-A +A
بدر حسين الحارثي
على تخوم سهل ساحلي وفي قرية صغيرة محاطه بالأشجار المعمرة، كان يعيش (العم صالح)، في كوخ خشبي يتوسط القرية.

عرف بحبه للتأمل كما عرف بغليونه الخشبي المنحوت يدويّاً الذي ورثه عن جده البحار المشهور في مجتمع البحارة.


كان العم صالح يجلس كل ليلة على كرسيه الخشبي أمام كوخه، يشعل غليونه وينفث الدخان ببطء مستذكراً الماضي، وكأن الغليون يروي له قصصاً عن رياح البحر ( الميهال) و(الطوفان) وموجاته (الصعبة) و(الغتمة).

في إحدى ليالي الشتاء، كانت الرياح تعصف بشدة وتخترق ألواح كوخه الخشبي، حين تناهى إلى سمعه طرق خجول على بابه كان لطفل صغير يدعى (سعيد)، أضاع طريق العودة إلى منزله.

فتح العم صالح الباب ورحب بالطفل، وأجلسه قرب المدفأة، ثم قال: «لا تقلق يا بني، ستدفأ هنا وسأوصلك للمنزل عندما تهدأ الرياح».

أشعل العم صالح غليونه وجلس بجانب الطفل، ثم قال مبتسماً:

«هل تعرف يا بني أن هذا الغليون ليس مجرد قطعة خشبية تنفث الدخان؟ إنه رفيق الشتاء. عندما أجلس وحدي في هذا البرد، يمنحني توهجه دفئاً يبعث الكثير الذكريات».

ثم بدأ العم يحكي لسعيد قصة عن جده الذي نحت هذا الغليون خلال رحلة بحرية طويلة، وكيف كان الغليون يُبقيه متماسكاً امام أمواج البحر ولياليه الباردة وهو بعيد عن عائلته ووطنه.

قال العم: «الدخان هذا يا سعيد، رغم بساطته، يذكّرني دائماً أن رحلة الحياة مليئة بالمشاق والمتاعب التي سرعان ما تتلاشى كالدخان، لكنها تبقي الدفء كما تبقي التجارب فوائدها، المهم أن نجد شيئاً يُبقينا مرتبطين بما نحب».

شعر سعيد بالدفء يتسلل إلى جسده والحماسة تغمر قلبه، ليس فقط من المدفأة، بل من كلمات العم صالح وحديثه المليء بالحنان. قضى الليل بأمان في الكوخ، وحين هدأت الرياح، أوصله العم صالح إلى منزله.

بعد تلك الليلة، كلما شعر سعيد بالبرد أو الوحدة، كان يتذكر دفء غليون العم صالح، وقصته عن الرحلات والذكريات. أصبح الغليون رمزاً للدفء والطمأنينة وللصداقة التي تنشأ حتى في أحلك الظروف بين متفاوتي العمر.