقيات واللقاءات السياسية التاريخية.
جدها الأكبر لجهة الأم هو العلامة «علوي بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السقاف» نقيب السادة العلويين ومفتي الشافعية بمكة وصاحب المصنفات في الفقه والعلوم والفلك الذي ولد بمكة عام 1255 للهجرة، ونشأ وتربى في حجر والده ودرس على يد كبار فقهاء زمنه قبل أن يقوم بالتدريس في الحرم المكي الشريف، علما بأنه اضطر أن يترك مكة في أواخر سنة 1311 للهجرة مع جماعة من العلماء تجنباً لأذى الشريف عون، فأقام في سلطنة لحج تلبية لدعوة سلطانها فضل بن علي العبدلي، وتولى أمر تدريس أهلها، قبل أن يعود إلى مكة عام 1327 للهجرة ويتوفى بها في عام 1335 للهجرة ويدفن بمقبرة المعلاة. وجدها المباشر لأمها هو أحمد بن علوي السقاف رئيس الديوان الهاشمي الأردني.
أما جدها لأبيها فهو قاضي قضاة مكة المكرمة ونقيب السادة العلويين فيها «محمد بن علوي السقاف». ووالدها هو إبراهيم بن محمد بن علوي السقاف مدير عام وزارة المالية والاقتصاد الوطني الأسبق، وأحد مؤسسي جامعة البترول والمعادن بالظهران وعضو مجلس إدارتها والذي توفي في جدة سنة 2019. زوجها هو شيخ المكتبيين الدكتور يحيى محمود بن جنيد أمين عام مكتبة الملك فهد ومكتبة جامعة الملك سعود سابقا والأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تاليا، الذي أنجبت منه إباء، وحيدر، ومحمد، ومعين.
شقيقها الأكبر هو رجل الأعمال محمد بن إبراهيم السقاف صاحب المساهمات المشهودة في تصميم وتطوير مشاريع الحدائق بمكة. ومن أشقائها أيضا الدكتور ماجد إبراهيم السقاف الحاصل على دكتوراه الاقتصاد من كلية بوول الإدارية بجامعة ولاية كارولينا الشمالية والذي شغل منصب رئيس قسم التمويل والتأمين في كلية الأعمال بجامعة جدة قبل أن يصبح وكيلا للتطوير بالكلية ذاتها. ومن أقاربها البارزين معالي عمر بن عباس السقاف (ت: 1974) وزير الدولة السعودي الأسبق للشؤون الخارجيّة، والساعد الأيمن للملك فيصل بن عبدالعزيز في الأمور الدبلوماسية في الزمن الصعب.
نسبها الرفيع هذا اقترن بشخصية مثالية وروح وثابة وسجايا كريمة وعمل دؤوب ووطنية مشهودة وتواضع جم وعشق للإبحار في دروب العلم والمعرفة، لتكتمل صورتها ببروزها على خارطة وطنها السعودي والخليجي كواحدة من الرائدات في أكثر من مجال. وحينما نقول إن خيرية السقاف رائدة فهي بحق كذلك، لأنها أول سيدة تتقلد منصب وكيلة عميد شؤون الطلاب والطالبات بجامعة الملك سعود بالرياض (أول وأقدم الجامعات السعودية والخليجية)، حيث شغلت هذا المنصب لمدة أربع سنوات أسست خلالها نظام الإسكان والأنشطة الثقافية الجامعية قبل أن تترقى وتصبح عميدة لمركز الدراسات الجامعية للبنات في الجامعة ذاتها من عام 1990 إلى عام 1997. كما أنها أول سعودية تعين كمديرة تحرير في جريدة محلية، والإشارة هنا إلى توليها هذه الوظيفة بجريدة الرياض في منتصف عقد الثمانينات الميلادية. هذا عدا عن كونها أول من أشرفت على أول ملحق نسائي بصحيفة سعودية (جريدة الرياض)، بل كانت أيضا أول من قام بتأسيس مجلة نسائية في إطار مجلة اليمامة في مطلع السبعينات الميلادية، علما بأنها حرصت على ألا تكون مجلتها هذه مجرد مطبوعة نسائية تُعنى بالطبخ والتنظيف وتدبير المنزل وإسعاد الزوج أو بمظهر المرأة من ناحية الملابس والماكياج والحلي، وإنما تميزت بتركيزها على ما يهم المرأة من معارف إنسانية، على حد قول الأديبة والشاعرة فوزية أبوخالد بجريدة الجزيرة (14/3/2018).
ومن مظاهر ريادتها الأخرى أنها أول من كتبت الزاوية الصحفية اليومية من نساء السعودية، وأول من كتبت منهن مقالا أدبيا إذاعيا يوميا وذلك حينما كانت على مقاعد الدراسة الثانوية في ستينات القرن العشرين، وأول من قامت بتشكيل أرضية لانطلاقة المرأة الصحفية، من خلال تأسيس مكتب نسائي للصحفيات، مقاومة كل الضغوط والصلاحيات المحدودة والإمكانيات المتواضعة وقتذاك، فنجحت في إخراج المرأة السعودية من منزلها وعالمها المقيد إلى عالم الصحافة الوليد. هذا ناهيك عن أنها من أوائل السعوديات اللواتي كتبن الشعر والقصة القصيرة.
في كل هذه المجالات التي كان لها فيها قصب السبق، عملت خيرية بصمت من دون ضجيج أو بهرجة أو ادعاء البطولات. وفي هذا السياق كتب عبده الأسمر عنها بجريدة الجزيرة السعودية (28/1/2019) قائلا: «بمعية القلم وسجية العلا روضت طوفان الأمنيات فحولته إلى برهان للإنجاز في محفل عمر حضر فيه الامتياز كفصل إِنساني جاور الفصول الأربعة.. ارتدت جلباب اليقين الأدبي وطرزت عباءة وطنية خضراء بمقاسات معرفية لتكون منتجًا أول وإنتاجًا أمثل للباحثات عن أسرار النهج واللاهثات خلف مراكز التوهج».
الانتقال إلى الرياض
بسبب الوظيفة الحكومية الرفيعة لوالدها بوزارة المالية والاقتصاد الوطني انتقلت خيرية مع أسرتها من مكة إلى العاصمة الرياض في سن الطفولة لتعيش في الأخيرة محفوفة برعاية أب مثالي ودعوات أم حنونة ونخوة أشقاء كرماء. وهكذا تفرغت وسط هذه الأجواء الأسرية الدافئة للتفرد والتميز والإبداع في دراستها وتحصيلها، ثم في هواياتها التي تسنمتها القراءة والكتابة، إذ كانت بمجرد عودتها من المدرسة والانتهاء من واجباتها المدرسية تتفرغ لقراءة كل ما يقع تحت يدها من مطبوعات، قبل أن تسل قلمها وتغوص في عالم الكتابة، ناقشة على الورق أحلامها وأمانيها وخواطرها.
تأثرت خيرية كثيرا بوالدها الذي كان يقضي الساعات الطويلة أمامها وهو يدون ويشرح المعاملات، ما جعل مسألة الكتابة تعتمر عقلها وتولد لديها عشرات الأسئلة منذ صغرها، لتغدو الكتابة عندها، منذ سنوات دراستها بالمرحلة المتوسطة، ضمن طقوسها اليومية قبل أن تتحول إلى مهنة وإبداع على صفحات الجرائد وزواياها وأعمدتها. ويمكن هنا أن نستشهد بما كتبه أستاذنا محمد بن عبدالرزاق القشعمي في عكاظ (6/2/2013) من أنها بدأت مسيرة الكتابة وهي لما تزل في السنة الأولى متوسطة وعمرها لا يتجاوز الثانية عشرة، وحينما كانت تذهب للبريد لتبعث بمقالاتها للصحف كانت تضطر للبحث عن كرسي تقف عليه حتى يراها موظف البريد، فلا يعتقد أنها طفلة فيهمل ما تسلمه منها.
تحدثت خيرية عن والدها ودوره المؤثر في حياتها، في مقال لها بجريدة الجزيرة (5/10/2019) تحت عنوان «حكاياتي مع إبراهيم» فوصفته بالأب المثالي الذي كان لها بمثابة البوصلة، والدليل، والحادي، والمصباح، قبل أن تضيف أنه هو الذي «زرع، حرث، وأسقى، وعندما نافت القدمان بي، ضرب الخيمة بساعدَيْ حدْبه، ليكون وتدها صدقه، وحبه، وحنانه، وفرحه، وخوفه.. فالأوتاد حين تتجذر، فإن شجرتها هو، وغصون هذه الشجرة عروقه، وسقياها دمه». أما هو فقال عنها: «تمتاز خيرية بالمثابرة الدائمة والقراءة ولا سيما القرآن الكريم فهو معها حيثما تذهب.. شرفتني كثيرا بسلوكها وعلمها وأخلاقها ومعاملتها مع الآخرين ومع أسرتها.. إننى راض عنها كل الرضا.. وهي راضية، حتى الرضا يطلب الرضا عنها».
بعد أن أنهت مراحل تعليمها النظامي التحقت بكلية الآداب في جامعة الملك سعود التي منحتها شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها. بعد ذلك سافرت إلى الولايات المتحدة للالتحاق بجامعة ميزوري كولومبيا (تأسست عام 1839 وتعد أقدم جامعة أمريكية في غرب نهر الميسيسبي) التي منحتها درجة الماجستير في مناهج اللغة والأدب وطرق تدريسها. لم تكتف خيرية بهاتين الشهادتين، فطموحها الدراسي كان أكبر من ذلك، لذا التحقت بعد عودتها من الولايات المتحدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض التي حصلت منها على درجة الدكتوراه في مناهج دراسة وتدريس اللغة العربية وآدابها.
أول وكيلة وعميدة
وخيرية التي اعتلت صهوة الأولوية بنجاح مبكرا كما أسلفنا، أبت إلا أن تحقق الأولوية أيضا في مسيرتها العملية. فمن بعد عملها عضوا بهيئة التدريس في جامعة الملك سعود وعضوا في اللجنة العلمية في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، تمّ تعيينها وكيلة لكليات البنات بجامعة الملك سعود لتدخل تاريخ بلدها كأول وكيلة من النساء على مستوى الجامعات السعودية، وكذلك أول عميدة حينما صدر قرار بتعيينها عميدة لمركز الدراسات الجامعية للبنات بالجامعة ذاتها.
وما بين الانشغال بالعملين الأكاديمي والإداري والكتابة الأدبية الإبداعية، لم تنس خيرية، التي كانت كاسمها خيرا على أسرتها ومجتمعها ووطنها، الصحافة التي تنفست من خلالها منذ نعومة أظفارها بدليل قولها «وهبت القلم عمري فأعطاني الحياة». إلى ذلك راحت تتفانى في أداء الواجبات الاجتماعية كحضور معارض تلميذاتها في الفن التشكيلي، والسهر على راحة طالباتها في السكن الجامعي والاحتفاء بالشخصيات النسائية الزائرة، وغير ذلك. وفي هذا السياق سُجل عن زوجها يحيى محمود بن جنيد قوله: «هي من قبل ومن بعد عنصر نشط في خدمة الإنسان، لا تكل ولا تمل من الشفاعة للآخرين، ولا تتردد في رفع صوتها عندما تقف في قضية مظلوم، ولا تتعب من البحث عن وسيلة لمساعدة محتاج أو تقديم النصح والمشورة لمن يقصدها».
أصدرت خيرية عدة مؤلفات أدبية وقصص قصيرة، ما جعلها في صفوف الأديبات السعوديات الرائدات. ففي عام 1982 أصدرت مجموعتها القصصية «أن تبحر نحو الأبعاد» التي تضمنت 18 قصة تناولت فيها جوانب الحياة الاجتماعية المختلفة في بلدها مع تركيز على عوالم المرأة السعودية المسكوت عنها، فكسرت بذلك التابوهات الاجتماعية ذات الصلة بحياة المرأة دون المس بالمسلمات الدينية والاجتماعية. ثم أصدرت كتابا من صميم تخصصها الأكاديمي بعنوان «مناهج دراسة الأدب العربي وتدريسه في الجامعات العربية»، فكتاب «عندما تهب الريح يعصف المطر»، الذي وضعت فيه تجربتها الحياتية ورسمت من خلاله بالحرف والجمل الإيقاعية المتناغمة مفهوم الصداقة. ولها أيضا كتاب «مأزق في المعادلة» الذي احتوى على مقالات أدبية، وصدر ضمن سلسلة «كتاب الرياض».
3 كتب بالإنجليزية عن الأديبة السعودية
يذكر أن ثلاثة كتب صدرت باللغة الإنجليزية تضمنت ضمن مواد أخرى إبداعات خيرية السقاف باعتبارها من الأديبات السعوديات المتميزات ومن صاحبات القلم الجريء ومن الأصوات النسائية ذات الحضور في الساحة. أول هذه الكتب صدر عام 1988 بدعم من جامعة الملك سعود تحت عنوان «مختارات من أدب الجزيرة العربية». في هذا الكتاب، الذي حررته الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي، جمعت الأخيرة فيه قطعا شعريا وقصصا قصيرة من بينها قصة «قطعة الفحم وقطعة النقود» لخيرية كونها تعطي صورة لواقع الحياة الاجتماعية في السعودية في زمن المعاناة والفاقة. وثاني هذه الكتب هو كتاب «اغتيال الضوء: قصص قصيرة سعودية حديثة» الذي صدر عام 1990 من تحرير وجمع أفا هينريتشسدورف وأبوبكر باقادر، اللذين وضعا في الكتاب 16 قصة سعودية قصيرة، كانت إحداها لخيرية السقاف وهي قصة «اغتيال الضوء عند مجرى النهر». أما الكتاب الثالث فقد ظهر في عام 1998 تحت عنوان «أصوات التغيير: قصص قصيرة لكاتبات سعوديات» من تحرير وترجمة أبوبكر باقادر وأفا هينريتشسدورف وديبرا إيكرز. وقد اشتمل هذا المؤلف، الذي يعد أول كتاب باللغة الإنجليزية يخصص بالكامل للإبداع الأدبي النسائي في السعودية، على 26 قصة لـ26 مبدعة سعودية، من بينها قصتان قصيرتان لخيرية السقاف هما «الفقد» و«الانعكاس»، وكلتاهما تصوران معاناة المرأة واضطهادها من قبل الرجل المتسلط. وفي عام 1994 أصدرت الدكتورة صديقة عرابي في نيويورك كتابا بالإنجليزية عنها بعنوان «المرأة والكلمات في العربية السعودية».
إلى ما سبق، لها بحوث علمية منشورة منها بحث بعنوان «ضعف اللغة العربية الفصحى وقصور مناهج البحث علميا»، وآخر بعنوان «معايير الجودة والكفاءة اللازمة لتحسين أداء عضو هيئة التدريس في الجامعة». كما أن أعمالها الأدبية تُرجمت إلى اللغات الإنجليزية والإيطالية والبولندية والكورية والروسية والأوزبكية، وتمّ تقديم دراستين أكاديميتين في أدبها: إحداهما عن الشعرية في أسلوبها، والأخرى عن المضمونية في مقالاتها. ومن مشاركاتها في المؤتمرات العلمية والإبداعية الخارجية تمثيلها لبلادها في أول دورة للملتقى الأدبي بين كوريا الجنوبية والدول العربية عام 2008، حيث قدمت بحثا عن «أدب المرأة في السعودية».
الذين قرأوا وتابعوا أعمال خيرية الأدبية، لا شك أنهم وجدوا فيها صوتا إبداعيا تعدى جغرافية وطنها السعودي، وجغرافية وطنها العربي الكبير إلى ثقافات وآفاق عالمية وذلك من خلال قصصها القصيرة التي جسدت فيها عبق المكان والزمان ورائحة الخصوصية السعودية ومدى ارتباطها بتراب وطنها وقيم مجتمعها. ولا أدل من ذلك وصفها لكلماتها بأنها جسر بين التراب والورق. فلا غرو بعد ذلك لو قال عنها الكاتب والشاعر إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو في الجزيرة الثقافية (26/4/2004): «هي الأولى أسلوبا، إذ لم تسبق التي تميزها به كما لم تلحق لمثله رغم أننا في زمن كثر مستنسخوه، وهي الأولى التي أضافت قيود (التخصص) إلى فضاء (الإبداع) فالتزمت ولم تدخل نفسها في دوائر الادعاء والبطولات والمزايدات».
هذه هي خيرية السقاف، الابنة البارة بأهلها والفتاة الذكية الطموحة، التي صنعت نفسها في الزمن الصعب بالإرادة والتصميم والعرق والحبر، وثابرت وصبرت وتحملت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.. قاصة وشاعرة وأكاديمية وإدارية وكاتبة صحفية، وأيقونة للرزانة والوقار، وقبل كل هذا إنسانة معطاءة معجونة بحب وطنها وخدمته.
هذه حكاية وسيرة واحدة من النساء السعوديات الرائدات في مجال الشعر والأدب والصحافة والعمل الأكاديمي ممن حصلن على أرفع الأوسمة الوطنية، ممثلة في وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، الذي حصلت عليه خلال تكريمها في الدورة 32 لمهرجان الجنادرية للتراث والثقافة سنة 2018. هذا ناهيك عن اختيارها كشخصية نسائية سعودية متميزة في عام 2001 حينما تمّت تسمية الرياض عاصمة للثقافة العربية، وحصولها في عام 2014 على جائزة وزارة الحج للتميز الأدبي في فن المقال، ونيلها في عام 2015 جائزة مجلة سيدتي في الريادة والتميز في مجال الإعلام.
أطلق عليها أديب ومفكر الحجاز النهضوي محمد حسن عواد (ت: 1980) لقب «الشاعرة الناثرة»، ولقبها الإعلامي الكبير الراحل عبدالرحمن الشبيلي (ت: 2019) بـ«مشكاة التنوير»، وقال عنها إنها «مشكاة أسرجت سماء الثقافة بقناديل المعرفة»، ووصفتها الكاتبة والشاعرة فوزية أبو خالد بـ«سنبلة المواسم وسدرة الصحراء ونخلة البلاد ونقاء الهواء وسيدة الصبر والنجاح وحمالة الصعاب ورمز الوفاء وعروة الصداقة».
وقال عنها الأديب والإعلامي حمد بن عبدالله القاضي رئيس تحرير المجلة العربية عضو مجلس الشورى السعودي سابقا إنها: «خيّرة في عطائها وأخلاقها والتزامها، هي جعلت لها سقفا وضعته هدفا أمامها ألا وهو أن تكون كلمتها إشعاع ضوء ينير الدرب ويهدي إلى البر ويرشد الشباب والشابات». أما الأكاديمي والناقد والأديب المعروف الدكتور عبدالله الغذامي فقد قال إنه لم ير في تاريخه مع القراءة نصا يحمل اسمها إلا وأحس نحوه بانجذاب خاص، مضيفا: «ما وضعت يدها على قلم إلا وصار يشع بالنور، وما دغدغت كلمة إلا وصارت تطير سابحة في الآفاق كأنما هي حمامة سلام ورسالة خير إنساني فياض». وفي كلمته بمناسبة تكريمها في مهرجان الجنادرية شبهها الغذامي بإسحاق نيوتن الذي دفعه سقوط التفاحة إلى البحث عن السبب حتى توصل لقانون الجاذبية، قائلا إنها لا تختلف عن نيوتن لجهة البحث المعرفي وإطلاق الأسئلة المحركة للعقل.
ابنة مكة المكرمة
تلك هي الدكتورة خيرية بنت إبراهيم السقاف ابنة مكة المكرمة التي ولدت ونشأت في بيت علم ودين وفكر. فهي تنتمي لأسرة ذائعة الصيت في الحجاز وصاحبة ذكر متكرر في تاريخها، بل إن كتب التراجم والأنساب والتاريخ تفيض بالحديث عن أرومتها العطرة، وعن فروعها وانتشارها في أرجاء الجزيرة العربية وفي دول جنوب شرق آسيا. هذا ناهيك عن التصاق اسم أسرتها بالتراث المعماري لمكة المكرمة التي تحتضن قصر السقاف التاريخي الأثري الذي شيدته العائلة في شارع الأبطح بالمعايدة قبل أكثر من 150 عاما، وهو القصر الذي اتخذه الملك عبدالعزيز مقرا لإقامته وقت دخوله مكة، وكان شاهدا على العديد من المناسبات والاتفاقيات واللقاءات السياسية التاريخية.
جدها الأكبر لجهة الأم هو العلامة «علوي بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السقاف» نقيب السادة العلويين ومفتي الشافعية بمكة وصاحب المصنفات في الفقه والعلوم والفلك الذي ولد بمكة عام 1255 للهجرة، ونشأ وتربى في حجر والده ودرس على يد كبار فقهاء زمنه قبل أن يقوم بالتدريس في الحرم المكي الشريف، علما بأنه اضطر أن يترك مكة في أواخر سنة 1311 للهجرة مع جماعة من العلماء تجنباً لأذى الشريف عون، فأقام في سلطنة لحج تلبية لدعوة سلطانها فضل بن علي العبدلي، وتولى أمر تدريس أهلها، قبل أن يعود إلى مكة عام 1327 للهجرة ويتوفى بها في عام 1335 للهجرة ويدفن بمقبرة المعلاة. وجدها المباشر لأمها هو أحمد بن علوي السقاف رئيس الديوان الهاشمي الأردني.
أما جدها لأبيها فهو قاضي قضاة مكة المكرمة ونقيب السادة العلويين فيها «محمد بن علوي السقاف». ووالدها هو إبراهيم بن محمد بن علوي السقاف مدير عام وزارة المالية والاقتصاد الوطني الأسبق، وأحد مؤسسي جامعة البترول والمعادن بالظهران وعضو مجلس إدارتها والذي توفي في جدة سنة 2019. زوجها هو شيخ المكتبيين الدكتور يحيى محمود بن جنيد أمين عام مكتبة الملك فهد ومكتبة جامعة الملك سعود سابقا والأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تاليا، الذي أنجبت منه إباء، وحيدر، ومحمد، ومعين.
شقيقها الأكبر هو رجل الأعمال محمد بن إبراهيم السقاف صاحب المساهمات المشهودة في تصميم وتطوير مشاريع الحدائق بمكة. ومن أشقائها أيضا الدكتور ماجد إبراهيم السقاف الحاصل على دكتوراه الاقتصاد من كلية بوول الإدارية بجامعة ولاية كارولينا الشمالية والذي شغل منصب رئيس قسم التمويل والتأمين في كلية الأعمال بجامعة جدة قبل أن يصبح وكيلا للتطوير بالكلية ذاتها. ومن أقاربها البارزين معالي عمر بن عباس السقاف (ت: 1974) وزير الدولة السعودي الأسبق للشؤون الخارجيّة، والساعد الأيمن للملك فيصل بن عبدالعزيز في الأمور الدبلوماسية في الزمن الصعب.
نسبها الرفيع هذا اقترن بشخصية مثالية وروح وثابة وسجايا كريمة وعمل دؤوب ووطنية مشهودة وتواضع جم وعشق للإبحار في دروب العلم والمعرفة، لتكتمل صورتها ببروزها على خارطة وطنها السعودي والخليجي كواحدة من الرائدات في أكثر من مجال. وحينما نقول إن خيرية السقاف رائدة فهي بحق كذلك، لأنها أول سيدة تتقلد منصب وكيلة عميد شؤون الطلاب والطالبات بجامعة الملك سعود بالرياض (أول وأقدم الجامعات السعودية والخليجية)، حيث شغلت هذا المنصب لمدة أربع سنوات أسست خلالها نظام الإسكان والأنشطة الثقافية الجامعية قبل أن تترقى وتصبح عميدة لمركز الدراسات الجامعية للبنات في الجامعة ذاتها من عام 1990 إلى عام 1997. كما أنها أول سعودية تعين كمديرة تحرير في جريدة محلية، والإشارة هنا إلى توليها هذه الوظيفة بجريدة الرياض في منتصف عقد الثمانينات الميلادية. هذا عدا عن كونها أول من أشرفت على أول ملحق نسائي بصحيفة سعودية (جريدة الرياض)، بل كانت أيضا أول من قام بتأسيس مجلة نسائية في إطار مجلة اليمامة في مطلع السبعينات الميلادية، علما بأنها حرصت على ألا تكون مجلتها هذه مجرد مطبوعة نسائية تُعنى بالطبخ والتنظيف وتدبير المنزل وإسعاد الزوج أو بمظهر المرأة من ناحية الملابس والماكياج والحلي، وإنما تميزت بتركيزها على ما يهم المرأة من معارف إنسانية، على حد قول الأديبة والشاعرة فوزية أبوخالد بجريدة الجزيرة (14/3/2018).
ومن مظاهر ريادتها الأخرى أنها أول من كتبت الزاوية الصحفية اليومية من نساء السعودية، وأول من كتبت منهن مقالا أدبيا إذاعيا يوميا وذلك حينما كانت على مقاعد الدراسة الثانوية في ستينات القرن العشرين، وأول من قامت بتشكيل أرضية لانطلاقة المرأة الصحفية، من خلال تأسيس مكتب نسائي للصحفيات، مقاومة كل الضغوط والصلاحيات المحدودة والإمكانيات المتواضعة وقتذاك، فنجحت في إخراج المرأة السعودية من منزلها وعالمها المقيد إلى عالم الصحافة الوليد. هذا ناهيك عن أنها من أوائل السعوديات اللواتي كتبن الشعر والقصة القصيرة.
في كل هذه المجالات التي كان لها فيها قصب السبق، عملت خيرية بصمت من دون ضجيج أو بهرجة أو ادعاء البطولات. وفي هذا السياق كتب عبده الأسمر عنها بجريدة الجزيرة السعودية (28/1/2019) قائلا: «بمعية القلم وسجية العلا روضت طوفان الأمنيات فحولته إلى برهان للإنجاز في محفل عمر حضر فيه الامتياز كفصل إِنساني جاور الفصول الأربعة.. ارتدت جلباب اليقين الأدبي وطرزت عباءة وطنية خضراء بمقاسات معرفية لتكون منتجًا أول وإنتاجًا أمثل للباحثات عن أسرار النهج واللاهثات خلف مراكز التوهج».
الانتقال إلى الرياض
بسبب الوظيفة الحكومية الرفيعة لوالدها بوزارة المالية والاقتصاد الوطني انتقلت خيرية مع أسرتها من مكة إلى العاصمة الرياض في سن الطفولة لتعيش في الأخيرة محفوفة برعاية أب مثالي ودعوات أم حنونة ونخوة أشقاء كرماء. وهكذا تفرغت وسط هذه الأجواء الأسرية الدافئة للتفرد والتميز والإبداع في دراستها وتحصيلها، ثم في هواياتها التي تسنمتها القراءة والكتابة، إذ كانت بمجرد عودتها من المدرسة والانتهاء من واجباتها المدرسية تتفرغ لقراءة كل ما يقع تحت يدها من مطبوعات، قبل أن تسل قلمها وتغوص في عالم الكتابة، ناقشة على الورق أحلامها وأمانيها وخواطرها.
تأثرت خيرية كثيرا بوالدها الذي كان يقضي الساعات الطويلة أمامها وهو يدون ويشرح المعاملات، ما جعل مسألة الكتابة تعتمر عقلها وتولد لديها عشرات الأسئلة منذ صغرها، لتغدو الكتابة عندها، منذ سنوات دراستها بالمرحلة المتوسطة، ضمن طقوسها اليومية قبل أن تتحول إلى مهنة وإبداع على صفحات الجرائد وزواياها وأعمدتها. ويمكن هنا أن نستشهد بما كتبه أستاذنا محمد بن عبدالرزاق القشعمي في عكاظ (6/2/2013) من أنها بدأت مسيرة الكتابة وهي لما تزل في السنة الأولى متوسطة وعمرها لا يتجاوز الثانية عشرة، وحينما كانت تذهب للبريد لتبعث بمقالاتها للصحف كانت تضطر للبحث عن كرسي تقف عليه حتى يراها موظف البريد، فلا يعتقد أنها طفلة فيهمل ما تسلمه منها.
تحدثت خيرية عن والدها ودوره المؤثر في حياتها، في مقال لها بجريدة الجزيرة (5/10/2019) تحت عنوان «حكاياتي مع إبراهيم» فوصفته بالأب المثالي الذي كان لها بمثابة البوصلة، والدليل، والحادي، والمصباح، قبل أن تضيف أنه هو الذي «زرع، حرث، وأسقى، وعندما نافت القدمان بي، ضرب الخيمة بساعدَيْ حدْبه، ليكون وتدها صدقه، وحبه، وحنانه، وفرحه، وخوفه.. فالأوتاد حين تتجذر، فإن شجرتها هو، وغصون هذه الشجرة عروقه، وسقياها دمه». أما هو فقال عنها: «تمتاز خيرية بالمثابرة الدائمة والقراءة ولا سيما القرآن الكريم فهو معها حيثما تذهب.. شرفتني كثيرا بسلوكها وعلمها وأخلاقها ومعاملتها مع الآخرين ومع أسرتها.. إننى راض عنها كل الرضا.. وهي راضية، حتى الرضا يطلب الرضا عنها».
بعد أن أنهت مراحل تعليمها النظامي التحقت بكلية الآداب في جامعة الملك سعود التي منحتها شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها. بعد ذلك سافرت إلى الولايات المتحدة للالتحاق بجامعة ميزوري كولومبيا (تأسست عام 1839 وتعد أقدم جامعة أمريكية في غرب نهر الميسيسبي) التي منحتها درجة الماجستير في مناهج اللغة والأدب وطرق تدريسها. لم تكتف خيرية بهاتين الشهادتين، فطموحها الدراسي كان أكبر من ذلك، لذا التحقت بعد عودتها من الولايات المتحدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض التي حصلت منها على درجة الدكتوراه في مناهج دراسة وتدريس اللغة العربية وآدابها.
أول وكيلة وعميدة
وخيرية التي اعتلت صهوة الأولوية بنجاح مبكرا كما أسلفنا، أبت إلا أن تحقق الأولوية أيضا في مسيرتها العملية. فمن بعد عملها عضوا بهيئة التدريس في جامعة الملك سعود وعضوا في اللجنة العلمية في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، تمّ تعيينها وكيلة لكليات البنات بجامعة الملك سعود لتدخل تاريخ بلدها كأول وكيلة من النساء على مستوى الجامعات السعودية، وكذلك أول عميدة حينما صدر قرار بتعيينها عميدة لمركز الدراسات الجامعية للبنات بالجامعة ذاتها.
وما بين الانشغال بالعملين الأكاديمي والإداري والكتابة الأدبية الإبداعية، لم تنس خيرية، التي كانت كاسمها خيرا على أسرتها ومجتمعها ووطنها، الصحافة التي تنفست من خلالها منذ نعومة أظفارها بدليل قولها «وهبت القلم عمري فأعطاني الحياة». إلى ذلك راحت تتفانى في أداء الواجبات الاجتماعية كحضور معارض تلميذاتها في الفن التشكيلي، والسهر على راحة طالباتها في السكن الجامعي والاحتفاء بالشخصيات النسائية الزائرة، وغير ذلك. وفي هذا السياق سُجل عن زوجها يحيى محمود بن جنيد قوله: «هي من قبل ومن بعد عنصر نشط في خدمة الإنسان، لا تكل ولا تمل من الشفاعة للآخرين، ولا تتردد في رفع صوتها عندما تقف في قضية مظلوم، ولا تتعب من البحث عن وسيلة لمساعدة محتاج أو تقديم النصح والمشورة لمن يقصدها».
أصدرت خيرية عدة مؤلفات أدبية وقصص قصيرة، ما جعلها في صفوف الأديبات السعوديات الرائدات. ففي عام 1982 أصدرت مجموعتها القصصية «أن تبحر نحو الأبعاد» التي تضمنت 18 قصة تناولت فيها جوانب الحياة الاجتماعية المختلفة في بلدها مع تركيز على عوالم المرأة السعودية المسكوت عنها، فكسرت بذلك التابوهات الاجتماعية ذات الصلة بحياة المرأة دون المس بالمسلمات الدينية والاجتماعية. ثم أصدرت كتابا من صميم تخصصها الأكاديمي بعنوان «مناهج دراسة الأدب العربي وتدريسه في الجامعات العربية»، فكتاب «عندما تهب الريح يعصف المطر»، الذي وضعت فيه تجربتها الحياتية ورسمت من خلاله بالحرف والجمل الإيقاعية المتناغمة مفهوم الصداقة. ولها أيضا كتاب «مأزق في المعادلة» الذي احتوى على مقالات أدبية، وصدر ضمن سلسلة «كتاب الرياض».
3 كتب بالإنجليزية عن الأديبة السعودية
يذكر أن ثلاثة كتب صدرت باللغة الإنجليزية تضمنت ضمن مواد أخرى إبداعات خيرية السقاف باعتبارها من الأديبات السعوديات المتميزات ومن صاحبات القلم الجريء ومن الأصوات النسائية ذات الحضور في الساحة. أول هذه الكتب صدر عام 1988 بدعم من جامعة الملك سعود تحت عنوان «مختارات من أدب الجزيرة العربية». في هذا الكتاب، الذي حررته الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي، جمعت الأخيرة فيه قطعا شعريا وقصصا قصيرة من بينها قصة «قطعة الفحم وقطعة النقود» لخيرية كونها تعطي صورة لواقع الحياة الاجتماعية في السعودية في زمن المعاناة والفاقة. وثاني هذه الكتب هو كتاب «اغتيال الضوء: قصص قصيرة سعودية حديثة» الذي صدر عام 1990 من تحرير وجمع أفا هينريتشسدورف وأبوبكر باقادر، اللذين وضعا في الكتاب 16 قصة سعودية قصيرة، كانت إحداها لخيرية السقاف وهي قصة «اغتيال الضوء عند مجرى النهر». أما الكتاب الثالث فقد ظهر في عام 1998 تحت عنوان «أصوات التغيير: قصص قصيرة لكاتبات سعوديات» من تحرير وترجمة أبوبكر باقادر وأفا هينريتشسدورف وديبرا إيكرز. وقد اشتمل هذا المؤلف، الذي يعد أول كتاب باللغة الإنجليزية يخصص بالكامل للإبداع الأدبي النسائي في السعودية، على 26 قصة لـ26 مبدعة سعودية، من بينها قصتان قصيرتان لخيرية السقاف هما «الفقد» و«الانعكاس»، وكلتاهما تصوران معاناة المرأة واضطهادها من قبل الرجل المتسلط. وفي عام 1994 أصدرت الدكتورة صديقة عرابي في نيويورك كتابا بالإنجليزية عنها بعنوان «المرأة والكلمات في العربية السعودية».
إلى ما سبق، لها بحوث علمية منشورة منها بحث بعنوان «ضعف اللغة العربية الفصحى وقصور مناهج البحث علميا»، وآخر بعنوان «معايير الجودة والكفاءة اللازمة لتحسين أداء عضو هيئة التدريس في الجامعة». كما أن أعمالها الأدبية تُرجمت إلى اللغات الإنجليزية والإيطالية والبولندية والكورية والروسية والأوزبكية، وتمّ تقديم دراستين أكاديميتين في أدبها: إحداهما عن الشعرية في أسلوبها، والأخرى عن المضمونية في مقالاتها. ومن مشاركاتها في المؤتمرات العلمية والإبداعية الخارجية تمثيلها لبلادها في أول دورة للملتقى الأدبي بين كوريا الجنوبية والدول العربية عام 2008، حيث قدمت بحثا عن «أدب المرأة في السعودية».
الذين قرأوا وتابعوا أعمال خيرية الأدبية، لا شك أنهم وجدوا فيها صوتا إبداعيا تعدى جغرافية وطنها السعودي، وجغرافية وطنها العربي الكبير إلى ثقافات وآفاق عالمية وذلك من خلال قصصها القصيرة التي جسدت فيها عبق المكان والزمان ورائحة الخصوصية السعودية ومدى ارتباطها بتراب وطنها وقيم مجتمعها. ولا أدل من ذلك وصفها لكلماتها بأنها جسر بين التراب والورق. فلا غرو بعد ذلك لو قال عنها الكاتب والشاعر إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو في الجزيرة الثقافية (26/4/2004): «هي الأولى أسلوبا، إذ لم تسبق التي تميزها به كما لم تلحق لمثله رغم أننا في زمن كثر مستنسخوه، وهي الأولى التي أضافت قيود (التخصص) إلى فضاء (الإبداع) فالتزمت ولم تدخل نفسها في دوائر الادعاء والبطولات والمزايدات».
هذه هي خيرية السقاف، الابنة البارة بأهلها والفتاة الذكية الطموحة، التي صنعت نفسها في الزمن الصعب بالإرادة والتصميم والعرق والحبر، وثابرت وصبرت وتحملت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.. قاصة وشاعرة وأكاديمية وإدارية وكاتبة صحفية، وأيقونة للرزانة والوقار، وقبل كل هذا إنسانة معطاءة معجونة بحب وطنها وخدمته.