لا يصدق الكاتب والناقد عبدالله العقيبي الكثير من الادعاءات حول الروايات التاريخية وأنها صوت المهزومين، لأسباب منها أنّ معظم كتّابها -كما يقول- ينحازون لها هرباً من المشكلات المعروفة في الواقع، ويؤكد أنّ جلّ التجارب السردية العربية التي استطاعت اختراق المركزية في النقد الغربي، اخترقتها من خلال صراعها مع الآخر الغربي.
العقيبي يرى أنّ الخوف من النص غير المنجز، أو غير المنجز على الطريقة التي نتمناها ليس همّه وحده، لكنّه -كما يقول- هم مشترك لدى جميع الكتاب، ولا يسلم منه كبار الكتاب أيضاً.
هنا العديد من القضايا التي يفكّر فيها العقيبي بشكل مختلف، وربما غير متفق عليه.. فإلى نصّ الحوار:
• دعنا نبدأ من الرواية العربية، كيف يمكنها المساهمة والإضافة في البناء الإنساني؟
•• لا شك في أن أي فعل إبداعي ينطلق من تصور إنساني، سيسهم بشكل أو بآخر في البناء المعرفي، الذي يصب -بدوره- في تكوين الرؤى الإنسانية العامة، السؤال الأهم هو السؤال الذي يأتي لاحقاً، أعني سؤال القيمة، التي ترتبط دائماً بالحداثة والجدة، فلا معنى لإسهام إبداعي مكرور، أو مسبوق، لأنه سيدخلنا في مناطق الآخرين وتصوراتهم، وإن كان فيها مشترك إنساني، من هنا يبرز دور الخصوصية والذاتية، المجال الذي لا يمكن أن يعبر إلا عن صاحبه؛ أي التعبير عمّا يعرفه الكاتب حق المعرفة، لذلك نجد أن التجارب العربية التي أسهمت بشكل فريد في البناء الإنساني حسب ما جاء في السؤال، هي التجارب التي عبرت عن مكانها وإنسانها أجمل وأدق تعبير، مع عدم إغفالها للفنيات الحديثة، التي تعبر عن روح العصر.
• لماذا ينظر دارس ومتابع مثلك لبعض التجارب السردية العربية المنغلقة على ذاتها نظرة إعجاب؟
•• باختصار شديد لأنها مشغولة بأسئلتها الذاتية، ومنصرفة إلى همومها، من خلال صُنع حوارية خلاص مع أزماتها ومشكلاتها الحقيقية، وبالتالي تواجه بشجاعة وتهشم ذاتها، بينما تقوم الأعمال السردية الأخرى بأدوار فيها شكل من المبادرة التي تجعل من الكاتب موظف لدى الآخرين، فالكاتب الجيد -من وجهة نظري- هو الكاتب الذي يُقاوم فكرة الطلب، سواء على مستوى الموضوعات، أو الأنماط الفنية السائدة، من هنا كان السرد الجيد هو الذي ينصاع إلى طلب الكتابة ذاتها، وطلب الكتابة الحقيقية لا يكون خارج الموضوعات التي تتماس مع الذات، سواء الذات بشكلها الفردي أو الجمعي.
• هل استطاعت الأعمال السردية العربية اختراق مركزية النقد الغربي؟ كيف؟
•• جل التجارب السردية العربية التي استطاعت اختراق مركزية النقدية الغربي، اخترقتها من خلال الصراع مع الآخر الغربي، انظر إلى التجارب السردية المبكرة التي تم التعبير عنها بسرديات الآخر، مثل موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، والحي اللاتيني لسهيل إدريس، وغيرها من الأعمال التي قامت على فكرة التصارع مع المركزية الغربية، عدا تلك التجارب هناك استثناءات لروايات عربية عبرت عن ذاتيتها، فحفزت المركزية الغربية تجاه معرفة الآخر العربي، بينما هناك النموذج الثالث، وهو النموذج الساقط، الذي يتمسح بالمركزية الغربية ويحاول لفت انتباهها، وسبب سقوطه يأتي من فكرة أن هذه المركزية مكتفية بذاتها، ولديها أسئلتها الخاصة، والتي تأتينا كصادرات ثقافية، يستهلكها هذا النموذج الساقط ويحاول إعادة إنتاجها بشكل عكسي، ضمن رؤية استهلاكية ممجوجة ومشوهة.
• لماذا يعاني الكتاب من النص كفكرة والنص كمنجز على الورق؟
•• هذا سؤال مؤرق حقاً، وقد كنت أظن أنه سؤال شخصي ليس من الحصافة الكتابة عنه، من باب عدم إطلاع القارئ على تردداتي الشخصية، لكنني وقعت على عدد من القصص لخوان خوسيه مياس، وأوغستو مونتيروسو وآخرين، تقبض بفنية عالية على نفس السؤال، وتناقش ذات الموضوع، شعرت بعدها أن الخوف من النص غير المنجز، أو غير المنجز على الطريقة التي نتمناها هم مشترك لدى جميع الكتاب، ولا يسلم منه كبار الكتاب، كبورخيس مثلاً الذي قالها وبكل وضوح: «إننا نقرأ ما نريد لكننا لا نكتب ما نريد، بل ما نستطيع».
• لديك وجهة نظر حول العنوان الروائي.. حدثنا عن وجهة نظرك هذه.
•• الموضوع ليس مخصص للعنوان الروائي، بل العنوان بشكل عام، كما أنها ليست وجهة نظر شخصية، بل معرفة مشاعة، أسس لها النقد الغربي، ضمن الدراسات التي عُرفت لاحقاً بمصطلح «التيترولوجيا»؛ أي علم العنونة، وهو نوع من المقاربات السيميائية، التي تحاول دراسة المتن السردي انطلاقاً من عنوانه. والموضوع المؤرق بالنسبة للذهنية العربية هو عدم اهتمامها في هذا النوع من الدراسات، إما جهلاً بها، أم تجاهلاً لأهميتها، وتتلخص وجهة نظري في هذا الموضوع بأن على الكاتب والناشر العربي الالتفات لأهمية هذه الدراسات، ومحاولة استثمار مخرجاتها، فانعكاس المعرفة بها سيسهم بالضرورة في جودة العناوين، التي باتت تدرس نقدياً بشكل مستقل كنص موازٍ.
• هل أصبح شعور المتلقي الناقد شحيحاً بالفعل في العثور على رواية عظيمة؟
•• أعتقد أن العثور على الرواية العظيمة موضوع شاق ومضنٍ، كما أنه ليس من مهمات النقد الحديث، يمكن أن نعثر على رواية عظيمة بشكل شخصي؛ أي تعبر عن أفق توقع قارئ معين، ضمن ظرف وقتي محدود بحيثيات آنية، أما الرواية العظيمة مطلقاً فأمرها متروك للزمن، لا يمكن لأحد أن يرى الآن كل شيء، أو يتنبأ بالروايات التي ستصمد نصف قرن أو ربع قرن حتى، هناك مناطق روائية نستطيع أن نعترف بأهميتها الآن، لكننا لا نستطيع الجزم بديمومة بقائها بنفس القدر من الأهمية بعد مرور الزمن، وقديما قيل الزمن أعظم ناقد.
• كتبت عن القوائم الطويلة والقصيرة في جائزة البوكر العربية، وبدوت في كثير من كتاباتك غير راضٍ عن النتائج النهائية لهذه القوائم، لماذا؟
•• سأخبرك بأمر عجيب، يمكن أن يكشف للجميع الطريقة التي يفكر بها أو يبرر بها النافذون في توزيع هذه الجائزة أو الجوائز الأخرى مواقفهم، قبل أيام قليلة، تحديداً في معرض الرياض الأخير للكتاب، تابعت حواراً مع شكري المبخوت، وهو رئيس لجنة تحكيم جائزة البوكر في دورتها الأخيرة، سأله الكاتب والناقد حسين الضو عن تكريس جائزة الرواية العربية لأسماء معينة، فكانت إجابته صادمة، قال بالنص: «لا وجود لأي عمل أدبي له قيمة في ذاته فقط، مهما كانت عبقريته»، ثم أضاف «هناك سلسلة من المؤسسات غير الأدبية، هي التي تصنع الأدب»، حسناً، ربما يقصد هذه المؤسسات هي التي تصنع أدبه الخاص، أو أدب لجنته، الأدب الذي يُكتب تحت الطلب، وإلا لن يحصل على الدولارات، إنه بهذا القول يمثل سلطة مطلقة على شكل الأدب الذي يريد، وهذا يتعارض مع القيمة العليا التي تجعل من الأدب أدباً، ومن الرواية رواية، وهذا يفسر التسريبات أو التكهنات لدى مجاميع الكُتّاب الذين يحومون حول الجائزة، وفي ظل أننا لا نعرف ما هي الروايات التي تقدمت إلى الجائزة، نعرف عددها فقط، يمكننا أن نعرف من خلال تصريح كهذا أن أي رواية تخرج من دائرة تفكير اللجنة سيرمى بها عرض الحائط، والتفاوت في جودة روايات القائمة الطويلة والقصيرة أيضاً سيشكل لنا ما يشبه النتيجة، التي تجعلنا نقرر بعد كل ذلك لماذا لا ترضينا هذه النتائج؟ تفضل، يقول لك «مهما كانت عبقريتها، المؤسسة غير الأدبية هي التي تصنع الأدب»، أليس هذا كافياً؟!
• كيف يرى عبدالله العقيبي كتابة الرواية التاريخية محلياً وعربياً؟
•• الحقيقة أنني لست شغوفاً بالرواية التاريخية، ولا أصدق كثيراً الادعاء المشهور لكتابها ومنظريها، يقولون إنها صوت المهزومين، ماذا عن المهزومين الآن؟ في الواقع، أشعر بأن معظم كتّابها ينحازون لها هرباً من المشكلات المعروفة في الواقع، وكأنها فعل انسحابي، لا أعمم طبعاً، وهناك روايات تاريخية رائعة جمالياً وفنياً، لكنها ليست الأولى لدي، وأقرأها مكرهاً من أجل المتابعة والمعرفة.
• بماذا تطالب دور النشر المحلية التي تعنى كثيراً بالروايات المترجمة وتهمل الروايات العربية والمحلية؟
•• لا أطالبهم بشيء، من حق دور النشر أن تفعل ما يربحها، وفي اللحظة التي تكون فيها الروايات العربية والمحلية جيدة، سيتجه أصحاب تلك الدور إليها، بل سيتسابقون في نشرها، أنا ضد الفكرة الرائجة، التي تقول بأن الناس لا يقرأون في العالم العربي، وحتى محلياً، هناك قراء دائماً، والدليل أن الرواية الجيدة تنفد سريعاً من منافذ البيع، أدعي أني متابع جيد، ومن خلال متابعتي أجد أن أصحاب هذه الفكرة هم بعض الكتّاب الذين لم تحظ تجاربهم الرديئة بالاهتمام، أعلم أن هذا الرأي فيه قسوة، لكن هذه الحقيقة، دع الناس يقرأون ما يشاؤون، مترجم أو غيره، وأنا على يقين بأن التجارب الجيدة ستجد قارئها ولو بعد حين.
• كيف يمكن للعمل الروائي الوصول إلى مبتغى قارئ ومتابع مثلك؟
•• صدقني لا أعرف، وأعتقد أنني سأخدع نفسي لو حاولت الإجابة على سؤال كهذا، ففيما يخص الفنون والآداب لا وجود لدليل إرشادات، لكن لويس باستور يقول: «الفرصة تُفضل العقل المستعد».
العقيبي يرى أنّ الخوف من النص غير المنجز، أو غير المنجز على الطريقة التي نتمناها ليس همّه وحده، لكنّه -كما يقول- هم مشترك لدى جميع الكتاب، ولا يسلم منه كبار الكتاب أيضاً.
هنا العديد من القضايا التي يفكّر فيها العقيبي بشكل مختلف، وربما غير متفق عليه.. فإلى نصّ الحوار:
• دعنا نبدأ من الرواية العربية، كيف يمكنها المساهمة والإضافة في البناء الإنساني؟
•• لا شك في أن أي فعل إبداعي ينطلق من تصور إنساني، سيسهم بشكل أو بآخر في البناء المعرفي، الذي يصب -بدوره- في تكوين الرؤى الإنسانية العامة، السؤال الأهم هو السؤال الذي يأتي لاحقاً، أعني سؤال القيمة، التي ترتبط دائماً بالحداثة والجدة، فلا معنى لإسهام إبداعي مكرور، أو مسبوق، لأنه سيدخلنا في مناطق الآخرين وتصوراتهم، وإن كان فيها مشترك إنساني، من هنا يبرز دور الخصوصية والذاتية، المجال الذي لا يمكن أن يعبر إلا عن صاحبه؛ أي التعبير عمّا يعرفه الكاتب حق المعرفة، لذلك نجد أن التجارب العربية التي أسهمت بشكل فريد في البناء الإنساني حسب ما جاء في السؤال، هي التجارب التي عبرت عن مكانها وإنسانها أجمل وأدق تعبير، مع عدم إغفالها للفنيات الحديثة، التي تعبر عن روح العصر.
• لماذا ينظر دارس ومتابع مثلك لبعض التجارب السردية العربية المنغلقة على ذاتها نظرة إعجاب؟
•• باختصار شديد لأنها مشغولة بأسئلتها الذاتية، ومنصرفة إلى همومها، من خلال صُنع حوارية خلاص مع أزماتها ومشكلاتها الحقيقية، وبالتالي تواجه بشجاعة وتهشم ذاتها، بينما تقوم الأعمال السردية الأخرى بأدوار فيها شكل من المبادرة التي تجعل من الكاتب موظف لدى الآخرين، فالكاتب الجيد -من وجهة نظري- هو الكاتب الذي يُقاوم فكرة الطلب، سواء على مستوى الموضوعات، أو الأنماط الفنية السائدة، من هنا كان السرد الجيد هو الذي ينصاع إلى طلب الكتابة ذاتها، وطلب الكتابة الحقيقية لا يكون خارج الموضوعات التي تتماس مع الذات، سواء الذات بشكلها الفردي أو الجمعي.
• هل استطاعت الأعمال السردية العربية اختراق مركزية النقد الغربي؟ كيف؟
•• جل التجارب السردية العربية التي استطاعت اختراق مركزية النقدية الغربي، اخترقتها من خلال الصراع مع الآخر الغربي، انظر إلى التجارب السردية المبكرة التي تم التعبير عنها بسرديات الآخر، مثل موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، والحي اللاتيني لسهيل إدريس، وغيرها من الأعمال التي قامت على فكرة التصارع مع المركزية الغربية، عدا تلك التجارب هناك استثناءات لروايات عربية عبرت عن ذاتيتها، فحفزت المركزية الغربية تجاه معرفة الآخر العربي، بينما هناك النموذج الثالث، وهو النموذج الساقط، الذي يتمسح بالمركزية الغربية ويحاول لفت انتباهها، وسبب سقوطه يأتي من فكرة أن هذه المركزية مكتفية بذاتها، ولديها أسئلتها الخاصة، والتي تأتينا كصادرات ثقافية، يستهلكها هذا النموذج الساقط ويحاول إعادة إنتاجها بشكل عكسي، ضمن رؤية استهلاكية ممجوجة ومشوهة.
• لماذا يعاني الكتاب من النص كفكرة والنص كمنجز على الورق؟
•• هذا سؤال مؤرق حقاً، وقد كنت أظن أنه سؤال شخصي ليس من الحصافة الكتابة عنه، من باب عدم إطلاع القارئ على تردداتي الشخصية، لكنني وقعت على عدد من القصص لخوان خوسيه مياس، وأوغستو مونتيروسو وآخرين، تقبض بفنية عالية على نفس السؤال، وتناقش ذات الموضوع، شعرت بعدها أن الخوف من النص غير المنجز، أو غير المنجز على الطريقة التي نتمناها هم مشترك لدى جميع الكتاب، ولا يسلم منه كبار الكتاب، كبورخيس مثلاً الذي قالها وبكل وضوح: «إننا نقرأ ما نريد لكننا لا نكتب ما نريد، بل ما نستطيع».
• لديك وجهة نظر حول العنوان الروائي.. حدثنا عن وجهة نظرك هذه.
•• الموضوع ليس مخصص للعنوان الروائي، بل العنوان بشكل عام، كما أنها ليست وجهة نظر شخصية، بل معرفة مشاعة، أسس لها النقد الغربي، ضمن الدراسات التي عُرفت لاحقاً بمصطلح «التيترولوجيا»؛ أي علم العنونة، وهو نوع من المقاربات السيميائية، التي تحاول دراسة المتن السردي انطلاقاً من عنوانه. والموضوع المؤرق بالنسبة للذهنية العربية هو عدم اهتمامها في هذا النوع من الدراسات، إما جهلاً بها، أم تجاهلاً لأهميتها، وتتلخص وجهة نظري في هذا الموضوع بأن على الكاتب والناشر العربي الالتفات لأهمية هذه الدراسات، ومحاولة استثمار مخرجاتها، فانعكاس المعرفة بها سيسهم بالضرورة في جودة العناوين، التي باتت تدرس نقدياً بشكل مستقل كنص موازٍ.
• هل أصبح شعور المتلقي الناقد شحيحاً بالفعل في العثور على رواية عظيمة؟
•• أعتقد أن العثور على الرواية العظيمة موضوع شاق ومضنٍ، كما أنه ليس من مهمات النقد الحديث، يمكن أن نعثر على رواية عظيمة بشكل شخصي؛ أي تعبر عن أفق توقع قارئ معين، ضمن ظرف وقتي محدود بحيثيات آنية، أما الرواية العظيمة مطلقاً فأمرها متروك للزمن، لا يمكن لأحد أن يرى الآن كل شيء، أو يتنبأ بالروايات التي ستصمد نصف قرن أو ربع قرن حتى، هناك مناطق روائية نستطيع أن نعترف بأهميتها الآن، لكننا لا نستطيع الجزم بديمومة بقائها بنفس القدر من الأهمية بعد مرور الزمن، وقديما قيل الزمن أعظم ناقد.
• كتبت عن القوائم الطويلة والقصيرة في جائزة البوكر العربية، وبدوت في كثير من كتاباتك غير راضٍ عن النتائج النهائية لهذه القوائم، لماذا؟
•• سأخبرك بأمر عجيب، يمكن أن يكشف للجميع الطريقة التي يفكر بها أو يبرر بها النافذون في توزيع هذه الجائزة أو الجوائز الأخرى مواقفهم، قبل أيام قليلة، تحديداً في معرض الرياض الأخير للكتاب، تابعت حواراً مع شكري المبخوت، وهو رئيس لجنة تحكيم جائزة البوكر في دورتها الأخيرة، سأله الكاتب والناقد حسين الضو عن تكريس جائزة الرواية العربية لأسماء معينة، فكانت إجابته صادمة، قال بالنص: «لا وجود لأي عمل أدبي له قيمة في ذاته فقط، مهما كانت عبقريته»، ثم أضاف «هناك سلسلة من المؤسسات غير الأدبية، هي التي تصنع الأدب»، حسناً، ربما يقصد هذه المؤسسات هي التي تصنع أدبه الخاص، أو أدب لجنته، الأدب الذي يُكتب تحت الطلب، وإلا لن يحصل على الدولارات، إنه بهذا القول يمثل سلطة مطلقة على شكل الأدب الذي يريد، وهذا يتعارض مع القيمة العليا التي تجعل من الأدب أدباً، ومن الرواية رواية، وهذا يفسر التسريبات أو التكهنات لدى مجاميع الكُتّاب الذين يحومون حول الجائزة، وفي ظل أننا لا نعرف ما هي الروايات التي تقدمت إلى الجائزة، نعرف عددها فقط، يمكننا أن نعرف من خلال تصريح كهذا أن أي رواية تخرج من دائرة تفكير اللجنة سيرمى بها عرض الحائط، والتفاوت في جودة روايات القائمة الطويلة والقصيرة أيضاً سيشكل لنا ما يشبه النتيجة، التي تجعلنا نقرر بعد كل ذلك لماذا لا ترضينا هذه النتائج؟ تفضل، يقول لك «مهما كانت عبقريتها، المؤسسة غير الأدبية هي التي تصنع الأدب»، أليس هذا كافياً؟!
• كيف يرى عبدالله العقيبي كتابة الرواية التاريخية محلياً وعربياً؟
•• الحقيقة أنني لست شغوفاً بالرواية التاريخية، ولا أصدق كثيراً الادعاء المشهور لكتابها ومنظريها، يقولون إنها صوت المهزومين، ماذا عن المهزومين الآن؟ في الواقع، أشعر بأن معظم كتّابها ينحازون لها هرباً من المشكلات المعروفة في الواقع، وكأنها فعل انسحابي، لا أعمم طبعاً، وهناك روايات تاريخية رائعة جمالياً وفنياً، لكنها ليست الأولى لدي، وأقرأها مكرهاً من أجل المتابعة والمعرفة.
• بماذا تطالب دور النشر المحلية التي تعنى كثيراً بالروايات المترجمة وتهمل الروايات العربية والمحلية؟
•• لا أطالبهم بشيء، من حق دور النشر أن تفعل ما يربحها، وفي اللحظة التي تكون فيها الروايات العربية والمحلية جيدة، سيتجه أصحاب تلك الدور إليها، بل سيتسابقون في نشرها، أنا ضد الفكرة الرائجة، التي تقول بأن الناس لا يقرأون في العالم العربي، وحتى محلياً، هناك قراء دائماً، والدليل أن الرواية الجيدة تنفد سريعاً من منافذ البيع، أدعي أني متابع جيد، ومن خلال متابعتي أجد أن أصحاب هذه الفكرة هم بعض الكتّاب الذين لم تحظ تجاربهم الرديئة بالاهتمام، أعلم أن هذا الرأي فيه قسوة، لكن هذه الحقيقة، دع الناس يقرأون ما يشاؤون، مترجم أو غيره، وأنا على يقين بأن التجارب الجيدة ستجد قارئها ولو بعد حين.
• كيف يمكن للعمل الروائي الوصول إلى مبتغى قارئ ومتابع مثلك؟
•• صدقني لا أعرف، وأعتقد أنني سأخدع نفسي لو حاولت الإجابة على سؤال كهذا، ففيما يخص الفنون والآداب لا وجود لدليل إرشادات، لكن لويس باستور يقول: «الفرصة تُفضل العقل المستعد».