صدمني رحيل محمد علوان؛ لأنه صديق ورفيق درب، وكاتب عميق كتب بتجرُّد عن الإنسان والحياة والقيم والمبادئ حتى أسقطته على كرسي متحرك.
بدأت علاقتي بمحمد علوان في الثمانينات، عندما دلفت إلى مكتبه في إدارة المطبوعات بشماليتي المعهودة، وبيدي أوراق مسرحية «سقوط الأقنعة»؛ تلك المسرحية اللعنة قدمتها له، وانهمكت في شرح الفصول والمشاهد، وطلبت منه إجازتها. الآن -تخيلوا- أطلب منه إجازتها. الآن كنت متحمسًا، فاستقبلني هو الآخر بحماس، بدأ يصغي إليّ مع أنه غير معنيّ، لكنه تصرف معي تصرف الكبار غير المطعونين بالفوقية والنرجسية، ثم طلب من أحد الزملاء في مكتبه توجيهي إلى مكتب الفسح حيث الموظف المختص. هذا يعني أنني دخلت إلى مكتبه بالخطأ. ومع ذلك تصرف بعقلية الكاتب المكتنز بالحس الوطني والشعور بالمسؤولية. المهم، سلمت النص إلى المكتب المعني بإجازة النصوص الأدبية، وخرجت من إدارة المطبوعات. وفي اليوم الثاني طرت إلى عرعر. كنت وقتها مشرفًا على القسم الثقافي بنادي «بدنة». أخبرت الزملاء في النادي أن المسرحية في طريقها إلى مهرجان الترويح السياحي في أبها، وأنهم سيكونون أول المدعوين. وفعلاً توافق وزارة الإعلام على إجازة المسرحية، ونشرت «عكاظ» اسم المسرحية مع برنامج الترويح السياحي بأبها، وتم تحويل المسرحية إلى جمعية الثقافة والفنون بالملز؛ لتلفظ أنفاسها على يد متسلق عتيد. إلى هنا وتنتهي قصة مسرحية سقوط الأقنعة، لكن قصة لقائي بالعلوان لم تنتهِ، لقد ترسخت بقوة، وأصبحت أفكر به كما لو أنني أعرفه منذ عشرات السنين، حتى بدأت أبحث عن كتبه التي تضج بالآهة الإنسانية التي تمزقني من الداخل، هذا، وبعد أن استقر بي المطاف إلى الرياض، بعد أن هاجرت من عرعر أنا وأم عبدالهادي. وتلك قصة أخرى لم تتفتق من ذاكرتي بعدُ. المهم، استمرت علاقتي بالعلوان عن بُعد، وأحيانا في لقاءات متقطعة وسريعة في النادي الأدبي وردهات الصحف وكواليس الجنادرية. أذكر في أحد اللقاءات نعتني أحد الزملاء بجيفارا الشمال، فضحك ضحكة من القلب، وكلما شاهدني يضحك، فكأنه يتعاطف معي. أنا المسكون بالمؤامرة أواجه معاركي لوحدي، وأتجرع هزائمي لوحدي. حرصت على التواصل معه بالتليفون، خاصة في أيامه الأخيرة؛ بسبب المرض. وفي أحد الاتصالات حدثني عن الفيلم (حياة امرأة). وأنه يرغب في مشاهدته بعد عملية العيون التي أجراها في مستشفى الحرس الوطني، كان يسألني، كيف؟! قلت له: لا عليك يا أبا غسان، سأحضر عندك في البيت، وسأجلب الفيلم معي؛ لنشاهده سويًّا. لكن الأقدار لم تمهلنا. لقد رحل محمد علوان دون أن نشاهد الفيلم، ودون أن نطبع قبلة الوفاء والعرفان على جبينه، ودون أن نودعه الوداع الأخير.
بدأت علاقتي بمحمد علوان في الثمانينات، عندما دلفت إلى مكتبه في إدارة المطبوعات بشماليتي المعهودة، وبيدي أوراق مسرحية «سقوط الأقنعة»؛ تلك المسرحية اللعنة قدمتها له، وانهمكت في شرح الفصول والمشاهد، وطلبت منه إجازتها. الآن -تخيلوا- أطلب منه إجازتها. الآن كنت متحمسًا، فاستقبلني هو الآخر بحماس، بدأ يصغي إليّ مع أنه غير معنيّ، لكنه تصرف معي تصرف الكبار غير المطعونين بالفوقية والنرجسية، ثم طلب من أحد الزملاء في مكتبه توجيهي إلى مكتب الفسح حيث الموظف المختص. هذا يعني أنني دخلت إلى مكتبه بالخطأ. ومع ذلك تصرف بعقلية الكاتب المكتنز بالحس الوطني والشعور بالمسؤولية. المهم، سلمت النص إلى المكتب المعني بإجازة النصوص الأدبية، وخرجت من إدارة المطبوعات. وفي اليوم الثاني طرت إلى عرعر. كنت وقتها مشرفًا على القسم الثقافي بنادي «بدنة». أخبرت الزملاء في النادي أن المسرحية في طريقها إلى مهرجان الترويح السياحي في أبها، وأنهم سيكونون أول المدعوين. وفعلاً توافق وزارة الإعلام على إجازة المسرحية، ونشرت «عكاظ» اسم المسرحية مع برنامج الترويح السياحي بأبها، وتم تحويل المسرحية إلى جمعية الثقافة والفنون بالملز؛ لتلفظ أنفاسها على يد متسلق عتيد. إلى هنا وتنتهي قصة مسرحية سقوط الأقنعة، لكن قصة لقائي بالعلوان لم تنتهِ، لقد ترسخت بقوة، وأصبحت أفكر به كما لو أنني أعرفه منذ عشرات السنين، حتى بدأت أبحث عن كتبه التي تضج بالآهة الإنسانية التي تمزقني من الداخل، هذا، وبعد أن استقر بي المطاف إلى الرياض، بعد أن هاجرت من عرعر أنا وأم عبدالهادي. وتلك قصة أخرى لم تتفتق من ذاكرتي بعدُ. المهم، استمرت علاقتي بالعلوان عن بُعد، وأحيانا في لقاءات متقطعة وسريعة في النادي الأدبي وردهات الصحف وكواليس الجنادرية. أذكر في أحد اللقاءات نعتني أحد الزملاء بجيفارا الشمال، فضحك ضحكة من القلب، وكلما شاهدني يضحك، فكأنه يتعاطف معي. أنا المسكون بالمؤامرة أواجه معاركي لوحدي، وأتجرع هزائمي لوحدي. حرصت على التواصل معه بالتليفون، خاصة في أيامه الأخيرة؛ بسبب المرض. وفي أحد الاتصالات حدثني عن الفيلم (حياة امرأة). وأنه يرغب في مشاهدته بعد عملية العيون التي أجراها في مستشفى الحرس الوطني، كان يسألني، كيف؟! قلت له: لا عليك يا أبا غسان، سأحضر عندك في البيت، وسأجلب الفيلم معي؛ لنشاهده سويًّا. لكن الأقدار لم تمهلنا. لقد رحل محمد علوان دون أن نشاهد الفيلم، ودون أن نطبع قبلة الوفاء والعرفان على جبينه، ودون أن نودعه الوداع الأخير.