عبدالمجيد التركي
عبدالمجيد التركي




عبدالعزيز الصقعبي
عبدالعزيز الصقعبي




محمد الحرز
محمد الحرز
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
إذا سلّمنا بانطباق مقولة «لا كرامة لنبي في وطنه» على المثقفين والمبدعين، فإن مبالغة بعض النقاد والإعلاميين خارج الوطن في الإشادة بأصوات جديدة يبعث على التساؤل عن مدى صدقية التبجيل والتبشير، وربما تثار الشكوك حول سبب لجوء بعض الكتاب المحليين لتقديم أنفسهم للخارج قبل الداخل، ولعل حاديهم طمع وتطلّع لإنصاف تجاربهم وتزكيتها، إلا أن أصابع الاتهام تتجه بإدانة مسبقة للتزكيات النفعية المشبوهة، وهنا آراء بعض الكُتّاب حول قضية الأسبوع..

يؤكد الناقد محمد الحرز أن الكاتب أو المبدع يشبه الشجرة التي أول ما تنمو وتتحرك تبدأ من الجذور، ثم شيئا فشيئاً تفترع التراب وتتطاول إلى الفضاء الخارجي، وكلما كانت جذورها قوية وراسخة في الأرض أو في التربة كانت أوسع وأرفع ظلاً وامتداداً. ويرى الحرز أن القيمة الحقيقية للمبدع أو الكاتب مرتبطة ارتباطاً قوياً بالجذور التي استمد منها عطاءه الإبداعي وشكلته مبدعاً متميزاً، ما يجعل من الفضاء الاجتماعي والثقافي والإبداعي (المبدع) نفسه شرطاً مهما لنجاح وتميز تجربته وانطلاقها من المحلية للعالمية، مشيراً إلى أنه لربما يظلم المبدع نفسه لو فكر عكس ذلك. وعدّ من الأسباب التي تجعله يسلك عكس هذا المسلك إغراءات عدة؛ منها سهولة التسويق والدعاية والإعلان التي احتلت الساحات الثقافية والأدبية، مضيفا أن من يملك القدرة المالية يكون أكثر تسويقاً وانتشاراً بغض النظر عن القيمة الفنية التي يحملها.


فيما عدّ الروائي عبدالعزيز الصقعبي السؤال شائكاً، بالذات عند التوقف عند كلمتي «لجوء» و«تسويق» إضافة للسؤال عن السبب. ويذهب إلى أن الإجابة الأولى التي تتبادر للذهن هي مشكلة الرقابة قبل النشر وبالذات في الأعوام الماضية، إذ يخضع الكُتّاب لذائقة الرقيب، ومدى ارتفاع السقف المسموح به، ولكون مثل هذه المعايير غير معتبرة خارج فضاء الوطن، فالذهاب للخارج وارد. ولفت الصقعبي إلى دور صناعة الكتاب في ذلك خصوصاً خلال الأعوام الأخيرة، ما دفع دور النشر المحلية للتنبه لأهمية ذلك، مضيفاً أن هذه الصناعة لا تتوقف عند طباعة الكتاب بصورة أنيقة وجاذبة ووفق المعايير الدولية، بل يأتي بعد ذلك التسويق والترويج.

وأوضح أن «اللجوء» ربما يقل عندما تتحسن بيئة النشر والتوزيع في المملكة، وعندما تكون لدينا إصدارات وقنوات تُعنى بمتابعة الإصدارات والتعريف بها، بموازاة عمل نقاد يتناولون ما يصدر بعلمية وحيادية مطلقة. وعدّ هذه الآليات معززة لمبدأ «التسويق» الذي من المفترض أن يصاحبه إجراء حوار أو لقاء لتسليط الضوء على الإصدار ومؤلفه، وتقام حفلات توقيع وندوات عن المطبوع، تقيمها ملتقيات ثقافية.

وتطلّع لأن يكون الشريك الأدبي عاملاً فاعلاً ومساعداً في سبيل تحقيق ذلك في الوقت الحالي، إضافة لأهمية مشاركة المؤسسات الثقافية الحديثة؛ ومنها الجمعيات القائمة التي ستنشأ لاحقاً والتقليدية مثل الأندية الأدبية إذا استمر وجودها.

ولفت الصقعبي إلى أن إجابته أعلاه، ملتزمة بالنية الحسنة كون الكاتب مخلصاً لفنه، وحريصاً على القنوات السليمة في لجوئه لخارج الوطن وتسويق كتابه، إلا إذا كان هنالك من «يدفع» وهذه الكلمة واردة في السؤال، وأكد أنه يعرف بعضاً ممن يقوم بذلك، ولو بحثنا عن عذر لهم فربما يكون بسبب غياب المتابعة لكل إصدار في المشهد الثقافي المحلي، فعندما يصدر كتاب ما يقابل بالصمت؛ لا خبر ولا تنويه بصدوره، وبكل تأكيد لا تقييم أو نقد، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى اللجوء لخارج الوطن لتسويق كتابه، وهذه وسيلة جيدة لكسب المال لبعض الذين لا تعنيهم جودة العمل أو قيمته من فاعلين متكسبين خارج الوطن. ولفت إلى أن صيت مثل هؤلاء برز منذ الثمانينيات وعُرفوا بـ«نقاد الشنطة»، وهؤلاء لا يعنيهم الكاتب ولا الكتاب بقدر ما يعنيهم المبلغ الذي يحصلون عليه جراء نشر المقال أو الكتاب، ويعلنونها أحياناً بصورة صريحة في تواصلهم مع بعض الكتاب، بل لم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ إن بعضهم ممن يملك دار نشر وهمية يتواصل مع بعض ممن يكتب خواطر في مواقع التواصل الاجتماعي ويغريهم بنشر كتاب يحتوي على ما يدبجونه في تلك المواقع. وعدّ إصدار كتاب ورقي أورقمي يُنشر ويُوزع ويُقرأ خارج قنوات التواصل «حلم الكثير» إذ ما أجمل أن يكون المرء كاتباً ولو بذل في سبيل ذلك المال. ويرى أن هذا الأمر لن يتوقف إلا بوعي الناس، مؤكداً أن ما يقوم به تجار النشر «قرصنة ثقافية» للحصول على بعض الأموال، والنتيجة طباعة نسخ محدودة تشبه الأعشاب الطفيلية. وكشف أن الذين مارسوا النشر دون موهبة للبحث عن الشهرة أو لتلبية رغباتهم بتأليف كتاب، لا يدركون مطلقاً أن البقاء للأصلح والأفضل، وأنهم «كومبارس» في المشهد الثقافي، ولن يصلوا مطلقاً لدور البطولة فيصبحوا كتّاباً إصداراتهم تضيف للمكتبة المعرفة والمتعة.

ثقتهم مهزوزة

فيما يرى الشاعر عبدالمجيد التركي أن بعض الشعراء كانت -وما زالت- ثقتهم مهزوزة في أنفسهم، وفي ما يكتبون، وحين نشروا في إحدى المجلات العربية صفقوا لأنفسهم، وظنوا أنه ما دامت المجلات نشرت نصوصهم، فهذا يعني أنه تم الاعتراف بهم.

ويستعيد التركي المثل الشائع الذي يقول «تيس البلاد ما يحبِّل»، لذلك يسعى الكثير لتزكية الخارج، مع أن هذا الخارج يفرح إن جاءت التزكية له من الساعي للتزكية، ويعتبره من الخارج أيضاً. وأوضح أنه يفرح حين يطبع كتاباً في بلده (اليمن) أكثر مما لو طبع هذا الكتاب في الخارج.

ولفت إلى ضرورة ثقة الكُتّاب والشعراء بأنفسهم، فالأضواء الكثيرة تجلب العمى، مشيراً إلى أن هناك من يدفع أموالاً للصحفيين من أجل إجراء حوار معه، وما دام يفعل ذلك فإنه أيضاً يدفع أموالاً لمن يجيب على هذا الحوار المدفوع.

والأدهى من ذلك أن هناك من يشتري دواوين شعر وروايات وليس حوارات صحفية فقط!

وأضاف: بالنسبة لنا في اليمن، كان البعض ينشر في المجلات العربية من أجل المكافأة التي تدفعها المجلة، وليس من أجل النشر بحد ذاته، والشهرة كانت في آخر القائمة، مؤكداً أن الذين يدفعون من أجل الحوارات الصحفية لتلميع أنفسهم الخاوية سيتورطون في شرّ أعمالهم، فماذا بوسعهم فعله لو وجدوا أنفسهم ذات يوم في مهرجان شعري وجاءت قنوات وصحف لإجراء مقابلات معهم؟

ويرى أن هذه الشخصيات بلا مستقبل، أو ربما يكون مستقبلاً مخزياً إنْ هم واصلوا، إلا أنهم سيتوقفون عند نقطة معينة يكتفون فيها من الزيف، ويحافظون على ما حصدوه قبل أن يأتي من يقوم بتعريتهم. كونهم بعيدين عن هذه الاهتمامات التي تحتاج مثابرة وإخلاصاً، وكما يقال «ما يصحّ إلا الصحيح».