تمثّل الكتابة لأهلها رئةً ثالثة، يتنفسون من خلالها ما يعتمر بدواخلهم من شؤون وشجون، وما يسكن وجدانهم من نوابس وهواجس، وما تتطلع إليه أفئدتهم ومشاعرهم من مكاسب ومراتب، إلا أن قِلة من الكُتّاب، خططوا مسبقاً لمشاريعهم، ورسموا مساراً لإنتاجهم، فيما ظل الأغلب دون مشروع، يكتب لفترات، ويهجر لسنوات دون إتمام مقاصد ولا بلوغ غايات، يقضون حياتهم ويومياتهم (على باب الله).
«عكاظ» طرحت سؤال المشروع الكتابي على عدد من الشعراء والسُّراد لإطلاعنا على منطلقاتهم الكتابية ومشاريعهم الإبداعية، فكانت البداية من الروائي عبدالعزيز الصقعبي الذي أكد أن حضور أي كاتب وتميزه يتوقف على جدية مشروعه الكتابي، كون الكتابة لم تعد عبثاً، ولا تخضع لمزاجية، بل تحتاج إلى تخطيط وتصور، وكل عمل لا بد أن يبنى على رؤية واضحة تبدأ من الإعداد للكتابة، ولا تنتهي إلا بوصولها للقارئ، مروراً بشكل وحجم الكتاب واختيار دار النشر وطريقة ايصاله للقارئ، موضحاً أنه إثر تجاوز مرحلة البدايات، ومعرفة المسار الإبداعي الذي سلكه، أصبح مشروعه الكتابي مختلفاً، مشيراً إلى أنه في السابق حين يلح عليه هاجس الكتابة، وتكون لديه رغبة كتابة قصة يشرع بالكتابة، إلا أن آلية الكتابة اختلفت في الأعوام الأخيرة، إذ غدا متأنياً ولا يرتجل الكتابة، بل يكتب بوعي، وفق رؤية محددة، تبدأ بالحرص على التفرغ للكتابة، انطلاقاً من الرؤية الخاصة والتصور العام، ويحرص أن تكون قراءاته داعمة لمشروعه الكتابي، فيقرأ ويبحث ليحصل على معلومات يحتاجها، ولا تقتصر الحالة على كتابة الرواية، بل أيضاً تمتد إلى كتابة النص المسرحي، ولفت إلى أنه في زمن سابق حين يقرر كتابة نص مسرحي، وتكون لديه رغبة في تنفيذه داخل المملكة، يحرص على أن تكون جميع شخصياته من الرجال، إلا أن المشهد تغير الآن.
وأضاف أن القصة أيضاً تدخل ضمن تصور ورؤية محددة، فكل مجموعة قصصية تمثل مشروعاً مستقلاً، وبسبب التزام الصقعبي بالكتابة الأسبوعية بالمجلة الثقافية بجريدة الجزيرة، كان هنالك أكثر من مشروع كتابي، شرع فيه، تندرج أغلبها تحت مسار القصة المقالة، وطرح منذ أكثر من عام مشروع أنسنة الأشياء وكتب قصصاً عدة حولها، وأنجز أكثر ما يقارب خمسة عشر نصاً ولا يزال مواصلاً مشروعه الكتابي.
ولم يخفِ الصقعبي حاجة المشروع الكتابي إلى التوقف في محطة الانتهاء من مراجعة المسودة الأخيرة أو البروفة الأخيرة للكتاب، ليتولى الوكيل الأدبي بقية المهام من تحديد الناشر والتسويق والترويج، ويرجّح أنه عندما يكون هنالك من يقوم بالمهام اللازمة للنشر ويجد الكاتب أن ما قام به لم يهمل بل له مخرجات مادية ومعنوية، سيتحدد من هو الكاتب الجاد الذي لديه فعلاً مشاريع كتابية، ومن يرى أن الكتابة ترفاً، ودعا للاطلاع على سيرة الرموز الإبداعية في العالم ليرى الكاتب مدى جديتهم في تبني المشاريع الكتابية.
فيما يذهب الشاعر اللبناني الدكتور كامل فرحان صالح إلى أن السؤال عن «المشروع» يتداخل مع سؤال الهوية الثقافية، أو المنحى الأيديولوجي للكاتب. ما يحيل إلى نظرية الانعكاس التي دعت إلى ضرورة ارتباط الكاتب بالمجتمع والتعبير عنه.
ويرى أنه مهما يكن، فهناك مستويان يجوز أنهما من بنية الكاتب الأساسية؛ وهما: المستوى الأولي الذي يرتبط بالذات، وبرغبتها بالتعبير والكتابة وقول الأشياء، ومستوى لاحق يتمثّل بمستوى التحليل والدلالة والتأويل. ويلفت صالح إلى أنه إذا كان المستوى الأول ذاتيّاً بالضرورة، فالمستوى الثاني يخضع لأدوات المتلقين ومنهم الناقد والقارئ، وأضاف بين هذين المستوين يجوز للكاتب أن يطرح ما يدور في داخله، إلا أنه ليس بالضرورة أن يعلن ذلك صراحةً، وإلا سيخسر نصه خاصية المتعة واكتشاف الدلالات الكامنة في متن النص الإبداعي. كون الخيط الرفيع بين الثلاثية المقدسة: (الكاتب والنص والمتلقي)، شديدة الحساسية، وعلى المبدع، الكاتب أن ينتبه لحساسية طغيان جانب على آخر، مؤكداً أن مشروع الكاتب يبرز من خلال عمل تراكمي، ويتجلى في تركيزه على اتجاه، أو منحى تستطيع أن تتلمسه في مجمل أعماله، مشيراً إلى أنه على المستوى الشخصي عليه أن يكتب في المقام الأول، ويهتم بما يكتبه على مستوى التقنيات والعناصر المكونة للعمل الأدبي، وإن ظهر لناقد ما أو قارئ ما قيام مشروع لدى هذا الكاتب فليكن، وأبدى تحفظاً على وقوع الكاتب تحت «طغيان المشروع» على حساب الصدق لحظة كتابة عمله ونصه.
فيما كشف القاص السوري ماهر راعي أنه لا يتذكر تماماً بداية محددة للكتابة، وإن تذكّر بدايات، كون الكتابة لديه لم تكن قراراً، بل كانت أشبه بعضلة لا إرادية يملكها وليس له قرار تشغيلها أو إيقافها، موضحاً أنه انتبه في طفولته إلى الاستماع إلى أشخاص عدة يتكلمون عن حادثة محددة وكانت أمه من بينهم، فاستوقفه حينها الأسلوب الذي روت به أمه تلك الحادثة، والتفاصيل التي استوقفتها بينما أهملها الآخرون، فكان درسه الأول في الكتابة وفي الشعرية، وقال: «لم أدّع يوماً أن لي مشروعاً في الكتابة ولن يكون، فالأمر ليس أطروحة أكاديمية أو بحثاً علمياً»، الأمر بالنسبة لراعي مجرد متعة ولعب، لفاقد اللعب والحرية، كون الكتابة والشعر تحديداً يمنحانه حرية لا حدود لها، ويهبانه فرح الأطفال حين يلعبون. وأضاف: لا أعتقد أنني بحاجة لخنق هذه الإمكانية الساحرة التي تهبنا إياها الكتابة، فهو (على باب الله) ومتحرر من ربقة المشاريع، وإن كان لا بد من مشروع في الكتابة فإن مشروعه الوحيد هو البحث عن قول الأشياء بطريقة مختلفة قدر الإمكان والبحث في مسألة الأسلوب والتكنيك وكيفية تناول التفاصيل، مشيراً إلى أنه يؤمن بأن الكتابة -وعلى أهمية الموهبة والفطرة- اشتغال جاد، يأتي نتيجة اطلاع واسع، للهروب نحو مساحات جديدة غير مطروقة، فلا قيمة للإبداع في أي حقل ما لم يأتِ بجديد وبرؤية مختلفة، ولم ينكر أن المشاريع تنحصر في إعداد كتاب للنشر ليتم الاشتغال على بداية وترتيب يخص النصوص ومحاولة وضع عنوان يناسب وغيرها من التفاصيل المتعلقة، بنهاية كتابة النصوص على مدى فترة زمنية تطول أو تقصر فتأتي هذه النصوص متصّبغة بوعي الكاتب الذي يخص تلك المرحلة ورؤيته للأشياء والحياة وجميع المؤثرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ سواء الآتية من ذاكرة مختزنة أم من معايشات يومية واحتكاك لا نستطيع أن نفرّ منه، وكل هذا ربما يشكّل مشروعاً بشكل ما كما وصف.
«عكاظ» طرحت سؤال المشروع الكتابي على عدد من الشعراء والسُّراد لإطلاعنا على منطلقاتهم الكتابية ومشاريعهم الإبداعية، فكانت البداية من الروائي عبدالعزيز الصقعبي الذي أكد أن حضور أي كاتب وتميزه يتوقف على جدية مشروعه الكتابي، كون الكتابة لم تعد عبثاً، ولا تخضع لمزاجية، بل تحتاج إلى تخطيط وتصور، وكل عمل لا بد أن يبنى على رؤية واضحة تبدأ من الإعداد للكتابة، ولا تنتهي إلا بوصولها للقارئ، مروراً بشكل وحجم الكتاب واختيار دار النشر وطريقة ايصاله للقارئ، موضحاً أنه إثر تجاوز مرحلة البدايات، ومعرفة المسار الإبداعي الذي سلكه، أصبح مشروعه الكتابي مختلفاً، مشيراً إلى أنه في السابق حين يلح عليه هاجس الكتابة، وتكون لديه رغبة كتابة قصة يشرع بالكتابة، إلا أن آلية الكتابة اختلفت في الأعوام الأخيرة، إذ غدا متأنياً ولا يرتجل الكتابة، بل يكتب بوعي، وفق رؤية محددة، تبدأ بالحرص على التفرغ للكتابة، انطلاقاً من الرؤية الخاصة والتصور العام، ويحرص أن تكون قراءاته داعمة لمشروعه الكتابي، فيقرأ ويبحث ليحصل على معلومات يحتاجها، ولا تقتصر الحالة على كتابة الرواية، بل أيضاً تمتد إلى كتابة النص المسرحي، ولفت إلى أنه في زمن سابق حين يقرر كتابة نص مسرحي، وتكون لديه رغبة في تنفيذه داخل المملكة، يحرص على أن تكون جميع شخصياته من الرجال، إلا أن المشهد تغير الآن.
وأضاف أن القصة أيضاً تدخل ضمن تصور ورؤية محددة، فكل مجموعة قصصية تمثل مشروعاً مستقلاً، وبسبب التزام الصقعبي بالكتابة الأسبوعية بالمجلة الثقافية بجريدة الجزيرة، كان هنالك أكثر من مشروع كتابي، شرع فيه، تندرج أغلبها تحت مسار القصة المقالة، وطرح منذ أكثر من عام مشروع أنسنة الأشياء وكتب قصصاً عدة حولها، وأنجز أكثر ما يقارب خمسة عشر نصاً ولا يزال مواصلاً مشروعه الكتابي.
ولم يخفِ الصقعبي حاجة المشروع الكتابي إلى التوقف في محطة الانتهاء من مراجعة المسودة الأخيرة أو البروفة الأخيرة للكتاب، ليتولى الوكيل الأدبي بقية المهام من تحديد الناشر والتسويق والترويج، ويرجّح أنه عندما يكون هنالك من يقوم بالمهام اللازمة للنشر ويجد الكاتب أن ما قام به لم يهمل بل له مخرجات مادية ومعنوية، سيتحدد من هو الكاتب الجاد الذي لديه فعلاً مشاريع كتابية، ومن يرى أن الكتابة ترفاً، ودعا للاطلاع على سيرة الرموز الإبداعية في العالم ليرى الكاتب مدى جديتهم في تبني المشاريع الكتابية.
فيما يذهب الشاعر اللبناني الدكتور كامل فرحان صالح إلى أن السؤال عن «المشروع» يتداخل مع سؤال الهوية الثقافية، أو المنحى الأيديولوجي للكاتب. ما يحيل إلى نظرية الانعكاس التي دعت إلى ضرورة ارتباط الكاتب بالمجتمع والتعبير عنه.
ويرى أنه مهما يكن، فهناك مستويان يجوز أنهما من بنية الكاتب الأساسية؛ وهما: المستوى الأولي الذي يرتبط بالذات، وبرغبتها بالتعبير والكتابة وقول الأشياء، ومستوى لاحق يتمثّل بمستوى التحليل والدلالة والتأويل. ويلفت صالح إلى أنه إذا كان المستوى الأول ذاتيّاً بالضرورة، فالمستوى الثاني يخضع لأدوات المتلقين ومنهم الناقد والقارئ، وأضاف بين هذين المستوين يجوز للكاتب أن يطرح ما يدور في داخله، إلا أنه ليس بالضرورة أن يعلن ذلك صراحةً، وإلا سيخسر نصه خاصية المتعة واكتشاف الدلالات الكامنة في متن النص الإبداعي. كون الخيط الرفيع بين الثلاثية المقدسة: (الكاتب والنص والمتلقي)، شديدة الحساسية، وعلى المبدع، الكاتب أن ينتبه لحساسية طغيان جانب على آخر، مؤكداً أن مشروع الكاتب يبرز من خلال عمل تراكمي، ويتجلى في تركيزه على اتجاه، أو منحى تستطيع أن تتلمسه في مجمل أعماله، مشيراً إلى أنه على المستوى الشخصي عليه أن يكتب في المقام الأول، ويهتم بما يكتبه على مستوى التقنيات والعناصر المكونة للعمل الأدبي، وإن ظهر لناقد ما أو قارئ ما قيام مشروع لدى هذا الكاتب فليكن، وأبدى تحفظاً على وقوع الكاتب تحت «طغيان المشروع» على حساب الصدق لحظة كتابة عمله ونصه.
فيما كشف القاص السوري ماهر راعي أنه لا يتذكر تماماً بداية محددة للكتابة، وإن تذكّر بدايات، كون الكتابة لديه لم تكن قراراً، بل كانت أشبه بعضلة لا إرادية يملكها وليس له قرار تشغيلها أو إيقافها، موضحاً أنه انتبه في طفولته إلى الاستماع إلى أشخاص عدة يتكلمون عن حادثة محددة وكانت أمه من بينهم، فاستوقفه حينها الأسلوب الذي روت به أمه تلك الحادثة، والتفاصيل التي استوقفتها بينما أهملها الآخرون، فكان درسه الأول في الكتابة وفي الشعرية، وقال: «لم أدّع يوماً أن لي مشروعاً في الكتابة ولن يكون، فالأمر ليس أطروحة أكاديمية أو بحثاً علمياً»، الأمر بالنسبة لراعي مجرد متعة ولعب، لفاقد اللعب والحرية، كون الكتابة والشعر تحديداً يمنحانه حرية لا حدود لها، ويهبانه فرح الأطفال حين يلعبون. وأضاف: لا أعتقد أنني بحاجة لخنق هذه الإمكانية الساحرة التي تهبنا إياها الكتابة، فهو (على باب الله) ومتحرر من ربقة المشاريع، وإن كان لا بد من مشروع في الكتابة فإن مشروعه الوحيد هو البحث عن قول الأشياء بطريقة مختلفة قدر الإمكان والبحث في مسألة الأسلوب والتكنيك وكيفية تناول التفاصيل، مشيراً إلى أنه يؤمن بأن الكتابة -وعلى أهمية الموهبة والفطرة- اشتغال جاد، يأتي نتيجة اطلاع واسع، للهروب نحو مساحات جديدة غير مطروقة، فلا قيمة للإبداع في أي حقل ما لم يأتِ بجديد وبرؤية مختلفة، ولم ينكر أن المشاريع تنحصر في إعداد كتاب للنشر ليتم الاشتغال على بداية وترتيب يخص النصوص ومحاولة وضع عنوان يناسب وغيرها من التفاصيل المتعلقة، بنهاية كتابة النصوص على مدى فترة زمنية تطول أو تقصر فتأتي هذه النصوص متصّبغة بوعي الكاتب الذي يخص تلك المرحلة ورؤيته للأشياء والحياة وجميع المؤثرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ سواء الآتية من ذاكرة مختزنة أم من معايشات يومية واحتكاك لا نستطيع أن نفرّ منه، وكل هذا ربما يشكّل مشروعاً بشكل ما كما وصف.