عندما يأتي عنوان العمل الأدبي متعلقاً بالنساء/ بالمرأة فهذا يثير المتلقي ويجذبه للتقدم منه، من هنا نقول إن العنوان كان موفقاً، ولم يتوقف تألق الشاعر عند جمالية العنوان فقط، بل امتد هذا الجمال إلى القصائد التي قدمها، فهناك متعة متجددة في كل قصيدة تقرأ، وهناك مزج بين عناصر الفرح، المرأة، الطبيعة، الكتابة، التمرد، وهذا ما منح القصائد جمالية مركَّبة، فما أن يشبع القارئ من القصيدة، حتى يتجدد (جوعه) لتناول المزيد مما يقدم له من شعر، هذا ما يحمله ديوان «نساء يرتبن فوضى النهار».
سنحاول التوقف قليلاً عند بعض ما جاء فيه، ونبدأ من جمع عناصر الفرح في القصيدة، جاء في قصيدة «مطر مكتهل في شتاء امرأة»:
قصائدي العارية المكتوبة بأبجدية منقرضة
القصائد التي تركتها في خزانة الملابس منذ عقدين وأكثر
لم أجدها غارقة في نومها الشتوي الطويل كما ينبغي لها أن تكون.
لقد تسللت من النافذة إلى أقرب سماء على هذه الأرض
وأصبحت غابة من أشجار الصفصاف والغار
وعصافير الدوري الأنيقة التي رسمتها في الصبا
على شكل امرأة ترقص وحيدة
بقلم الرصاص المزركش بالنجوم الزرقاء الصغيرة «ص61»
انحياز الشاعر للأنثى / للمرأة نجده في تمرد القصائد التي تركها في خزانة الملابس، فرغم أن الفكرة واضحة للمتلقي، إلا أن هناك تفاصيل مهمة تخدم فكرة التمرد، فالشاعر تركها لكنها تسلَّلت ووضعها في «الخزانة»، وهي خرجت من النافذة، وكان الزمن / الوقت شتاء/ شتوي والليل / نومها، لكنها انتقلت إلى زمن آخر مغاير: ربيع /«غابة من أشجار الصفصاف»، بهذا تكون الأنثى / القصيدة قد تمردت على واقعها وحوَّلت الشتاء إلى ربيع، والليل إلى نهار، لكن أهمية تمرد القصائد لم يقتصر على الفعل المجرد فقط، بل وصل أثرها إلى الشاعر أيضاً، فتحول زمنه من الخريف إلى الصبا وإلى الطفولة، فبعد أن كانت أبجديته «منقرضة»، أصبح «الصبا» هو الحاضر، ولم يتوقف عند مرحلة الصبا وما فيها من بهجة، بل يقدمنا إلى مرحلة أكثر بهاء، مرحلة الطفولة التي قدَّمها بطريقة غير مباشرة، من خلال رسوم «النجوم الزرقاء الصغيرة».
بهذا يكون الشاعر قد زاوج بين عناصر الفرح الكتابة / القصائد، قلم رصاص، التي أوجدت «امرأة ترقص» وأوجدت الطبيعة «غابة، أشجار، صفصاف، غار، نجوم، عصافير، الدوري»، وإذا ما توقفنا عند فكرة التمرد /«تسللت» التي أحدثتها يمكننا القول إن عناصر الفرح كلها كانت حاضرة في القصيدة.
هذا على مستوى الظاهر في القصيدة، لكن هناك ما هو مخفي خلف الكلمات المستخدمة، فالشاعر يركِّز على الكتابة من خلال: «قصائدي، المكتوبة، بأبجدية، بقلم»، وهذا يشير إلى أهمية الكتابة بالنسبة له، وإلى اهتمامه بالأنثى، التي نجدها في العديد من الألفاظ: «قصائدي، العارية المكتوبة، بأبجدية، منقرضة، القصائد، تركتها، خزانة، الملابس، أجدها غارقة، نومها، الشتوي، لها، تسلَّلت، النافذة، سماء، هذه، الأرض، وأصبحت، غابة، أشجار، الصفصاف، امرأة، ترقص، وحيدة، بالنجوم الزرقاء/ الصغيرة»، فحضور الأنثى بهذا الزخم يعكس ما يحمله الشاعر في روحهِ المتعطِّشة للجمال وما تحدثه فيه المرأة من أثر، فرغم أن بداية القصيدة جاءت خريفيَّة نوعاً ما: «العارية، منقرضة، تركتها، الشتوي، غارقة»، إلا أنها سرعان ما تحوَّلت إلى بيضاء: «النافذة، سماء، الأرض غابة، أشجار، الصفصاف، والغار، وعصافير، الدوري، الأنيقة، رسمتها، الصبا، امرأة، ترقص، المزركش، بالنجوم، الزرقاء، الصغيرة»، فما كان لهذا البياض أن يكون دون الأثر الذي تركته الأنثى بصورها العديدة، كتابة / طبيعة، امرأة، مما جعل الشاعر يذهب معها إلى التمرد، متجاوزاً واقعه الذي شاخ/ (هرم) ويتقدم إلى بداياته الصبا والطفولة.
ونجد أثر الأنثى / المرأة من خلال التناسق في قصيدة «ما من امرأة تمسُّ دمي وتنجو»:
«أدرِّبُ نفسي على قول لا
وعلى الرقص قبل طقوس الغناء
على الركض عند حواف الظهيرة
أو حول خصر بحيرة إحدى النساء
في شرفة امرأة من سراب ومن فضة
أو حليب شفيف.. لأن المساء
قصيدة نثر ضرورية
كالهواء.. كرجع الصدى
كالندى.. كحرف النداء
أدرب نفسي على
تتبع سرب العصافير في زرقة الفجر» ص104، نجد أثر / تبعات فعل «أدرِّبُ» في التناسق بين «الرقص، الركض» فهناك تكرار لحروف الألف واللام، والراء، وتساوي عدد الحروف فيهما، كما أن «عند، قبل» تخدم الحال/ الزمن/ الظرف التي حدث فيه فعل التدريب، وبعد أن تتدَّرب على «الركض / الرقص» نجده يتقدم في تعليمه، فيرسم تناسق جسد المرأة من خلال تركيزه على «الخصر»، ويؤكد على رغبته بها من خلال «الشفيف»، فتكرار حرف الفاء الذي يفصل بينهما حرف الياء، يشير إلى أن الشاعر تأثر جمالياً بها، بحيث استخدم لفظ «شفيف» المتناسق والناعم.
ونجد الأثر الناعم للمرأة من خلال مفردات: «حليب، شفيف، المساء، قصيدة، كالهواء، كالندى، كحرف، النداء، سرب، العصافير، زرقة، الفجر»، فهذا البياض في الألفاظ جاء بفضل المرأة وبهاء حضورها وأثرها على الشاعر، فإعطاء الألفاظ المذكرة صفات ناعمة يعكس الأثر الذي تركته الأنثى/ المرأة في الشاعر.
من هنا نقول إن المرأة تعلِّم التمرُّد/ الثورة، لكنها الثورة المنضبطة، الثورة المنسقة، الجميلة، التي تبني ما هو جميل وفيه الخير وتزيل ما هو بائد منقرض.
سنحاول التوقف قليلاً عند بعض ما جاء فيه، ونبدأ من جمع عناصر الفرح في القصيدة، جاء في قصيدة «مطر مكتهل في شتاء امرأة»:
قصائدي العارية المكتوبة بأبجدية منقرضة
القصائد التي تركتها في خزانة الملابس منذ عقدين وأكثر
لم أجدها غارقة في نومها الشتوي الطويل كما ينبغي لها أن تكون.
لقد تسللت من النافذة إلى أقرب سماء على هذه الأرض
وأصبحت غابة من أشجار الصفصاف والغار
وعصافير الدوري الأنيقة التي رسمتها في الصبا
على شكل امرأة ترقص وحيدة
بقلم الرصاص المزركش بالنجوم الزرقاء الصغيرة «ص61»
انحياز الشاعر للأنثى / للمرأة نجده في تمرد القصائد التي تركها في خزانة الملابس، فرغم أن الفكرة واضحة للمتلقي، إلا أن هناك تفاصيل مهمة تخدم فكرة التمرد، فالشاعر تركها لكنها تسلَّلت ووضعها في «الخزانة»، وهي خرجت من النافذة، وكان الزمن / الوقت شتاء/ شتوي والليل / نومها، لكنها انتقلت إلى زمن آخر مغاير: ربيع /«غابة من أشجار الصفصاف»، بهذا تكون الأنثى / القصيدة قد تمردت على واقعها وحوَّلت الشتاء إلى ربيع، والليل إلى نهار، لكن أهمية تمرد القصائد لم يقتصر على الفعل المجرد فقط، بل وصل أثرها إلى الشاعر أيضاً، فتحول زمنه من الخريف إلى الصبا وإلى الطفولة، فبعد أن كانت أبجديته «منقرضة»، أصبح «الصبا» هو الحاضر، ولم يتوقف عند مرحلة الصبا وما فيها من بهجة، بل يقدمنا إلى مرحلة أكثر بهاء، مرحلة الطفولة التي قدَّمها بطريقة غير مباشرة، من خلال رسوم «النجوم الزرقاء الصغيرة».
بهذا يكون الشاعر قد زاوج بين عناصر الفرح الكتابة / القصائد، قلم رصاص، التي أوجدت «امرأة ترقص» وأوجدت الطبيعة «غابة، أشجار، صفصاف، غار، نجوم، عصافير، الدوري»، وإذا ما توقفنا عند فكرة التمرد /«تسللت» التي أحدثتها يمكننا القول إن عناصر الفرح كلها كانت حاضرة في القصيدة.
هذا على مستوى الظاهر في القصيدة، لكن هناك ما هو مخفي خلف الكلمات المستخدمة، فالشاعر يركِّز على الكتابة من خلال: «قصائدي، المكتوبة، بأبجدية، بقلم»، وهذا يشير إلى أهمية الكتابة بالنسبة له، وإلى اهتمامه بالأنثى، التي نجدها في العديد من الألفاظ: «قصائدي، العارية المكتوبة، بأبجدية، منقرضة، القصائد، تركتها، خزانة، الملابس، أجدها غارقة، نومها، الشتوي، لها، تسلَّلت، النافذة، سماء، هذه، الأرض، وأصبحت، غابة، أشجار، الصفصاف، امرأة، ترقص، وحيدة، بالنجوم الزرقاء/ الصغيرة»، فحضور الأنثى بهذا الزخم يعكس ما يحمله الشاعر في روحهِ المتعطِّشة للجمال وما تحدثه فيه المرأة من أثر، فرغم أن بداية القصيدة جاءت خريفيَّة نوعاً ما: «العارية، منقرضة، تركتها، الشتوي، غارقة»، إلا أنها سرعان ما تحوَّلت إلى بيضاء: «النافذة، سماء، الأرض غابة، أشجار، الصفصاف، والغار، وعصافير، الدوري، الأنيقة، رسمتها، الصبا، امرأة، ترقص، المزركش، بالنجوم، الزرقاء، الصغيرة»، فما كان لهذا البياض أن يكون دون الأثر الذي تركته الأنثى بصورها العديدة، كتابة / طبيعة، امرأة، مما جعل الشاعر يذهب معها إلى التمرد، متجاوزاً واقعه الذي شاخ/ (هرم) ويتقدم إلى بداياته الصبا والطفولة.
ونجد أثر الأنثى / المرأة من خلال التناسق في قصيدة «ما من امرأة تمسُّ دمي وتنجو»:
«أدرِّبُ نفسي على قول لا
وعلى الرقص قبل طقوس الغناء
على الركض عند حواف الظهيرة
أو حول خصر بحيرة إحدى النساء
في شرفة امرأة من سراب ومن فضة
أو حليب شفيف.. لأن المساء
قصيدة نثر ضرورية
كالهواء.. كرجع الصدى
كالندى.. كحرف النداء
أدرب نفسي على
تتبع سرب العصافير في زرقة الفجر» ص104، نجد أثر / تبعات فعل «أدرِّبُ» في التناسق بين «الرقص، الركض» فهناك تكرار لحروف الألف واللام، والراء، وتساوي عدد الحروف فيهما، كما أن «عند، قبل» تخدم الحال/ الزمن/ الظرف التي حدث فيه فعل التدريب، وبعد أن تتدَّرب على «الركض / الرقص» نجده يتقدم في تعليمه، فيرسم تناسق جسد المرأة من خلال تركيزه على «الخصر»، ويؤكد على رغبته بها من خلال «الشفيف»، فتكرار حرف الفاء الذي يفصل بينهما حرف الياء، يشير إلى أن الشاعر تأثر جمالياً بها، بحيث استخدم لفظ «شفيف» المتناسق والناعم.
ونجد الأثر الناعم للمرأة من خلال مفردات: «حليب، شفيف، المساء، قصيدة، كالهواء، كالندى، كحرف، النداء، سرب، العصافير، زرقة، الفجر»، فهذا البياض في الألفاظ جاء بفضل المرأة وبهاء حضورها وأثرها على الشاعر، فإعطاء الألفاظ المذكرة صفات ناعمة يعكس الأثر الذي تركته الأنثى/ المرأة في الشاعر.
من هنا نقول إن المرأة تعلِّم التمرُّد/ الثورة، لكنها الثورة المنضبطة، الثورة المنسقة، الجميلة، التي تبني ما هو جميل وفيه الخير وتزيل ما هو بائد منقرض.