يتبدى سحر اللغة في توصيفها المعنى ونقلها الأفكار على نحو يثير الدهشة ويبعث على الذهول ويمنح القارئ نشوة العبور إلى عالمٍ موازٍ يتجاوز الزمان ويتسع لاحتمالات أكثر كونية.
فحين تتموضع الجُمل إزاء بعضها لتبدو كقطع الفسيفساء اللائي يشكلن لوحةً جماليةً، تكون قادرة على أسر القارئ وإسقاطه في غوايتها، ومثلما تعول الأحجار والأصداف على مهارة الفنان وحرفيته في إنزالها الموضع الموائم لمزاوله ألقها فإن اللغةَ تعول على براعة الكاتب وإتقانه في انتقاء ما يصف مراده ويصور بغيته على النحو الذي يبدي جمالها؛ لأنها تفترض نوعاً من التوافق الحسي حيال المعنى، يمنح القارئ القدرة على إدراكه دون عناء، ويسدي إلى الكاتب لذة الشعور بجُمله وهي تزيح ما يجثم على وجدانه، فيما يفرض الخيال حتمية هدم الواقع وبناء آخر يربط القارئ بالنص.
بيد أن براعة الكاتب مهما بلغت لا تحول عادةً دون إخفاقه في النأي بقلمه عن خيبات الأمل التي مني بها والهزائم التي تجرعها؛ ولذلك فهي تتسلل رغماً عنه عابرةً دواته نحو النص لتتبدى من خلال اللغة على نحو قد يتجاوز ما تشي به الشخوص ويقوله المعنى.
وبينما يخلق النص ذلك الفضاء الذي يحتشد بالأسئلة وتمنح الأخيلةَ حيزاً فسيحاً لتشييد الإجابات وبناء الاحتمالات فإن الانفعالات التي تثيرها القطع البلاغية تعبر بمخيلة القارئ إلى عالمٍ موازٍ يحاكي تطلعاته التي ظلت عصيةً إزاء تحقيقها متذرعةً بلا منطقيةِ ما آلت إليه، وهي امتداد على نحو ما لتمثلات أحلام ورغبات الكاتب التي استحالت فكمنت في لا وعيه وأطلت من خلال الملكة الذهنية فبدت كأخاديد حسية ونتوءات فاتنة تميز لغته.
وفيما تُعين الملكة الذهنية على ابتكار الحيل الدفاعية التي تحل العقد من خلال التعلية النفسية أو التسامي فتحولها إلى مضمارٍ إبداعي تطلق فيه جيادها فإن ملكةَ القراءة تحيل ما تشكل في لا وعي القارئ من غيتوهات حاصرت أحلامه إلى مدينة لا تحقق أماله، وهو أمر لا يعدو في ظاهره عن كونه استبدالاً لما يؤلمه بما يؤرقه بيد أن تحور كهذا قد يكون ترياقاً في الحين ذاته.
بوسعنا أن نفترض أن ليس ثمة ما يمكن أن تكشف عنه اللغة، ولكن ذلك سيبدو غير منصفٍ لأن كشفاً كهذا يعد حتمياً لقراءة عميقة من منظور علم النفس اللغوي، فثمة علاقة وطيدة بين كل ما ينتمي إلى الأدب وما ننتمي إليه نحن بما في ذلك اللغة «أداتنا التي نعتمد عليها في التفكير» كما يرى «فيتغنيشتاين»، والتي تصف لنا الأشياء والمعاني من حولنا، وتطلعنا على ما يريد الآخرون، ولأن العلاقة بين اللغة والمعنى حرفياً كان أو مجازياً هي الكون الذي يتشكل داخله فضاء مخيلتنا، فإبان القراءة يتخلق كائن ما يحتل ذلك الفضاء وينمو بفعل الوميض الذي تحدثه اللغة في لا شعور القارئ، فيستدعي أحلامه المقيدة ليطلق عقلها ولتتحول إلى رئة بديلة يتنفس من خلالها.
يرى إمانويل كانط «أن الفن جمالي في جوهره ولا يرتبط بشيء آخر سوى إشباع الحاجة إلى الجمال والتأمل»، وهو ما يمكن للجميع رؤيته على سطح الألوان والكلمات ويشبه إلى حد كبير منطق أولئك الذين يرون أن المعنى يتشكل في ذهن القارئ من خلال الطبيعة ولا يخضع بأي حال للحالة السيكولوجية للكاتب أو القارئ التي تشكلت على مدى سنوات كُبت خلالها الكثير من الرغبات وتحولت إلى كتل مؤرقة وعبء كامن يستميل الأمزجة نحو المُنى العتقية والآمال الهرمة التي ظلت عالقةً في الأعماق آملةً ومتحينةً للقاء الضوء.
لكن ذلك الشعور بالقلق الذي ينجم عن رغبة مكبوتة ويتنقل داخل الجغرافيا النفسية حتى يتشكل في مناطقها الوعرة يجد في اللغة عالماً متحرراً من السلطة والسلطوية والقمع والعوز فيتبدى لاحقاً من خلال ألقها، كما يجد الكاتب والقارئ على حد سواء في ذلك العالم ما يستلهما من زحامهما الداخلي إلى آخر يتسع لما يضيق بهما بيد أن ما لم يدركاه أن اللغة التي تبدد اكتظاظهما هي ذاتها من خلقته حينما عجزا عن إرضاء غرورها ولم يكونا قادرين على التعاطي مع سحرها بوصفه السبيل إلى تسوية مُرضية بين واقعهما وأحلامهما، تسوية كانت ستجعل حيوات أُسرت أسفل طبقات اللاوعي طليقة ومتسعة.
فحين تتموضع الجُمل إزاء بعضها لتبدو كقطع الفسيفساء اللائي يشكلن لوحةً جماليةً، تكون قادرة على أسر القارئ وإسقاطه في غوايتها، ومثلما تعول الأحجار والأصداف على مهارة الفنان وحرفيته في إنزالها الموضع الموائم لمزاوله ألقها فإن اللغةَ تعول على براعة الكاتب وإتقانه في انتقاء ما يصف مراده ويصور بغيته على النحو الذي يبدي جمالها؛ لأنها تفترض نوعاً من التوافق الحسي حيال المعنى، يمنح القارئ القدرة على إدراكه دون عناء، ويسدي إلى الكاتب لذة الشعور بجُمله وهي تزيح ما يجثم على وجدانه، فيما يفرض الخيال حتمية هدم الواقع وبناء آخر يربط القارئ بالنص.
بيد أن براعة الكاتب مهما بلغت لا تحول عادةً دون إخفاقه في النأي بقلمه عن خيبات الأمل التي مني بها والهزائم التي تجرعها؛ ولذلك فهي تتسلل رغماً عنه عابرةً دواته نحو النص لتتبدى من خلال اللغة على نحو قد يتجاوز ما تشي به الشخوص ويقوله المعنى.
وبينما يخلق النص ذلك الفضاء الذي يحتشد بالأسئلة وتمنح الأخيلةَ حيزاً فسيحاً لتشييد الإجابات وبناء الاحتمالات فإن الانفعالات التي تثيرها القطع البلاغية تعبر بمخيلة القارئ إلى عالمٍ موازٍ يحاكي تطلعاته التي ظلت عصيةً إزاء تحقيقها متذرعةً بلا منطقيةِ ما آلت إليه، وهي امتداد على نحو ما لتمثلات أحلام ورغبات الكاتب التي استحالت فكمنت في لا وعيه وأطلت من خلال الملكة الذهنية فبدت كأخاديد حسية ونتوءات فاتنة تميز لغته.
وفيما تُعين الملكة الذهنية على ابتكار الحيل الدفاعية التي تحل العقد من خلال التعلية النفسية أو التسامي فتحولها إلى مضمارٍ إبداعي تطلق فيه جيادها فإن ملكةَ القراءة تحيل ما تشكل في لا وعي القارئ من غيتوهات حاصرت أحلامه إلى مدينة لا تحقق أماله، وهو أمر لا يعدو في ظاهره عن كونه استبدالاً لما يؤلمه بما يؤرقه بيد أن تحور كهذا قد يكون ترياقاً في الحين ذاته.
بوسعنا أن نفترض أن ليس ثمة ما يمكن أن تكشف عنه اللغة، ولكن ذلك سيبدو غير منصفٍ لأن كشفاً كهذا يعد حتمياً لقراءة عميقة من منظور علم النفس اللغوي، فثمة علاقة وطيدة بين كل ما ينتمي إلى الأدب وما ننتمي إليه نحن بما في ذلك اللغة «أداتنا التي نعتمد عليها في التفكير» كما يرى «فيتغنيشتاين»، والتي تصف لنا الأشياء والمعاني من حولنا، وتطلعنا على ما يريد الآخرون، ولأن العلاقة بين اللغة والمعنى حرفياً كان أو مجازياً هي الكون الذي يتشكل داخله فضاء مخيلتنا، فإبان القراءة يتخلق كائن ما يحتل ذلك الفضاء وينمو بفعل الوميض الذي تحدثه اللغة في لا شعور القارئ، فيستدعي أحلامه المقيدة ليطلق عقلها ولتتحول إلى رئة بديلة يتنفس من خلالها.
يرى إمانويل كانط «أن الفن جمالي في جوهره ولا يرتبط بشيء آخر سوى إشباع الحاجة إلى الجمال والتأمل»، وهو ما يمكن للجميع رؤيته على سطح الألوان والكلمات ويشبه إلى حد كبير منطق أولئك الذين يرون أن المعنى يتشكل في ذهن القارئ من خلال الطبيعة ولا يخضع بأي حال للحالة السيكولوجية للكاتب أو القارئ التي تشكلت على مدى سنوات كُبت خلالها الكثير من الرغبات وتحولت إلى كتل مؤرقة وعبء كامن يستميل الأمزجة نحو المُنى العتقية والآمال الهرمة التي ظلت عالقةً في الأعماق آملةً ومتحينةً للقاء الضوء.
لكن ذلك الشعور بالقلق الذي ينجم عن رغبة مكبوتة ويتنقل داخل الجغرافيا النفسية حتى يتشكل في مناطقها الوعرة يجد في اللغة عالماً متحرراً من السلطة والسلطوية والقمع والعوز فيتبدى لاحقاً من خلال ألقها، كما يجد الكاتب والقارئ على حد سواء في ذلك العالم ما يستلهما من زحامهما الداخلي إلى آخر يتسع لما يضيق بهما بيد أن ما لم يدركاه أن اللغة التي تبدد اكتظاظهما هي ذاتها من خلقته حينما عجزا عن إرضاء غرورها ولم يكونا قادرين على التعاطي مع سحرها بوصفه السبيل إلى تسوية مُرضية بين واقعهما وأحلامهما، تسوية كانت ستجعل حيوات أُسرت أسفل طبقات اللاوعي طليقة ومتسعة.