تُسهمُ الأقدارُ؛ في صناعة الحدث، وتهيئ الأسباب؛ لإنجاح مشروع، وإنجاز مهمة، وهذا ما تجلى في قصة كتاب (حمزة غوث) لمؤلفه عاشق استقصاء السِّيَر الوطنية محمد بن عبدالله السيف؛ إذ التقى عندما باشر عمله في المدينة المنورة، مستشاراً ثقافياً وإعلامياً، لأميرها فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز عام 2013، بالاقتصادي يوسف الميمني، الذي عرّفه بدوره بالوجيه خالد حمزة غوث، وابنه ماجد ليبدأ تدوين سيرة شخصية وطنية؛ اكتنفت حياته مصاعب ومتاعب، ثم حاز مناصب ومناقب كان أهلاً لها، فإذا كان نال ثقة آل رشيد ليكون مفوضاً بالنيابة عنهم في لقاءات واجتماعات، فإن كمال أتاتورك أصدر حكماً بإعدامه، وافتداه أعضاء برلمانيون أكراد صبيحة اليوم المحدد لتنفيذ الحكم، بشفاعة حسنة، فيما كسب ثقة الملك عبدالعزيز رحمه الله، وأولاده الملوك؛ فتم تعيينه مستشاراً للملك عبدالعزيز وأول سفير للمملكة في طهران.
يأخذنا كتاب (حمزة غوث سياسي دولتين وإمارة) ليبرز لنا بوضوح تام ما رسمته العناية الإلهية من مخاضات ومسارات ومراحل أسهمت فيها مشيئة (قدريّة) سندت قوتي الإرادة، والإدارة، وهيأت لقبول الجزيرة العربية واحتفائها برمز الدولة السعودية، وموحّدها الملك عبدالعزيز.
وكما يذكر السيف فإن سيرة كاسب ثقة الملوك (حمزة غوث) هي سيناريو قرن عربي بتمامه؛ فالتحولات السياسية متسارعة، إقليمياً ومحلياً وعالمياً، فكان ابن طيبة الطيبة شاهد عيان على تداعي دور ونفوذ الدولة العثمانية، وصعود نجم الدولة السعودية، تحت لواء صقر الجزيرة العربية، فيما انهارت مراكز القوى الداخلية تباعاً، معلنة الصلح مع الملك العادل وإعلان البيعة له.
لم يكن حمزة غوث ظلاً بل ضوءاً ساطعاً، بمواهب جمة؛ فمنذ وُلد عام ١٢٩٩هـ / ١٨٨٢م في حي الساحة غرب المسجد النبوي، والنبوغ يفرض نفسه على ملامحه وسمته، ثم تولّت رعايته أسرة كريمة، والده إبراهيم غوث، ووالدته صالحة شمس، وفي الخامسة من عمره، دفع به والده إلى كتاتيب المسجد النبوي، فختم القرآن الكريم، وانتظم طالباً في المدرسة الرشدية، ليحوز الابتدائية والإعدادية، وكان يحرص على حضور الجلسة اليومية لوالده عقب صلاة المغرب، وتضم أدباء و وجهاء وطلبة علم، لا يقل سنّ أحدهم عن سبعين عاماً، ويدور الحديث في التاريخ والأدب، والشاب حمزة يُصغي ويسمع ويستوعب.
ومما يؤكد جدارة شخصيته الأدبية، أنه قرأ في ندوة بأحد بساتين المدينة، على نخبة من العلماء والأدباء؛ كتاب (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) قراءة بليغة ومُتقنة، فكتب له أنور عشقي، وعمر كردي، ومحمد العُمري؛ وثيقة تزكية، وحثّوه على دراسة النحو وعلوم العربية ليجعلوا منه شاعراً أديباً.
وفي عام ١٩٠٠م زوّجه أبوه وعمره ١٦عاماً من أم السعد بنت محمد سعيد حوالة لأنه وحيد أسرة آل غوث وعليه مسؤولية امتداد الأسرة، ومع بارقة أمل بقدوم الأحفاد مات الأب إبراهيم غوث؛ وكان حمزة رجلاً يقارب العشرين عاماً من العمر المديد، فاضطلع بعمله في مهنة الأدلاء والإشراف على المزارع، ومن أول تجاوزات للحاكم العثماني ثار عليه أهل المدينة ومنهم حمزة غوث، وجرى القبض على عدد منهم فيما نجح حمزة غوث في اللجوء لأحلاف لهم من قبائل المدينة.
وأثناء الصراع ما بين العثمانيين والشريف حسين، تم إنشاء جريدة سُميت بـ(الحجاز)، وانتدب الكاتب السوري المشهور الشيخ بدر الدين النعساني لإصدارها؛ ففاوض حمزة غوث ليتولى مسؤولية تحريرها وإدارتها، وكانت تطبع في المطبعة التي أحضرها إلى المدينة المنورة الأمير شكيب أرسلان، وخاضت جريدة الحجاز معركة إعلامية ضد جريدة القبلة، وفي خضم الحرب الإعلامية ما بين القبلة والحجاز؛ دب خلاف بين محافظ المدينة المنورة الفريق فخري باشا والشريف علي حيدر، المعين حديثاً والياً على الحجاز والموجود في المدينة المنورة، وبدأ الشريف حسين بإحكام تطويق المدينة المنورة، فاشتدت قسوة الحياة على أهلها، وضعُفت مقاومة الجيش التركي، وبدأت الحكومة بتهجير أهلها ونقلهم إلى مدن الشام وغيرها، بما عُرف بـ(سفر برْلَك) فعزم حمزة غوث على السفر بعائلته مهاجراً إلى دمشق، ومن دمشق انتقل إلى تركيا، وهناك جرت أحداث مهمة في مسيرة حمزة غوث، انتهت بصدور حكم عسكري مصدَّق من أتاتورك بسجنه وإعدامه، بتهمة الاتصال بالسلطان وحيد الدين في مدينة سان ستيفانو، وذلك بهدف التآمر والإخلال بأمن الجمهورية، إلا أن هذا الحكم بعد وساطات وشفاعات لم ينفذ، بل عفا عنه أتاتورك مقابل مغادرة الأراضي التركية.
وتنفيذاً لأمر كمال أتاتورك بضرورة مغادرة حمزة غوث الأراضي التركية، تحت حراسة مشددة، لقاء العفو؛ مرّ بحلب، وفيها التقى بأحد أصدقائه من آل الرشيد، ففاوضه للسفر إلى حائل والالتحاق ببلاط ابن رشيد، فغادر حمزة إلى بغداد، ومنها إلى البصرة فالزبير، وأخيراً مدينة حائل، التي ما إن وصلها توجه إلى أميرها عبدالله بن متعب الرشيد، فأكرم وفادته وأنزله في قصر سماح. وفي بلاط ابن رشيد بدأ حمزة في ممارسة عمله السياسي المتمثل في مفاوضة الإنجليز، كما عمل مبعوثاً لابن رشيد في العراق وسورية. وقد غادر حائل إلى الكويت، وفيها التقى أميرها الشيخ سالم الصباح والمندوب السامي البريطاني في الكويت، وفي بغداد التقى المندوبة البريطانية السامية في العراق، السيدة (ميس بيل) كما قام بمهمة دبلوماسية في مارس 1921م 1339هـ، فزار القاهرة والتقى الملك فؤاد، بتكليف من أمير حائل، بهدف الحصول على دعم مصر السياسي لإمارة حائل.
وبضم الملك عبدالعزيز حائل، كان حمزة غوث يتنقل بين سورية ولبنان في مباحثات لم تنتهِ مع الفرنسيين، وبعد طول تفكير وتأمل، قرر الالتحاق ببلاط ابن سعود، فعاد من دمشق إلى الرياض، وحينما وصلها عام 1341هـ قابل الملك عبدالعزيز، الذي قال له: (أراك أخيراً قدمت إلينا يا حمزة، فما السبب؟ وهل أتيت مُسلِّماً أو مقيماً؟)، فقال حمزة: (إن أردتني مُسلماً فأنا مسلِّم وراحل، وإن أردتني مقيماً فأنا مقيم). فقال له الملك عبدالعزيز: (يا حمزة إنك لم تكن صديقاً لنا وخنتنا، لكنك كنت مع ابن رشيد تساعده ضدنا، ولم تخنه أو تتخلى عنه، فأهلاً بك في بلادك، وستكون مستشاراً لي). فباشر حمزة أولى مهمات عمله السياسي في بلاط ابن سعود، مستشاراً في الشعبة السياسية، التي كان يرأسها الأمير أحمد بن ثنيان. وأول مهمة بدأها مندوباً عن السلطان عبدالعزيز في التفاهم مع أمير الكويت في موضوع «قطع المسابلة مع الكويت». وبينما كان حمزة غوث يلملم أغراضه استعداداً للرحيل، وردت موافقة أمير الكويت على شروط ابن سعود ومطالبه، فطلب حمزة غوث من أمير الكويت تأكيد موافقته بأن يوفد معه ولي عهده الشيخ عبدالله السالم لمقابلة الملك بالرياض، فوافق.
ومن الأعمال السياسية المهمة لحمزة غوث رئاسته الوفد النجدي في «مؤتمر الكويت»، الذي ضمّ في عضويته عبدالعزيز القصيبي وحافظ وهبة وعبدالله الدملوجي. وحمّله الملك عبدالعزيز رسالة إلى الكولونيل (نوكس) المعتمد الإنجليزي في الكويت. وكانت مهمة المؤتمر تخفيف حدة التوتر الذي كان سائداً على علاقات سلطنة نجد مع مملكة الحجاز والعراق وشرق الأردن بسبب النزاعات الحدودية والخلافات بين القبائل وتبعيتها والمخافر الأمنية التي بناها العراق. وشارك في المؤتمر إضافة إلى الوفد النجدي وفد من العراق ومن إمارة شرق الأردن.
ثم وجه الملك عبدالعزيز رسالة إلى إبراهيم السبهان، القائم بأعمال أمير المدينة المنورة، يخبره فيها بأنه أصدر أمره ليكون حمزة غوث معاوناً لأمير المدينة المنورة، وقال الملك عبدالعزيز: (والمذكور مثل ما تعلم ولد لنا ومحسوب علينا، وهو إن شاء الله فيه بركة وعارف بالأحوال والأمور السياسية، وأنتم وهو إن شاء الله محل الروح، وفيكم البركة).
وفي شهر ربيع الثاني 1345هـ، قدم الملك عبدالعزيز إلى المدينة المنورة، في أول زيارة له للمدينة، وخرج لاستقباله وكيل أمير المدينة إبراهيم السبهان ومعاونه حمزة غوث وأعضاء المجلس الإداري وعدد من أعيان المدينة، وبقي الملك عبدالعزيز في المدينة قرابة الشهرين، رتَّب أوضاعها وأوضاع القبائل المحيطة بها، وأصلح وضعها الإداري، وشرح لأهلها وأعيانها سياسته الأمنية وضرورة التقيد بها.
وظل حمزة غوث في المدينة المنورة معاوناً لأميرها، حتى صدر الأمر الملكي بتاريخ 3 / 5 /1349هـ الموافق 26 / 9 /1930م بتعيينه عضواً في مجلس الشورى. وبعد أن أمضى السنوات النظامية عاد إلى مهمته الأساسية الأولى التي ابتدأ فيها مسيرته العملية، وهي العمل مستشاراً سياسياً في الديوان الملكي.
وفي شهر رجب 1357هـ، صدر قرار بتعيين حمزة غوث سفيراً لدى العراق خلفاً للشيخ إبراهيم بن معمر، كما تعيّن لاحقاً سفيراً في إيران في عام 1367هـ، وظل سفيراً فيها لمدة لا تقل عن ستة عشر عاماً. وأثناء عمله سفيراً في إيران صدر أمر ملكي بترقيته إلى منصب «وزير دولة». وكان عمله سفيراً في إيران هو آخر عمل له في السلك الوظيفي الحكومي، إذ تقاعد بعده، واستقر في المدينة المنورة، على ضفاف وادي العقيق، وظلّ مقدراً من قبل ملوك بلاده.
وتضمّنت السيرة عمله السياسي في العهد العثماني وفي إمارة آل رشيد، والعهد السعودي الزاهر ويقع الكتاب في 700 صفحة، ويشتمل على وثائق تنشر لأول مرة.
وإذا كان من جُملة ما نفتقر إليه في مكتباتنا؛ سيَر الشخصيات الوطنية، فإن الكاتب الاستقصائي محمد السيف نجح في تبني مشروع غاية في الأهمية، فكتب سيرة مهندس النفط عبدالله الطريقي، وناصر المنقور أشواك السياسة وغربة السفارة، ثم هذا العمل الكبير الشيّق، بحكم مهارة (أبو عبدالله) في الدخول بنا كمن يزوّرك في مدينة من الجانب العجائبي والمُدهش، لكنه يكتب بصدق وأمانة نقل، وتوثيق مهني، وكأنه مركز أبحاث، لا يكتب تاريخاً بل يدوّن ماضينا وحاضرنا المُشرق، وذكرياتنا وأحلامنا.
يأخذنا كتاب (حمزة غوث سياسي دولتين وإمارة) ليبرز لنا بوضوح تام ما رسمته العناية الإلهية من مخاضات ومسارات ومراحل أسهمت فيها مشيئة (قدريّة) سندت قوتي الإرادة، والإدارة، وهيأت لقبول الجزيرة العربية واحتفائها برمز الدولة السعودية، وموحّدها الملك عبدالعزيز.
وكما يذكر السيف فإن سيرة كاسب ثقة الملوك (حمزة غوث) هي سيناريو قرن عربي بتمامه؛ فالتحولات السياسية متسارعة، إقليمياً ومحلياً وعالمياً، فكان ابن طيبة الطيبة شاهد عيان على تداعي دور ونفوذ الدولة العثمانية، وصعود نجم الدولة السعودية، تحت لواء صقر الجزيرة العربية، فيما انهارت مراكز القوى الداخلية تباعاً، معلنة الصلح مع الملك العادل وإعلان البيعة له.
لم يكن حمزة غوث ظلاً بل ضوءاً ساطعاً، بمواهب جمة؛ فمنذ وُلد عام ١٢٩٩هـ / ١٨٨٢م في حي الساحة غرب المسجد النبوي، والنبوغ يفرض نفسه على ملامحه وسمته، ثم تولّت رعايته أسرة كريمة، والده إبراهيم غوث، ووالدته صالحة شمس، وفي الخامسة من عمره، دفع به والده إلى كتاتيب المسجد النبوي، فختم القرآن الكريم، وانتظم طالباً في المدرسة الرشدية، ليحوز الابتدائية والإعدادية، وكان يحرص على حضور الجلسة اليومية لوالده عقب صلاة المغرب، وتضم أدباء و وجهاء وطلبة علم، لا يقل سنّ أحدهم عن سبعين عاماً، ويدور الحديث في التاريخ والأدب، والشاب حمزة يُصغي ويسمع ويستوعب.
ومما يؤكد جدارة شخصيته الأدبية، أنه قرأ في ندوة بأحد بساتين المدينة، على نخبة من العلماء والأدباء؛ كتاب (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) قراءة بليغة ومُتقنة، فكتب له أنور عشقي، وعمر كردي، ومحمد العُمري؛ وثيقة تزكية، وحثّوه على دراسة النحو وعلوم العربية ليجعلوا منه شاعراً أديباً.
وفي عام ١٩٠٠م زوّجه أبوه وعمره ١٦عاماً من أم السعد بنت محمد سعيد حوالة لأنه وحيد أسرة آل غوث وعليه مسؤولية امتداد الأسرة، ومع بارقة أمل بقدوم الأحفاد مات الأب إبراهيم غوث؛ وكان حمزة رجلاً يقارب العشرين عاماً من العمر المديد، فاضطلع بعمله في مهنة الأدلاء والإشراف على المزارع، ومن أول تجاوزات للحاكم العثماني ثار عليه أهل المدينة ومنهم حمزة غوث، وجرى القبض على عدد منهم فيما نجح حمزة غوث في اللجوء لأحلاف لهم من قبائل المدينة.
وأثناء الصراع ما بين العثمانيين والشريف حسين، تم إنشاء جريدة سُميت بـ(الحجاز)، وانتدب الكاتب السوري المشهور الشيخ بدر الدين النعساني لإصدارها؛ ففاوض حمزة غوث ليتولى مسؤولية تحريرها وإدارتها، وكانت تطبع في المطبعة التي أحضرها إلى المدينة المنورة الأمير شكيب أرسلان، وخاضت جريدة الحجاز معركة إعلامية ضد جريدة القبلة، وفي خضم الحرب الإعلامية ما بين القبلة والحجاز؛ دب خلاف بين محافظ المدينة المنورة الفريق فخري باشا والشريف علي حيدر، المعين حديثاً والياً على الحجاز والموجود في المدينة المنورة، وبدأ الشريف حسين بإحكام تطويق المدينة المنورة، فاشتدت قسوة الحياة على أهلها، وضعُفت مقاومة الجيش التركي، وبدأت الحكومة بتهجير أهلها ونقلهم إلى مدن الشام وغيرها، بما عُرف بـ(سفر برْلَك) فعزم حمزة غوث على السفر بعائلته مهاجراً إلى دمشق، ومن دمشق انتقل إلى تركيا، وهناك جرت أحداث مهمة في مسيرة حمزة غوث، انتهت بصدور حكم عسكري مصدَّق من أتاتورك بسجنه وإعدامه، بتهمة الاتصال بالسلطان وحيد الدين في مدينة سان ستيفانو، وذلك بهدف التآمر والإخلال بأمن الجمهورية، إلا أن هذا الحكم بعد وساطات وشفاعات لم ينفذ، بل عفا عنه أتاتورك مقابل مغادرة الأراضي التركية.
وتنفيذاً لأمر كمال أتاتورك بضرورة مغادرة حمزة غوث الأراضي التركية، تحت حراسة مشددة، لقاء العفو؛ مرّ بحلب، وفيها التقى بأحد أصدقائه من آل الرشيد، ففاوضه للسفر إلى حائل والالتحاق ببلاط ابن رشيد، فغادر حمزة إلى بغداد، ومنها إلى البصرة فالزبير، وأخيراً مدينة حائل، التي ما إن وصلها توجه إلى أميرها عبدالله بن متعب الرشيد، فأكرم وفادته وأنزله في قصر سماح. وفي بلاط ابن رشيد بدأ حمزة في ممارسة عمله السياسي المتمثل في مفاوضة الإنجليز، كما عمل مبعوثاً لابن رشيد في العراق وسورية. وقد غادر حائل إلى الكويت، وفيها التقى أميرها الشيخ سالم الصباح والمندوب السامي البريطاني في الكويت، وفي بغداد التقى المندوبة البريطانية السامية في العراق، السيدة (ميس بيل) كما قام بمهمة دبلوماسية في مارس 1921م 1339هـ، فزار القاهرة والتقى الملك فؤاد، بتكليف من أمير حائل، بهدف الحصول على دعم مصر السياسي لإمارة حائل.
وبضم الملك عبدالعزيز حائل، كان حمزة غوث يتنقل بين سورية ولبنان في مباحثات لم تنتهِ مع الفرنسيين، وبعد طول تفكير وتأمل، قرر الالتحاق ببلاط ابن سعود، فعاد من دمشق إلى الرياض، وحينما وصلها عام 1341هـ قابل الملك عبدالعزيز، الذي قال له: (أراك أخيراً قدمت إلينا يا حمزة، فما السبب؟ وهل أتيت مُسلِّماً أو مقيماً؟)، فقال حمزة: (إن أردتني مُسلماً فأنا مسلِّم وراحل، وإن أردتني مقيماً فأنا مقيم). فقال له الملك عبدالعزيز: (يا حمزة إنك لم تكن صديقاً لنا وخنتنا، لكنك كنت مع ابن رشيد تساعده ضدنا، ولم تخنه أو تتخلى عنه، فأهلاً بك في بلادك، وستكون مستشاراً لي). فباشر حمزة أولى مهمات عمله السياسي في بلاط ابن سعود، مستشاراً في الشعبة السياسية، التي كان يرأسها الأمير أحمد بن ثنيان. وأول مهمة بدأها مندوباً عن السلطان عبدالعزيز في التفاهم مع أمير الكويت في موضوع «قطع المسابلة مع الكويت». وبينما كان حمزة غوث يلملم أغراضه استعداداً للرحيل، وردت موافقة أمير الكويت على شروط ابن سعود ومطالبه، فطلب حمزة غوث من أمير الكويت تأكيد موافقته بأن يوفد معه ولي عهده الشيخ عبدالله السالم لمقابلة الملك بالرياض، فوافق.
ومن الأعمال السياسية المهمة لحمزة غوث رئاسته الوفد النجدي في «مؤتمر الكويت»، الذي ضمّ في عضويته عبدالعزيز القصيبي وحافظ وهبة وعبدالله الدملوجي. وحمّله الملك عبدالعزيز رسالة إلى الكولونيل (نوكس) المعتمد الإنجليزي في الكويت. وكانت مهمة المؤتمر تخفيف حدة التوتر الذي كان سائداً على علاقات سلطنة نجد مع مملكة الحجاز والعراق وشرق الأردن بسبب النزاعات الحدودية والخلافات بين القبائل وتبعيتها والمخافر الأمنية التي بناها العراق. وشارك في المؤتمر إضافة إلى الوفد النجدي وفد من العراق ومن إمارة شرق الأردن.
ثم وجه الملك عبدالعزيز رسالة إلى إبراهيم السبهان، القائم بأعمال أمير المدينة المنورة، يخبره فيها بأنه أصدر أمره ليكون حمزة غوث معاوناً لأمير المدينة المنورة، وقال الملك عبدالعزيز: (والمذكور مثل ما تعلم ولد لنا ومحسوب علينا، وهو إن شاء الله فيه بركة وعارف بالأحوال والأمور السياسية، وأنتم وهو إن شاء الله محل الروح، وفيكم البركة).
وفي شهر ربيع الثاني 1345هـ، قدم الملك عبدالعزيز إلى المدينة المنورة، في أول زيارة له للمدينة، وخرج لاستقباله وكيل أمير المدينة إبراهيم السبهان ومعاونه حمزة غوث وأعضاء المجلس الإداري وعدد من أعيان المدينة، وبقي الملك عبدالعزيز في المدينة قرابة الشهرين، رتَّب أوضاعها وأوضاع القبائل المحيطة بها، وأصلح وضعها الإداري، وشرح لأهلها وأعيانها سياسته الأمنية وضرورة التقيد بها.
وظل حمزة غوث في المدينة المنورة معاوناً لأميرها، حتى صدر الأمر الملكي بتاريخ 3 / 5 /1349هـ الموافق 26 / 9 /1930م بتعيينه عضواً في مجلس الشورى. وبعد أن أمضى السنوات النظامية عاد إلى مهمته الأساسية الأولى التي ابتدأ فيها مسيرته العملية، وهي العمل مستشاراً سياسياً في الديوان الملكي.
وفي شهر رجب 1357هـ، صدر قرار بتعيين حمزة غوث سفيراً لدى العراق خلفاً للشيخ إبراهيم بن معمر، كما تعيّن لاحقاً سفيراً في إيران في عام 1367هـ، وظل سفيراً فيها لمدة لا تقل عن ستة عشر عاماً. وأثناء عمله سفيراً في إيران صدر أمر ملكي بترقيته إلى منصب «وزير دولة». وكان عمله سفيراً في إيران هو آخر عمل له في السلك الوظيفي الحكومي، إذ تقاعد بعده، واستقر في المدينة المنورة، على ضفاف وادي العقيق، وظلّ مقدراً من قبل ملوك بلاده.
وتضمّنت السيرة عمله السياسي في العهد العثماني وفي إمارة آل رشيد، والعهد السعودي الزاهر ويقع الكتاب في 700 صفحة، ويشتمل على وثائق تنشر لأول مرة.
وإذا كان من جُملة ما نفتقر إليه في مكتباتنا؛ سيَر الشخصيات الوطنية، فإن الكاتب الاستقصائي محمد السيف نجح في تبني مشروع غاية في الأهمية، فكتب سيرة مهندس النفط عبدالله الطريقي، وناصر المنقور أشواك السياسة وغربة السفارة، ثم هذا العمل الكبير الشيّق، بحكم مهارة (أبو عبدالله) في الدخول بنا كمن يزوّرك في مدينة من الجانب العجائبي والمُدهش، لكنه يكتب بصدق وأمانة نقل، وتوثيق مهني، وكأنه مركز أبحاث، لا يكتب تاريخاً بل يدوّن ماضينا وحاضرنا المُشرق، وذكرياتنا وأحلامنا.