-A +A
د. نايف الجهني
(مدخل)

الصحراءُ لا تُخْتَصَرْ


وكذلِكَ الحقيقةْ!!

............

يَعْبُرُ البدوُ أساطيرَهُمْ بحُبْ

يكتشفونَ براءةَ العُشْبِ

في ارتباكِ الأوديةْ..

ينهضونَ

كي يُسْقِطَ البرقُ على أيّّامهِم

دهشةً أو سماءْ!!

..........

الأوديةُ التي تغُصُّ بحنينِ أشجارِها،

لا تَلْمَسُ ما تقولهُ أنفاسُها المتطايرةُ

في الليلْ

سوى الغيوم التي تعلَّمُ الشمسَ

كيفَ تلفُّ البرقَ حولَ ضحكتِها

كخيطِ حجابٍ يتوارى!

..............

أيها الشمالُ القريبُ كموسمْ،

والمحاكُ بلهفةِ بدوٍ تفرَّقوا عند ساقيةِ الغيمْ

ولم يتركوا لسؤالِ المواقدِ جمرةً أو قصيدةْ!!

أيها الشمالُ المُمْتَدُّ باشتهاءٍ نحوَ روحي

خُذْ قبضةً من تُرابِ أرضِنا للأوديةِ القصيَّةْ

واسألْها عن الرفاقِ والأهلْ..

وعن نِجْرِ الصباحِ والمواعيدْ

خُذْ قبضةً من رمادِ أثافيها،

وشُدَّ أطنابي بأكثرِ أسئلتِها وجعاً

أَحِطْني بغيابها

كما تحاطُ غيْمَةٌ

بأعناقِ

المترقبينَ للهطولْ!

................

يا لها من شهقةٍ

تلكَ التي

أوْجَعَتْ سكونَ الليلِ بأصواتِ النائمين،

وسَقَتْ سُهولَ العمرِ من دِلاءِ خطاياها،

يا لها من شهقةٍ

تلكَ التي أزاحتْ عن حيرتِنا الأغنيات،

كي تتطايرَ من بيتِها الكلماتْ!!

..............

لا أعرفُ كيفَ أرسمُ الشمسَ مُشِعَّةً

هكذا؛

ساطعةً في فَلَكِ الدماءِ

كالرُمْحِ والخطيئةْ،

مزهرةً كجباهِ التائبينْ..

لا أعرفُ كيف أُسْهِبُ في الكلامِ

عن حبيبتي

وهي تُنشُرُ المواسمَ على حبال

ذكرياتِنا

وترْقُدُ في العراءْ!!

.................

أنتِ!

يا أيتها الرعشةُ الكثيفةْ،

قاومي ليلَنَا

بنجمتينِ عاريتينْ

بقَمَرٍ طُفُولِيّْ الرغبةْ،

قليلِ التردُّدِ على مساءاتِ القرى

واشْعِلي صمتَهُ

بقبلاتكِ المنزوعةِ الشَّغَفْ

وعيونِكِ المرسومةِ في جوفِ الخيامِ

كالمواويل!!

.................

مبللةً بماءِ اليقْظةْ

ترقُبُ الجهاتُ شجرَ الوقتِ

وهو يتمرَّغ بأسرارِها

يغازلُ قَطَاتَها الوحيدةَ

بصوتِ قصائد لم تكتملْ!!

..............

لِلشّيحِ رائحتُهُ التي تَنْفُذُ

إلى كُلِّ شَيءْ؛

به تسترُ الأوديةُ عراءَ خوفِها

وتَخيْطُ أغطيةً لطيورِها التي لا تنامْ!!

حتى يصبحُ صمتُها حفرةً للكلامْ!!

................

لقُدُومِهِ

تُوقِدُ نارَ الحكايةْ

وتُعيدُ التواريخَ إلى ظلِّها

والليلَ إلى مهجعِهِ القديمْ.

تُؤَجَّلُ تنهيدةَ النايِ إلى موعدٍ آخرْ

وترشُّ الرملَ بعطرِ قميصِها الشتائِيّْ

تلكَ المرأةُ التي

أدمنتْ سهرَ الانتظارْ!!

............

ينامُ البَدَوِيُّ تحتَ السماءْ

ووجهُهُ مُطًلٌّ على القمرْ

يتيهُ في دفءِ فَرْوَتِهِ،

كشجرةِ الرمثْ

متكوَّراً حولَ كُلِّ شيءْ

إلاَّ تَرَقُبِهِ لمطَرٍ لا يأتي من الغدْ!

...............

الطائرُ المفتونُ بِظِلَّهْ،

المكانُ المُرْهَقُ من أرواحِ القابعينَ فيه،

شجرةُ الطلّحِ المُتَشظّيةُ كما يجبْ

حكاياتنا المنهكةُ من الإنصاتْ،

وجوهُ من يُقلَّبونَ الصورَ على مرأى من سيرتِها

ويُحيلونَ الجمر َ إلى بداياتِهْ..

كل هذا تُبْقيهِ الأرضُ

في سرِّها إلى أنْ يتَبَددْ!!

.................

تَعْجُنُ البدويَّةُ الحُلْمْ..

وتنْزِعُ من الموتِ أشواكَهُ الكثيرةْ

تُنَقّْي حِجَارتِهِ من خُطى العابرينْ؛

وتُعَلِّمُ رأسَ المِغْزَلِ

كيفَ يستديرُ على يدِها

دون أنْ يرتَجِفْ!!

................

البدوياتُ اللائيْ يَسْرَحْنَ بقُطعانهِنْ،

ويخَمِّرْنَ الشِعرَ حتى يصبحَ أقلَّ استقامةْ

يلوِّحْنَ لمن يعبرُ الطرقاتِ إلى حكاياتهنْ

هُنَّ البدوياتُ اللاتي تحمَّلْنَ عناءَ الحبِ

بلا تأوهٍ أو بكاءْ..

وتحَنَّيْنْ بالسكوتِ والفِطْنةْ،

سَهِرْنَ بلا انتظارٍ لما سيأتي،

وعَلَّمْنَ العُشْبَ كيفَ يُقاوِمُ بِرقَّتِهِ

جنونَ الأعاصيرْ!!