إذا كان المثل العربي؛ يقول (الولد سر أبيه) فإنّ
الناشر الكاتب السفير الثقافي رواء جواد الجصاني
(سِرُّ أبيه وخاله الشاعر محمد مهدي الجواهري)، فضيف هذه المساحة لازم (شاعر العرب الأكبر)
لعقود، تعلّم منه، وهام به، ونقل عنه، واحتفظ بما لم يحن أوانه؛ واليوم ونحن على مقربة من ربع قرن على رحيل صاحب (يا دجلة الخير) ظل شعر
الجواهري يافعاً حيوياً، والأمين عليه؛ ورثة (كرام،
كريمات) إلا أن عناية الجصاني بكل ما يتعلق بسيرة ومسيرة (خاله) تحمّله مسؤولية إضافية
لمسؤوليته الثقافية، التي دفعته ليجعل من (براغ) مقصداً لعشاق العراق ورموزه؛ وهنا نص الحوار:
• متى بدأ وعيك بالجواهري، الخال والشاعر، وماذا في ذاكرة الطفولة عنه؟
•• إلى جانب انعكاسات ولمحات الطفولة - خاصة وكنا في عائلة شبه واحدة، فوالدتي «نبيهة» شقيقة الجواهري الوحيدة، وكانت مدللَتهُ، ومدللتهِ، وهو قد أباح عن ذلك ووثقه في إهداء على طبعة ديوانه عام 1973 بأربعة أبيات حنينة ومعبرة، والأخير منها: «حسبي وحسبك عن بعـدٍ وعن كثـبٍ، اني في هذي «الدواوين»–... وهكذا ابتدأ وامتد الوعي بالجواهري، وعنه، ومعه، لأزيد من سبعة
عقود في بغداد وبراغ ودمشق، مشاعر ووجدانا
وتعلقا، ثم انغمارا وقناعات بعوالمه الشعرية والفكرية والفلسفية، وحتى اليوم.
• ما الذي يمكن أن ترويه عن الجواهري للقارئ العربي مم لم يرد من قبل؟
•• في الذاكرة خزين لا ينضب، فاض الكثير منه عبر حوالي 400 مقالة ودراسة وبحث، منشورة في أربعة كتب، وفي الصحف والمجلات، وكذلك على شبكة الإنترنت في نحو عشرة مواقع... وشمل ذلك محطات ولمحات عن شؤون شخصية وعامة، أدبية وثقافية وفكرية، وتاريخية. ومن فرائدها – كما أدعي - 65 لقطة وتأرخة وتوثيقا بعنوان «مع الجواهري بعيدا عن الأدب!» بعضها عائلي مباح، وشخصي متاح!.
• كيف يمكن وصف علاقتك بالجواهري؟
•• العلاقة مع الجواهري امتدت لحدود بعيدة، بل لنقل تشابكت لتكون: خؤولة، إنسانية، انبهارا، حفظا لشعره، تيمنا بفلسفته في الحياة ومنها أبياته ومقولاته التي ترسخت في الذاكرة، وباتت إيمانا مني بها، مثل: «حببت الناس كل الناسْ من أظلم كالفحم، ومن أشرق كألماس، «و» أحاول خرقا في الحياة وما أجرا، وأخشى أن أروح ولم أبق لي ذكرى «و» ذهب الناس من الدنيا بمال ونعيم، وذهبنا نحن بالأشعار (أو التاريخ) والذوق السليم «و» عندي وداع حمامة فإذا استثرت فجوع «نمر»» وهكذا، ولو بدرجات متباينة بالتأكيد، ومحاولات في أن أستطيع تبني»الحكم«وإن كانت المقارنة بين صاحبها، مع من يتبناها تحمل فروقات شاسعة.
• ما حُلم الجواهري الذي لم يتحقق؟
•• أظن بأن أحلامه – وليس حلما واحدا فحسب!- غير قابلة للتعداد: طموحا لا أفق له، وهو القائل ومنذ أن كان في عقده الثالث «كلما حدثتُ عن نجم بدا، حدثتني النفس أن ذاك أنا».. ثائرا ومتمردا على السوائد التقليدية، وثباتا على مبادئه الإنسانية في المحبة والإيثار وتبني مطالب وحقوق المحتاجين، من ذوي النفوس الكريمة.. كما في التحديات ومقارعة الظلم الذي يفرضه بنو البشر، وقد تحمل ما تحمل جراء ذلك: عسفا ومحاكمات واعتقالات وسجنا واضطرارا للاغتراب.. برغم «مجاملات» مؤقتة هنا وهناك، إذ يقول «لبست لباس الثعلبين مكرها، وغطيت نفسا إنما خلقت نسرا».
• بماذا تحتفظ من ذكريات زيارات الشعراء والأدباء للجواهري في براغ؟
•• ما يمكن اختزاله، بإيجاز مكثف لسجل حافل بهذا الشأن، هو تعبير طالما أعاده سياسيون ومثقفون وشعراء على الأسماع، وخلاصته «من لم يـزر، الجواهري، أو يراه في براغ، لا تكتمل زيارته لتلك العاصمة الغناء».. ومما يمكن التوثيق له شعرا هنا، لقاءات واستقبال الشاعر الخالد في براغ: للسياسي الكردي البارز جلال الطالباني- وهو من رواته المشهود لهم- في الستينات الماضية (الذي أصبح لاحقا رئيسا للعراق) إذ كتب له عام 1966 أبياتا ممازحة. ونائب رئيس الوزراء العراقي صالح مهدي عماش، وأشار له عام 1969 في قصيدة «رسالة مملحة». والشاعر العراقي مظفر النواب عام 1970 وكتب عنه عام 1970 بضعة أبيات بعنوان «فاتنة ورسام». ثم الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، الذي كتب قصيدة عن لقاء معه في براغ عام 1973. وجميع تلك القصائد والمقطوعات مثبتة في طبعة ديوان الجواهري الأخيرة، شبه الكاملة الصادرة ببغداد عام 2021.. ذلك إلى جانب العشرات من المسؤولين الثقافيين والحكوميين وغيرهم..
• ماذا أردت بتأسيس مركز الجواهري في براغ؟
•• ربما يمكن تحديد ثلاثة طموحات رئيسة وراء تاسيس «مركز الجواهري» في براغ بتاريخ 2002.4.17 منظمة ثقافية غير ربحية. أولها امتحان للذات في تحد غير مسبوق، وأعني بذلك عدم الاعتماد على أي تمويل، لا عراقيا، ولا تشيكيا. وثانيهما اعتراف بفضل الجواهري خالا وإنسانا، وبعض وفاء لعبقريته، وافتخارا به. وثالثهما المساهمة في إشاعة التبادل الثقافي الإنساني. ولعل من المناسب هنا أن أوثق للعصبة المتطوعة التي ساهمت بإطلاق المركز، وواكبت مساره: الفقيد عبد الإله النعيمي، نسرين وصفي طاهر، د. عدنان الأعسم، سلوان الناشيء.. ثم لاحقا: ظافر الجناحي، معنيا بمتابعة ممثلية المركز في بغداد..
أما عن نشاطات وفعاليات المركز فتنوعت وتعددت بالعشرات، بين إصدارات بلغات مختلفة، وآماسي، ومشاركات ثقافية، وفي التوثيق لمحطات من حياته، ومساعدة لستة باحثين كتبوا عنه رسائل ماجستير وأطروحات دكتوراه.. ومن أواخر المشاركات الثقافية، المساهمة في فعالية مميزة وسط براغ بتاريخ 2023.1.6 بحضور لافت يتقدمه عميد السلك الدبلوماسي العربي- سفير فلسطين، خالد الأطرش، حين تبنى سفير العراق الدكتور فلاح الساعدي إطلاق «ركن الجواهري» وافتتاحه في مقهى «سلافيا» العريق وسط براغ، تتصدره صورة الشاعر الخالد، الذي كان يرتاد ذلك المقهى طوال 30 عاما (1961-1991)..
• هل تنوي إصدار الجزء الثالث من ذكريات الجواهري؟
•• بدأت ذلك فعلا، إذ صدر لي بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لرحيل الشاعر العظيم كتيب توثيقي جاء في مقدمته أن الجواهري أصدر في دمشق الشام عامي 1989 و1990 مؤلفا بجزءين، أسماه (ذكرياتي) من الولادة وحتى عام 1969 فقط.. ولأن الحال هكذا، شئت أن نساهم في المسعى على طريق تأرخة للفترة ما بعد عام 1969 وحتى تاريخ الرحيل في تموز / يوليو 1997 وبخلاصات ومحطات موجزة كما نظن، إذ ثمة في تلك الفترة المعنية، أي ما يقارب ثلاثة عقود، شهدت أحداثا ووقائع، بل وعواصف، عراقية وعربية ودولية، عاشها الجواهري، وعايشها عن قرب، بل وفي صميم الصميم، ولا نبالغ. وسواء كان ذلك بالموقف أو الشعر أو الرؤى، ما طفح منها، وما خفي وربما كان أعظم.. ومن اهتماماتي الراهنة السير في توسيع هذا الكتيب ليصبح جزءا ثالثا – إن صح التعبير- من مؤلف «ذكرياتي» يجمع ما بين السيرة والذكريات للفترة (1969-1997).
• ماذا تقول لمن تحاملوا على الجواهري في حياته وبعد مماته؟
•• أنا لا أقول عن ذلك، بل سأستعير عن الجواهري بعض احترازاته، ومنذ بدء مسيرته في التفرد الشعري والريادة الثقافية. وقد تزامن ازدياد التحامل والتطاول مع تربع الجواهري على عرش الشعر العربي. ومن تلك الشواهد ما قاله في الأربعينات ضمن «مقصورته» أقول لنفسي إذا ضمها، وأترابها محفل يزدهى/ تسامي فإنك خير النفوس إذا قيس كل على ما انطوى... وكذلك ما جاء في بائيته عام 1953 في قصيدته «عدا علي كما يستكلب الذيب، قوم ببغداد أنماط أعاجيبُ».. وما قاله في داليته عام 1969 «يا شاتمي وفي كفي غلاصمهم، كموسع الليث شتما وهو يزدرد/ ما ضرّ من آمنت دنيا بفكرته، إن ضيف صفر إلى أصفار من جحدوا». وفي لاميته عام 1982 «كم هز دوحك من قزم يطاوله فلم ينله ولم تقصر ولم يطلِ» وغير ذلك الكثير من احترازات الشاعر، وتنبؤاته لما سيطاله بعد الرحيل إلى الخلود.
• برغم شاعرية (متنبي القرن العشرين) إلا أن العدوى الإيجابية، لم تنتقل لك، لماذا وأنت أحفظ العائلة لشعر خالك؟.
•• كانت عندي بعض «التطلعات» بذلك المنحى وأنا في مطلع العشرينات، بنظم الشعرـ السياسة والغزل.. ثم لاحت من جديد في سنوات لاحقة، ولكني لم أطلع ما «أشقشق» به سوى لأصدقاء – وربما لصديقات!- ثم وعند بدء «المشيب» قبل سنوات نشرت بعض ما نظمته، ولفت انتباه عدد من المتابعين، ومن آخرها: «يا للخريفيّنِ كمْ أشكو ظلامهما، من وحشة الروحِ، أو من رهبةِ الزمنِ / يا للشقييّنِ كم جاءا بمنعطفٍ، يهوي إلى القاعِ، أو يسمو إلى المزنِ!»..
وكذلك: «تظـلُّ تُحِـبُّ وَتَستعذِبُ، رُضَابَ الحِسَانِ وَلَا تَـتْعَــبُ، تفيضُ بـرغْم جَدِيـبِ السنيـنِ، وَيَغمـزُ، منْ طَرَفِـكَ، الأجدبُ/ فَتَصدَحُ أَنـكَ خالي الذنـوبِ، وَمِنْ لَا يُحِـبُّ هُوَ المذِنـبُ / لأَنَّكَ تَعَرُفُ كُنْـهَ الزمانِ، يـؤَانِسُ حَينًـاً، ويَستذئـبُ !».
• ماذا عن تأسيس وبعض مسيرة «بابيلون»؟
•• بعد الانكفاء السياسي، إثر انهيار النظام الشمولي في براغ عام 1989.. بدأ الانتقال إلى عالم متلاصق ومتشابك مع السياسة، وأعني الثقافة العامة، فأسست «بابيلون» للإعلام والنشر، مع الفقيد المترجم والكاتب القدير، عبد الإله النعيمي وقد وصفتها - وما زلت بأنها «مغامرة كتب لها النجاح» متحديا أن تبدأ وتستمر – وإلى اليوم - دون تمويل مالي، أو طموحات تجارية، وقد «احتفينا» بذلك معنويا على الأقل بدخول «بابيلون» عامها الثالث والثلاثين، فبل أيام قليلة....
لقد حاولت «بابيلون» وجهدت أن تكون أكثر من مؤسسة إعلامية، بل «واحة» عربية أولى – وأخيرة إلى الآن- في براغ، وباتجاه لم، وجمع، ما يمكن من بنات وأبناء الجاليات العربية في بلاد التشيك، ولو بحدود دنيا، وقد نجحت في ذلك لحدود مشهود لها: مركزا ثقافيا تنويريا جامعا في بلاد الاغتراب، دعوا عنكم مساهماتها في «تبادل الثقافات» الإنسانية مع التشيك، وحتى الأقليات الأجنبية بشكل أو آخر، عبر عشرات الإصدارات: منها اليومية والأسبوعية والشهرية والدورية.
• بماذا تطالب عائلة الجواهري الحكومات العراقية لتعزيز مكانة الشاعر الأكبر؟
إذا ما كان السؤال أكثر شمولا، مثل: إلى ماذا يتطلع محبو الجواهري الخالد، وعارفو عبقريته، ومن بينهم «بعض» من يعنيهم الأمر – حقا - من عائلته وأسرته؟ فسأقول مجيبا: إن الأمم والشعوب المتطلعة للأمام، هي تلك التي تخلّد عظماءها عبر مختلف الطرق والأشكال. وأمامنا عشرات، بل مئات الأمثولات، عربيا وعالميا، تؤكد تلك الحقيقة. ولا أظن بأن شعوبنا، ومثقفيها ونخبها خاصة، بعيدة عن الشعوب والأمم الأخرى، وإن مرت – وتمر- بفترات «مظلمة» قد تطول أحيانا، ولكن لا خلاف على المبدأ، وأعني مبدأ تخليد الرموز الوطنية والقومية والإنسانية، ولا خلاف على أن الجواهري واحد – على الأقل – من بين ما نعني.. وبهذا الصدد لا بد أن أشير إلى ما شهده وطن الجواهري – العراق- قبل شهور قليلة، وفي 2022.7.27 تحديدا، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لرحيله من احتفاء رسمي وشعبي بالغ الصوت والصدى، ومن أهمه افتتاح بيته الأول والأخير في العراق ليكون متحفا ومركزا ثقافيا، نفتخر بأن مركزنا – مركز الجواهري للثقافة والتوثيق - كان هو من أطلق المبادرة قبل أزيد من 12 عاما ثم تابع، وساهم، مع نجل الجواهري الثالث، الدكتور كفاح، في أن يتحقق ذلكم «البيت/ الصرح الثقافي» فضلا عن جهود المؤسسات الرسمية، طبعا، وخاصة المسؤولين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأمانة العاصمة بغداد.
• لماذا تتضاعف حميمية العراقي في المنافي؟
•• لا أظنها سمة عراقية وحسب بل إنسانية شاملة، وخاصة ممن يضطر قسرا للغربة، واختيار المنفى مجبرا، بسبب الاشتغال في السياسة، أو لمزيد من الانفتاح على العالم، أو لظروف اقتصادية.
• ما الذي عوضك عن العراق المادي المحسوس في الغُربة؟
•• لنقل ثمة بعض التعويض، عبر الانشغال بالشأن السياسي الوطني العام، ومجالات النشاط الثقافي والإعلامي.. وأكرر في ذلكم كان بعض التعويض فالوطن لا يعوض مهما كانت البدائل، وحسب الجواهري عام 1968 حين عاد إلى بغداد بعد سبعة أعوام من الاغتراب إلى براغ: «وسبعا خلنها سبعين لا كدرا، لكن لحاجتها القصوى إلى الكدر».
• هل ندم المثقف رواء على الانتماء الحزبي، إثر ما سمع ورأى من واقعية دمرت كل الأحلام المثالية؟
•• لم أندم بالمعنى الحرفي، بقدر ما أعدت القراءات، وعنيت بالمراجعات، وتقويم الواقع واستخلاص العبر، وما يترتب على ذلك، من القناعات التي توفرت بعد انهيار الادأنظمة الشمولية، والرؤى والأسس القديمة التي لم تنزه الحياة الكثير منها. ومن يتشبث بالماضي، المطلق، يتبلد ويفقد خصوصية تنشيط الذهن، والحيوية الإنسانية.
• ما أثر تفكك المعسكر الاشتراكي على العالم العربي؟
•• في ظني أن تفكك، ثم انهيار المعسكر «الاشتراكي» لم ينعكس على عالمنا العربي فحسب، بل على العالم أجمع... والموضوعيون - بحسبي- من يتعظون ويعون التطورات والوقائع..
• هل أنت صندوق الجـواهري «الأسود؟
•• برغم أن الجواهري كان ساعيا لأن يكون بعيدا عن «الكتمان» وإخفاء ما لا يجب إخفاؤه، متمثلا بما ثبته شعرا عام 1958 حين قال «خير الشفاعة لي بأني كاشفٌ حــرّ الضمير، وقائل هذا أنا».. أقول برغم ذلك ما من إنسان يبوح بكل شيء، وهكذا الجواهري له (صندوقه «الاسود») بمعنى الخصوصيات العائلية، والحياتية، والمواقف والاراء السياسية والثقافية وغيرهما التي لم يرد الحديث عنها أو التطرق إليها.. وأزعم بأني كنت الأعلم بخبايا وخفايا ذلك «الصندوق» ومستودع الأسرار، وما أكثرها، والأمين عليها، ولكن للمجالس أمانات كما هو معروف.
• ما الذي كان يبهج الجواهري، وما يغضبه؟
•• لعل أبرز ما يبهج الجواهري في الشأن العام، ويبتهج له: سيادة العدالة الاجتماعية، ونزاهة المواقف، والأمان للناس، وعيشهم الرغيد.. وفي الشأن الخاص: إشاعة الفرح بين الأقربين، ولحد كتمان ما يؤلمه ويؤذيه، إلى جانب شعوره بالانتشاء بحب الناس له، ولقيمه والاعتراف بعبقريته، وذلك ما بقي يتفاخر به علنا مع سبق الإصرار..
أما ما يغضبه، ويثيره، فلنقل: الرياء وازدواجية المواقف، والتسلط على الضعفاء.. وكذلك شعوره بالهضيمة ممن يتطاولون تحت لبوسات «النقد» و «حرية الرأي» وخاصة أدباء «وصفهم «بأن زوايا المقاهي لهم منتدى».. وأيضا من «صحافة صفر الضمير كأنها سلع تباعُ وتشترى تُعار» على حد ما جاء بقصيدته في لبنان عام 1950.
الناشر الكاتب السفير الثقافي رواء جواد الجصاني
(سِرُّ أبيه وخاله الشاعر محمد مهدي الجواهري)، فضيف هذه المساحة لازم (شاعر العرب الأكبر)
لعقود، تعلّم منه، وهام به، ونقل عنه، واحتفظ بما لم يحن أوانه؛ واليوم ونحن على مقربة من ربع قرن على رحيل صاحب (يا دجلة الخير) ظل شعر
الجواهري يافعاً حيوياً، والأمين عليه؛ ورثة (كرام،
كريمات) إلا أن عناية الجصاني بكل ما يتعلق بسيرة ومسيرة (خاله) تحمّله مسؤولية إضافية
لمسؤوليته الثقافية، التي دفعته ليجعل من (براغ) مقصداً لعشاق العراق ورموزه؛ وهنا نص الحوار:
• متى بدأ وعيك بالجواهري، الخال والشاعر، وماذا في ذاكرة الطفولة عنه؟
•• إلى جانب انعكاسات ولمحات الطفولة - خاصة وكنا في عائلة شبه واحدة، فوالدتي «نبيهة» شقيقة الجواهري الوحيدة، وكانت مدللَتهُ، ومدللتهِ، وهو قد أباح عن ذلك ووثقه في إهداء على طبعة ديوانه عام 1973 بأربعة أبيات حنينة ومعبرة، والأخير منها: «حسبي وحسبك عن بعـدٍ وعن كثـبٍ، اني في هذي «الدواوين»–... وهكذا ابتدأ وامتد الوعي بالجواهري، وعنه، ومعه، لأزيد من سبعة
عقود في بغداد وبراغ ودمشق، مشاعر ووجدانا
وتعلقا، ثم انغمارا وقناعات بعوالمه الشعرية والفكرية والفلسفية، وحتى اليوم.
• ما الذي يمكن أن ترويه عن الجواهري للقارئ العربي مم لم يرد من قبل؟
•• في الذاكرة خزين لا ينضب، فاض الكثير منه عبر حوالي 400 مقالة ودراسة وبحث، منشورة في أربعة كتب، وفي الصحف والمجلات، وكذلك على شبكة الإنترنت في نحو عشرة مواقع... وشمل ذلك محطات ولمحات عن شؤون شخصية وعامة، أدبية وثقافية وفكرية، وتاريخية. ومن فرائدها – كما أدعي - 65 لقطة وتأرخة وتوثيقا بعنوان «مع الجواهري بعيدا عن الأدب!» بعضها عائلي مباح، وشخصي متاح!.
• كيف يمكن وصف علاقتك بالجواهري؟
•• العلاقة مع الجواهري امتدت لحدود بعيدة، بل لنقل تشابكت لتكون: خؤولة، إنسانية، انبهارا، حفظا لشعره، تيمنا بفلسفته في الحياة ومنها أبياته ومقولاته التي ترسخت في الذاكرة، وباتت إيمانا مني بها، مثل: «حببت الناس كل الناسْ من أظلم كالفحم، ومن أشرق كألماس، «و» أحاول خرقا في الحياة وما أجرا، وأخشى أن أروح ولم أبق لي ذكرى «و» ذهب الناس من الدنيا بمال ونعيم، وذهبنا نحن بالأشعار (أو التاريخ) والذوق السليم «و» عندي وداع حمامة فإذا استثرت فجوع «نمر»» وهكذا، ولو بدرجات متباينة بالتأكيد، ومحاولات في أن أستطيع تبني»الحكم«وإن كانت المقارنة بين صاحبها، مع من يتبناها تحمل فروقات شاسعة.
• ما حُلم الجواهري الذي لم يتحقق؟
•• أظن بأن أحلامه – وليس حلما واحدا فحسب!- غير قابلة للتعداد: طموحا لا أفق له، وهو القائل ومنذ أن كان في عقده الثالث «كلما حدثتُ عن نجم بدا، حدثتني النفس أن ذاك أنا».. ثائرا ومتمردا على السوائد التقليدية، وثباتا على مبادئه الإنسانية في المحبة والإيثار وتبني مطالب وحقوق المحتاجين، من ذوي النفوس الكريمة.. كما في التحديات ومقارعة الظلم الذي يفرضه بنو البشر، وقد تحمل ما تحمل جراء ذلك: عسفا ومحاكمات واعتقالات وسجنا واضطرارا للاغتراب.. برغم «مجاملات» مؤقتة هنا وهناك، إذ يقول «لبست لباس الثعلبين مكرها، وغطيت نفسا إنما خلقت نسرا».
• بماذا تحتفظ من ذكريات زيارات الشعراء والأدباء للجواهري في براغ؟
•• ما يمكن اختزاله، بإيجاز مكثف لسجل حافل بهذا الشأن، هو تعبير طالما أعاده سياسيون ومثقفون وشعراء على الأسماع، وخلاصته «من لم يـزر، الجواهري، أو يراه في براغ، لا تكتمل زيارته لتلك العاصمة الغناء».. ومما يمكن التوثيق له شعرا هنا، لقاءات واستقبال الشاعر الخالد في براغ: للسياسي الكردي البارز جلال الطالباني- وهو من رواته المشهود لهم- في الستينات الماضية (الذي أصبح لاحقا رئيسا للعراق) إذ كتب له عام 1966 أبياتا ممازحة. ونائب رئيس الوزراء العراقي صالح مهدي عماش، وأشار له عام 1969 في قصيدة «رسالة مملحة». والشاعر العراقي مظفر النواب عام 1970 وكتب عنه عام 1970 بضعة أبيات بعنوان «فاتنة ورسام». ثم الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، الذي كتب قصيدة عن لقاء معه في براغ عام 1973. وجميع تلك القصائد والمقطوعات مثبتة في طبعة ديوان الجواهري الأخيرة، شبه الكاملة الصادرة ببغداد عام 2021.. ذلك إلى جانب العشرات من المسؤولين الثقافيين والحكوميين وغيرهم..
• ماذا أردت بتأسيس مركز الجواهري في براغ؟
•• ربما يمكن تحديد ثلاثة طموحات رئيسة وراء تاسيس «مركز الجواهري» في براغ بتاريخ 2002.4.17 منظمة ثقافية غير ربحية. أولها امتحان للذات في تحد غير مسبوق، وأعني بذلك عدم الاعتماد على أي تمويل، لا عراقيا، ولا تشيكيا. وثانيهما اعتراف بفضل الجواهري خالا وإنسانا، وبعض وفاء لعبقريته، وافتخارا به. وثالثهما المساهمة في إشاعة التبادل الثقافي الإنساني. ولعل من المناسب هنا أن أوثق للعصبة المتطوعة التي ساهمت بإطلاق المركز، وواكبت مساره: الفقيد عبد الإله النعيمي، نسرين وصفي طاهر، د. عدنان الأعسم، سلوان الناشيء.. ثم لاحقا: ظافر الجناحي، معنيا بمتابعة ممثلية المركز في بغداد..
أما عن نشاطات وفعاليات المركز فتنوعت وتعددت بالعشرات، بين إصدارات بلغات مختلفة، وآماسي، ومشاركات ثقافية، وفي التوثيق لمحطات من حياته، ومساعدة لستة باحثين كتبوا عنه رسائل ماجستير وأطروحات دكتوراه.. ومن أواخر المشاركات الثقافية، المساهمة في فعالية مميزة وسط براغ بتاريخ 2023.1.6 بحضور لافت يتقدمه عميد السلك الدبلوماسي العربي- سفير فلسطين، خالد الأطرش، حين تبنى سفير العراق الدكتور فلاح الساعدي إطلاق «ركن الجواهري» وافتتاحه في مقهى «سلافيا» العريق وسط براغ، تتصدره صورة الشاعر الخالد، الذي كان يرتاد ذلك المقهى طوال 30 عاما (1961-1991)..
• هل تنوي إصدار الجزء الثالث من ذكريات الجواهري؟
•• بدأت ذلك فعلا، إذ صدر لي بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لرحيل الشاعر العظيم كتيب توثيقي جاء في مقدمته أن الجواهري أصدر في دمشق الشام عامي 1989 و1990 مؤلفا بجزءين، أسماه (ذكرياتي) من الولادة وحتى عام 1969 فقط.. ولأن الحال هكذا، شئت أن نساهم في المسعى على طريق تأرخة للفترة ما بعد عام 1969 وحتى تاريخ الرحيل في تموز / يوليو 1997 وبخلاصات ومحطات موجزة كما نظن، إذ ثمة في تلك الفترة المعنية، أي ما يقارب ثلاثة عقود، شهدت أحداثا ووقائع، بل وعواصف، عراقية وعربية ودولية، عاشها الجواهري، وعايشها عن قرب، بل وفي صميم الصميم، ولا نبالغ. وسواء كان ذلك بالموقف أو الشعر أو الرؤى، ما طفح منها، وما خفي وربما كان أعظم.. ومن اهتماماتي الراهنة السير في توسيع هذا الكتيب ليصبح جزءا ثالثا – إن صح التعبير- من مؤلف «ذكرياتي» يجمع ما بين السيرة والذكريات للفترة (1969-1997).
• ماذا تقول لمن تحاملوا على الجواهري في حياته وبعد مماته؟
•• أنا لا أقول عن ذلك، بل سأستعير عن الجواهري بعض احترازاته، ومنذ بدء مسيرته في التفرد الشعري والريادة الثقافية. وقد تزامن ازدياد التحامل والتطاول مع تربع الجواهري على عرش الشعر العربي. ومن تلك الشواهد ما قاله في الأربعينات ضمن «مقصورته» أقول لنفسي إذا ضمها، وأترابها محفل يزدهى/ تسامي فإنك خير النفوس إذا قيس كل على ما انطوى... وكذلك ما جاء في بائيته عام 1953 في قصيدته «عدا علي كما يستكلب الذيب، قوم ببغداد أنماط أعاجيبُ».. وما قاله في داليته عام 1969 «يا شاتمي وفي كفي غلاصمهم، كموسع الليث شتما وهو يزدرد/ ما ضرّ من آمنت دنيا بفكرته، إن ضيف صفر إلى أصفار من جحدوا». وفي لاميته عام 1982 «كم هز دوحك من قزم يطاوله فلم ينله ولم تقصر ولم يطلِ» وغير ذلك الكثير من احترازات الشاعر، وتنبؤاته لما سيطاله بعد الرحيل إلى الخلود.
• برغم شاعرية (متنبي القرن العشرين) إلا أن العدوى الإيجابية، لم تنتقل لك، لماذا وأنت أحفظ العائلة لشعر خالك؟.
•• كانت عندي بعض «التطلعات» بذلك المنحى وأنا في مطلع العشرينات، بنظم الشعرـ السياسة والغزل.. ثم لاحت من جديد في سنوات لاحقة، ولكني لم أطلع ما «أشقشق» به سوى لأصدقاء – وربما لصديقات!- ثم وعند بدء «المشيب» قبل سنوات نشرت بعض ما نظمته، ولفت انتباه عدد من المتابعين، ومن آخرها: «يا للخريفيّنِ كمْ أشكو ظلامهما، من وحشة الروحِ، أو من رهبةِ الزمنِ / يا للشقييّنِ كم جاءا بمنعطفٍ، يهوي إلى القاعِ، أو يسمو إلى المزنِ!»..
وكذلك: «تظـلُّ تُحِـبُّ وَتَستعذِبُ، رُضَابَ الحِسَانِ وَلَا تَـتْعَــبُ، تفيضُ بـرغْم جَدِيـبِ السنيـنِ، وَيَغمـزُ، منْ طَرَفِـكَ، الأجدبُ/ فَتَصدَحُ أَنـكَ خالي الذنـوبِ، وَمِنْ لَا يُحِـبُّ هُوَ المذِنـبُ / لأَنَّكَ تَعَرُفُ كُنْـهَ الزمانِ، يـؤَانِسُ حَينًـاً، ويَستذئـبُ !».
• ماذا عن تأسيس وبعض مسيرة «بابيلون»؟
•• بعد الانكفاء السياسي، إثر انهيار النظام الشمولي في براغ عام 1989.. بدأ الانتقال إلى عالم متلاصق ومتشابك مع السياسة، وأعني الثقافة العامة، فأسست «بابيلون» للإعلام والنشر، مع الفقيد المترجم والكاتب القدير، عبد الإله النعيمي وقد وصفتها - وما زلت بأنها «مغامرة كتب لها النجاح» متحديا أن تبدأ وتستمر – وإلى اليوم - دون تمويل مالي، أو طموحات تجارية، وقد «احتفينا» بذلك معنويا على الأقل بدخول «بابيلون» عامها الثالث والثلاثين، فبل أيام قليلة....
لقد حاولت «بابيلون» وجهدت أن تكون أكثر من مؤسسة إعلامية، بل «واحة» عربية أولى – وأخيرة إلى الآن- في براغ، وباتجاه لم، وجمع، ما يمكن من بنات وأبناء الجاليات العربية في بلاد التشيك، ولو بحدود دنيا، وقد نجحت في ذلك لحدود مشهود لها: مركزا ثقافيا تنويريا جامعا في بلاد الاغتراب، دعوا عنكم مساهماتها في «تبادل الثقافات» الإنسانية مع التشيك، وحتى الأقليات الأجنبية بشكل أو آخر، عبر عشرات الإصدارات: منها اليومية والأسبوعية والشهرية والدورية.
• بماذا تطالب عائلة الجواهري الحكومات العراقية لتعزيز مكانة الشاعر الأكبر؟
إذا ما كان السؤال أكثر شمولا، مثل: إلى ماذا يتطلع محبو الجواهري الخالد، وعارفو عبقريته، ومن بينهم «بعض» من يعنيهم الأمر – حقا - من عائلته وأسرته؟ فسأقول مجيبا: إن الأمم والشعوب المتطلعة للأمام، هي تلك التي تخلّد عظماءها عبر مختلف الطرق والأشكال. وأمامنا عشرات، بل مئات الأمثولات، عربيا وعالميا، تؤكد تلك الحقيقة. ولا أظن بأن شعوبنا، ومثقفيها ونخبها خاصة، بعيدة عن الشعوب والأمم الأخرى، وإن مرت – وتمر- بفترات «مظلمة» قد تطول أحيانا، ولكن لا خلاف على المبدأ، وأعني مبدأ تخليد الرموز الوطنية والقومية والإنسانية، ولا خلاف على أن الجواهري واحد – على الأقل – من بين ما نعني.. وبهذا الصدد لا بد أن أشير إلى ما شهده وطن الجواهري – العراق- قبل شهور قليلة، وفي 2022.7.27 تحديدا، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لرحيله من احتفاء رسمي وشعبي بالغ الصوت والصدى، ومن أهمه افتتاح بيته الأول والأخير في العراق ليكون متحفا ومركزا ثقافيا، نفتخر بأن مركزنا – مركز الجواهري للثقافة والتوثيق - كان هو من أطلق المبادرة قبل أزيد من 12 عاما ثم تابع، وساهم، مع نجل الجواهري الثالث، الدكتور كفاح، في أن يتحقق ذلكم «البيت/ الصرح الثقافي» فضلا عن جهود المؤسسات الرسمية، طبعا، وخاصة المسؤولين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأمانة العاصمة بغداد.
• لماذا تتضاعف حميمية العراقي في المنافي؟
•• لا أظنها سمة عراقية وحسب بل إنسانية شاملة، وخاصة ممن يضطر قسرا للغربة، واختيار المنفى مجبرا، بسبب الاشتغال في السياسة، أو لمزيد من الانفتاح على العالم، أو لظروف اقتصادية.
• ما الذي عوضك عن العراق المادي المحسوس في الغُربة؟
•• لنقل ثمة بعض التعويض، عبر الانشغال بالشأن السياسي الوطني العام، ومجالات النشاط الثقافي والإعلامي.. وأكرر في ذلكم كان بعض التعويض فالوطن لا يعوض مهما كانت البدائل، وحسب الجواهري عام 1968 حين عاد إلى بغداد بعد سبعة أعوام من الاغتراب إلى براغ: «وسبعا خلنها سبعين لا كدرا، لكن لحاجتها القصوى إلى الكدر».
• هل ندم المثقف رواء على الانتماء الحزبي، إثر ما سمع ورأى من واقعية دمرت كل الأحلام المثالية؟
•• لم أندم بالمعنى الحرفي، بقدر ما أعدت القراءات، وعنيت بالمراجعات، وتقويم الواقع واستخلاص العبر، وما يترتب على ذلك، من القناعات التي توفرت بعد انهيار الادأنظمة الشمولية، والرؤى والأسس القديمة التي لم تنزه الحياة الكثير منها. ومن يتشبث بالماضي، المطلق، يتبلد ويفقد خصوصية تنشيط الذهن، والحيوية الإنسانية.
• ما أثر تفكك المعسكر الاشتراكي على العالم العربي؟
•• في ظني أن تفكك، ثم انهيار المعسكر «الاشتراكي» لم ينعكس على عالمنا العربي فحسب، بل على العالم أجمع... والموضوعيون - بحسبي- من يتعظون ويعون التطورات والوقائع..
• هل أنت صندوق الجـواهري «الأسود؟
•• برغم أن الجواهري كان ساعيا لأن يكون بعيدا عن «الكتمان» وإخفاء ما لا يجب إخفاؤه، متمثلا بما ثبته شعرا عام 1958 حين قال «خير الشفاعة لي بأني كاشفٌ حــرّ الضمير، وقائل هذا أنا».. أقول برغم ذلك ما من إنسان يبوح بكل شيء، وهكذا الجواهري له (صندوقه «الاسود») بمعنى الخصوصيات العائلية، والحياتية، والمواقف والاراء السياسية والثقافية وغيرهما التي لم يرد الحديث عنها أو التطرق إليها.. وأزعم بأني كنت الأعلم بخبايا وخفايا ذلك «الصندوق» ومستودع الأسرار، وما أكثرها، والأمين عليها، ولكن للمجالس أمانات كما هو معروف.
• ما الذي كان يبهج الجواهري، وما يغضبه؟
•• لعل أبرز ما يبهج الجواهري في الشأن العام، ويبتهج له: سيادة العدالة الاجتماعية، ونزاهة المواقف، والأمان للناس، وعيشهم الرغيد.. وفي الشأن الخاص: إشاعة الفرح بين الأقربين، ولحد كتمان ما يؤلمه ويؤذيه، إلى جانب شعوره بالانتشاء بحب الناس له، ولقيمه والاعتراف بعبقريته، وذلك ما بقي يتفاخر به علنا مع سبق الإصرار..
أما ما يغضبه، ويثيره، فلنقل: الرياء وازدواجية المواقف، والتسلط على الضعفاء.. وكذلك شعوره بالهضيمة ممن يتطاولون تحت لبوسات «النقد» و «حرية الرأي» وخاصة أدباء «وصفهم «بأن زوايا المقاهي لهم منتدى».. وأيضا من «صحافة صفر الضمير كأنها سلع تباعُ وتشترى تُعار» على حد ما جاء بقصيدته في لبنان عام 1950.