-A +A
محمد الحرز
‏أُمِّي لا تعرفُ أنِّي شاعر

‏أَبي لَم يَقرَأْ قصيدةً لي قَطُّ


‏وإذا ما رَأى أحدُ إِخْوَتي

‏حمامةً تَفِرُّ من قَفَصِ كَلِماتي

‏ظَنَّ أنَّها للجِيرانِ



‏بعدَ مَوتِي

‏ستَعودُ الحَمَامةُ إلى القَفَصِ ذاتِهِ

‏لأنَّها - أَكثرَ من مَرَّةٍ -

‏سَمِعَتْ أبي يقُولُ لأُمِّي:

‏كان جَدُّهُ شاعِرًا.



‏حَزينٌ أَنا اليَومَ

‏كُنتُ أَعمًى

‏أَركَبُ صَهوَةَ جَوَادي، وأَرمِي اللَّيلَ بسَهْمٍ

‏وأَعودُ بصَيدٍ وَفِير مِن طَرائِدِ الشِّعرِ.



‏ولكنَّني اليَومَ

‏أبصَرتُ الشِعرَ يَمشِي في وَضَحِ النَّهارِ

‏ولَم يَكُنْ معي قَوسِي ولا حِصاني

‏وأيضًا لم أَكُنْ أعمًى.

‏حَزينٌ أَنا اليَومَ



‏لم أُقابِلْ حُزني وَجهًا لوَجهٍ

‏لَكِنِّي عَرَفتُ عنهُ الشَّيءَ الكَثِيرَ:



‏ارتِفاعُ دَرَجَةِ حَرارَتِهِ إلى (الخَمسِينَ)

‏يَومَ انزَلَقَ ابنِيَ الصَّغِيرُ

‏مِن درَّاجتِهِ الهَوَائِيَّةِ..



‏عِراكُهُ الشَّديدُ الَّذي سَبَّبَ لَهُ نَزِيفًا حَادًّا

‏حِينَ اشتَرَى فَرَحًا مِن الحَيَاةِ

‏ولكِنْ مُنتَهِي الصَّلاحِيَّةِ..



‏طِيبَتُهُ التي يتَحَدَّثُ عَنها الجِيرانُ

‏لأَنَّهُمْ لَم يَجِدُوا أَحدًا غَيرَهُ

‏يُنَزِّهُ صِغارَ أَحزانِهِمْ

‏بسيَّارتِهِ الفارِهَةِ مَجَّانًا..

‏لِذلِكَ كانَ عَلَيَّ أَنْ أَرمِيَ حَجَرًا

‏عَلَى شُهرتِهِ كَي تَهرَبَ مِنهُ،

‏فيَعودَ كَما كانَ

‏يَسِيرُ إِلى جانِبي عَلَى الطَّرِيقِ.

‏أَن أُذَكِّرَ مَرَضَهُ بَينَ الحِينِ والآخَرِ

‏بمَوعدِ زِيارَتِهِ للطَّبِيبِ.

‏أَن أَربِطَ حَبلَ أَيَّامِهِ بقَدَمي ؛

‏حتَّى لا تَتَجاوَزَ خُطُواتُه خُطُواتي

‏إِلى المُستَقبَل.

‏أَن أُدَرِّبَ جَسَدَهُ

‏عَلَى رَفعِ الأَثقالِ الحَدِيدِيَّةِ؛

‏كَي يَظَلَّ مُتَفَوِّقًا عَلَى غَيرِهِ مِن الأَحزانِ في سِباقِ الأَلعابِ الرِّيَاضِيَّة.

‏حُزني الَّذي تَعَوَّدَ أَن يَنامَ خارجَ المَنزِلِ،

‏بَقِيَ أَربَعِينَ عامًا

‏يُطلقُ صَفِيرًا خَافِتًا عِندَ البَابِ

‏ولا يَدخُلُ.

‏الآنَ، وأنا أَنظُرُ إِلى عَينَيْ أُمِّي

‏على سَريرِ مَرَضِها..

‏فَجأَةً رأَيتُ حُزني

‏واقِفًا إِزائي، هامِسًا في أُذُني:

‏لَقَد كَسَرتُ القَافِيَةَ

‏وخَرَجتُ من القَصِيدةِ التي أَهدَيتَها لأُمِّكَ!